المهدي البرغثي... العسكري المنشق عن حفتر

11 أكتوبر 2023
كان للبرغثي دور بارز بالثورة على القذافي (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

وضعت عودة وزير الدفاع بحكومة الوفاق الوطني السابقة، العميد المهدي البرغثي، إلى مسقط رأسه بمنطقة السلماني في بنغازي، الجمعة الماضي، بعد غياب دام سبع سنوات، المدينة على صفيح ساخن، على خلفية مواجهات مسلحة بين أنصاره ومليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إثر رفضه الامتثال لأوامر الأخيرة تسليم نفسه لها.

وعلى الرغم من تمكن مليشيا "طارق بن زياد" و"اللواء 106" اللذين يقودهما نجلا حفتر، صدام وخالد، من اقتحام منزل البرغثي في السلماني، بعد مواجهات مسلحة مع أنصار البرغثي، والقبض عليه بعد وصوله إلى منزله بساعات، إلا أن التوتر لا يزال مرتفعاً في أرجاء المدينة كافة، خصوصاً مع استمرار انقطاع الاتصالات عن كامل المدينة، ما زاد من غموض الأوضاع.

تعرض البرغثي لمحاولة الإقصاء والإبعاد من القيادة الرئيسية لعملية الكرامة

والمهدي إبراهيم البرغثي (55 سنة) ولد بالسلماني في بنغازي، وتخرج عام 1990 من كلية الهندسة العسكرية برتبة نقيب مهندس، وعمل لسنوات في معسكر الرحبة للدبابات في بنغازي حتى ترقّى إلى رتبة عقيد في 2009، وهو العام الذي تولّى فيه منصب مساعد آمر المعسكر.

وكان للبرغثي دور بارز في الثورة على نظام العقيد الراحل معمر القذافي في بنغازي في عام 2011، إذ قاد برفقة عدد من أفراد معسكر الرحبة دبابتين لاقتحام مقر كتيبة الفضيل بن عمر، كبرى الكتائب الأمنية للقذافي في بنغازي. وشارك في معارك أخرى ضد النظام وقتها. وبعد عام 2011، عمل على إعادة بناء معسكر الرحبة، وغير تسميته إلى الكتيبة 204 دبابات.

ظلّ البرغثي أبرز الشخصيات العسكرية التي تحظى بدعم واسع من قبيلته البراغثة، التي تعد من أقوى وأوسع القبائل انتشاراً في بنغازي ومحيطها. وتقع المدينة ضمن نفوذ قبيلة العواقير، التي يعد البراغثة من أكبر فروعها، ضمن التوزيع القبلي لمناطق النفوذ في شرق البلاد.

دعم قبيلة البراغثة لعملية الكرامة

وإثر إطلاق خليفة حفتر عملية الكرامة في القطاع الشرقي لبنغازي منتصف 2014، كان البراغثة من أولى القبائل التي احتضنته وقدمت له الدعم، وفتحت له مجال نفوذها في شرق المدينة، ليكون منطلقاً لعملياته العسكرية.

كما دفعت بالعديد من أبنائها، الضباط والعسكريين والأفراد، للقتال في صفوفها، ومنهم العقيد المهدي وكتيبته 204 دبابات، الذي نفذ أكبر عمليات الاقتحام في بنغازي لصالح حفتر، وتحديداً اقتحام معسكر 17 فبراير الذي كان يمثل الغرفة الرئيسية لعمليات مجلس شورى بنغازي المناوئ لحفتر، والذي كان يسيطر على المدينة وقتها.

وفي النصف الثاني من عام 2015 بدأت العلاقة بين حفتر والبرغثي في الفتور، إذ تعرض كغيره من ضباط القبائل التي دعمت حفتر لمحاولة الإقصاء والإبعاد من القيادة الرئيسية لعملية الكرامة، تزامناً مع شكاوى لم يخفها زعماء "العواقير"، ومنهم "البراغثة"، إزاء تحجيم دورهم القبلي في دعم عمليات حفتر.

ويبدو أن الخلافات التي كانت تدب في أوساط صفوف مليشيات حفتر، بسبب محاولاته إقصاء أي شخصية عسكرية يمكن أن تبرز في ميدان عمليات الكرامة، كانت السبب وراء قبول المهدي تكليفه من قبل حكومة الوفاق في بنغازي، في يونيو/ حزيران 2016، تشكيل قوة عسكرية موالية لها لمكافحة الفصائل المسلحة المتشددة في المدينة.

وكان حفتر قد هدّد، وقتها، بمواجهة هذا القرار بالقوة، متهماً البرغثي بالسعي لإضعاف "قوة الجيش"، وكذلك قبوله في يناير/ كانون الثاني 2016، بتوليه حقيبة الدفاع، وهو القرار الذي عقد العلاقة بين حفتر وحكومة الوفاق.

مواجهة حفتر لتنامي دور البرغثي

وواجه حفتر تنامي دور البرغثي في بنغازي بقرارات حل بها الكتيبة 204 دبابات، والفصائل الموالية له، كـ"قوة المهام الخاصة" التي كانت يقودها قريبه النقيب فرج قعيم العقوري، والذي حاول الانقلاب على حفتر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، قبل أن يصبح من أشد المخلصين له حالياً، وآمر أحد الأجهزة الأمنية التابعة له.

كذلك نظم البرغثي العديد من العمليات بصفته وزيراً للدفاع لمواجهة توسع حفتر في منطقة الهلال النفطي، من خلال دعم قوات إبراهيم الجضران المغربي، آمر حرس المنشآت النفطية، التابع لحكومة الوفاق الوطني. ولعبت التحالفات القبلية بين البراغثة والمغاربة، التي يمتد نفوذها في مناطق الهلال النفطي، دوراً في تأخير سيطرة حفتر على المنطقة النفطية.

دعم البرغثي لسرايا الدفاع عن بنغازي

كما قدم البرغثي الدعم لسرايا الدفاع عن بنغازي، المكونة من العناصر المسلحة التي فرت من المنطقة، إثر سيطرة مليشيات حفتر على مناطق واسعة فيها، في عملية استهدفت محيط بنغازي الغربي في ديسمبر/ كانون الأول 2016. إلا أن العملية فشلت، بسبب خلافات البرغثي مع قادة سرايا الدفاع، خصوصاً ذوي التوجه الإسلامي منهم.

ليست المرة الأولى التي سعى فيها البرغثي للصلح مع حفتر ليسمح له بالعودة لبنغازي

وجاء دعم البرغثي لسرايا الدفاع بعد بيان أصدره في نوفمبر 2016، اتهم فيه حفتر بتصفية أحد القادة العسكريين في بنغازي المنحدرين من قبيلة البراغثة، وبالمسؤولية عن عمليات تصفيات واسعة أخرى في صفوف الضباط والعسكريين، مؤكداً أنه "لا يوجد جيش في بنغازي"، وأن بنغازي عادت تعيش في ظل الإرهاب.

وفي المقابل، ورغم مواقفه من حفتر، إلا أن أعماله السابقة عندما كان قائداً في صفوف مليشياته بقيت تلاحقه. فبعد توليه منصب وزير الدفاع، أعلن عدد من المهجرين من بنغازي على يد مليشيات حفتر في أغسطس/ آب 2016 تقديم شكاوى للنائب العام ضد البرغثي وعدد من قيادات مليشيات حفتر، بتهمة "ارتكاب انتهاكات بحقهم وتهجيرهم من منازلهم ونهب ممتلكاتهم واختطاف أبنائهم واعتقالهم في سجون تابعة لقوات الكرامة ببنغازي"، بحسب تصريح صحافي لأحد مقدمي الشكوى وقتها.

وفي إبريل/ نيسان 2017، أطلق البرغثي عملية "غضب الصحراء" لمنع حفتر، برفقة كتائب مشكلة من مقاتلين سابقين في نظام القذافي، من السيطرة على قاعدة تمنهنت القريبة من سبها جنوب الصحراء، في إطار مساعي حفتر التوسع في الجنوب الليبي.

مذبحة قاعدة براك الشاطئ

وبسبب العملية التي كانت قريبة من قاعدة براك الشاطئ، التي شهدت مذبحة في 18 مايو/ أيار 2017 راح ضحيتها 145 عسكرياً ومدنياً، ثارت شبهات حول تورط البرغثي فيها، ما أجبر الحكومة على إصدار قرار في اليوم التالي للمذبحة، بوقفه عن العمل وإحالته إلى التحقيق، فيما اعتبرت قيادة مليشيات حفتر البرغثي المسؤول الأول عن المذبحة.

ومنذ أحداث المذبحة غاب البرغثي عن المشهد تماماً، ولم يشارك في أي عمليات عسكرية، بما فيها عدوان حفتر على طرابلس عامي 2019 و2020، حتى ظهوره المفاجئ مساء الجمعة الماضي في بنغازي.

وليست المرة الأولى التي سعى فيها البرغثي للصلح مع حفتر ليسمح له الأخير بالعودة لبنغازي، كما توضح وثائق وزعها أنصاره، وتظهر موافقة حفتر على هذا الأمر، وتعهده لزعماء القبائل بعدم المساس به. ففي يناير 2019، صرح البرغثي، لوسائل إعلام، عن وجود اتصالات يجريها زعماء قبائل بالشرق الليبي من أجل مصالحته مع حفتر، وأنه مستعد لكل شيء من أجل السلام.

المساهمون