المناطق المتنازع عليها في العراق: بيئة جاذبة للجماعات المسلحة

28 فبراير 2022
أكثر من 60 جماعة مسلحة تنتشر في هذه المناطق (Getty)
+ الخط -

تُعاني مدن وبلدات عراقية عديدة في شمال وشمال شرقي البلاد من تنام مستمر لسطوة الجماعات المسلحة تحت مسميات وعناوين مختلفة، والتي باتت خلال العامين الماضيين تنافس سلطة الجيش والشرطة والمحاكم الرسمية في تلك المدن المعروفة تحت مسمى "المناطق المتنازع عليها"، في إشارة إلى الخلاف بين بغداد وأربيل على إدارة تلك المناطق، وأبرزها كركوك الغنية بالنفط، وزمار ومخمور وسنجار والحمدانية وتلعفر، وصولاً إلى خانقين على مقربة من الحدود العراقية الإيرانية.

وتبلغ مساحة المناطق المتنازع عليها نحو 40 ألف كيلومتر مربع، ويقطنها ما يزيد عن 3 ملايين نسمة من مكونات عراقية مختلفة، عربية وكردية وتركمانية وآشورية، إضافة إلى أقليات عراقية أخرى مثل الأيزيدية والشبكية والكاكائية والزرادشتية وغيرها.

وتضمّن الدستور العراقي الجديد عام 2005 مادة عُرفت باسم 140 تنص على تنظيم استفتاء شعبي لسكان هذه المناطق لتخييرهم بين البقاء تحت إدارة وسلطة بغداد أو الذهاب ضمن إقليم كردستان العراق.

لكن أسباباً سياسية وأخرى اجتماعية، أبرزها عمليات التغيير الديمغرافي المتعددة، وامتناع المليشيات المسلحة من الانسحاب، حالت دون تنفيذ هذا البند الدستوري.

أوضاع المناطق المتنازع عليها

وأفاد تقرير لمركز "سيزفاير لحقوق المدنيين"، حول الأوضاع في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، بأن المشهد الأمني "أصبح أكثر تعقيداً" في مرحلة ما بعد "داعش". 

وذكر أنه في ظل العمليات العسكرية السابقة سنحت الفرصة لفصائل "الحشد الشعبي"، لتشكيل "فصائل مسلحة جديدة على ميزانية الحكومة، على الرغم من عملها الفاعل خارج إطار سيطرة الدولة".

وأشار التقرير إلى أن "تلك القوات تستغلّ موقعها لتحقيق مكاسب على حساب مجموعات أخرى، وتمنح الأفضلية للمقربين منها للوصول إلى الوظائف والأراضي والموارد الأخرى، بالتالي تسبب وجود فصائل الأقليات في بعض الحالات بتأجيج التوترات التي كانت قائمة بين الجماعات وتفاقمها".

وشككت المنظمة في مدى تمثيل هذه الفصائل لمصالح الأقليات على المدى الطويل، نظراً لتلقّي معظم هذه الجماعات الدعم والمساندة من جهات فاعلة ذات نفوذ واسع".


المشهد الأمني في المناطق المتنازع عليها أصبح أكثر تعقيداً

وعلى الرغم من تأكيد حكومة مصطفى الكاظمي عزمها على إحلال الاستقرار في تلك المناطق وفرض سلطة الدولة، إلا أن العديد من تلك المناطق ما زالت خاضعة لإرادات قادة وزعماء فصائل مسلحة.

هذا الأمر يحول دون عودة أغلب سكانها، خصوصاً سكان سهل نينوى ذي الأغلبية العربية المسيحية وسنجار بمختلف مكوناتها العربية والكردية والأيزيدية، فضلاً عن بلدات أخرى مثل طوزخورماتو ذات الأغلبية التركمانية.

وأقر مسؤول عراقي في وزارة الداخلية في بغداد، بوجود ما لا يقل عن 60 فصيلاً وجماعة مسلحة في تلك المناطق تنافس سلطة القوات الحكومية وتعرقل فرض النظام والقانون.

وأضاف المسؤول، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، طالبا عدم ذكر اسمه، أن "محافظة نينوى وحدها تضم أكثر من 55 فصيلاً مسلحاً، عبارة عن انتشار عسكري أو ممثليات ومكاتب لإدارة أعمالها، وتتركز غالبيتها بين الموصل وسنجار وسهل نينوى، وهذا العدد كاف لمعرفة سبب تأخر نينوى في عمليات الإعمار والاستقرار مقارنة بما تشهده الأنبار من تطور سريع".

وتحدث عن وجود "تعمّد وغايات سياسية"، في إغراق تلك المناطق بالجماعات المسلحة والاستمرار في تجنيد السكان المحليين مقابل مرتبات شهرية، قائلاً إن المتورطين في هذه الأنشطة يريدون وضع المزيد من العقبات أمام طموح أربيل ضم تلك المناطق إلى سلطة إقليم كردستان".

هذا الأمر يؤكده عضو البرلمان العراقي عن مدينة سنجار، ماجد شنكالي، في حديث مع "العربي الجديد"، قائلاً إن "هيمنة الفصائل المسلحة غير الشرعية مثل حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى سيطرة فصائل تتبع الحشد الشعبي، تتسبب في الكثير من المشاكل في تلك المناطق، منها الأمنية والاضطرابات السياسية، وأحياناً التحدي الواضع للقرارات الحكومية".

وأضاف شنكالي أن "عدم السيطرة من قبل أربيل وبغداد على المناطق المتنازع عليها، واستمرار الخلافات بينهما في السنوات الماضية بشأن الإدارة المشتركة لهذه المناطق، عوامل دفعت جهات عراقية ذات ارتباطات خارجية إلى تأسيس مزيدٍ من المليشيات".

ولفت إلى أن هذه المليشيات "تسيطر على ملفات عقود الإعمار والخدمات وتأهيل المؤسسات، ناهيك عن ملف النزوح، فأكثر من 70 في المائة من سكانها لم يعودوا إليها، بسبب المشاكل الأمنية التي تسببت فيها المليشيات، من خلال استهدافات صاروخية في مناطق متفرقة، منها مطار أربيل والقواعد التركية"، مشيراً إلى أن هذا الواقع "ينسحب على بقية المناطق المتنازع عليها، فهي منزوعة السكان بشكل كبير وبلا أي حملات إعمار".

وكانت أربيل وبغداد قد وقّعتا "اتفاقية سنجار" في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020، التي تهدف إلى إخراج الجماعات المسلحة من سنجار تمهيداً لعودة نازحيها، وأبرزها "العمال الكردستاني" الذي ينشط في المدينة، ومليشيات أخرى حليفة لإيران مثل "كتائب حزب الله"، و"النجباء"، و"عصائب أهل الحق".

وتواجه الحكومة العراقية صعوبة في تطبيق ورقة الاتفاقية، بسبب رفض فصائل "الحشد" وعناصر "العمال الكردستاني" الانسحاب من البلدة.

أدوار الحشد الشعبي في المناطق المتنازع عليها

لكن القيادي في "الحشد الشعبي" (محور الشمال) علي الحسيني، برر هذا الانتشار بالقول، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "العصابات الإرهابية ما زالت تشكل خطراً كبيراً، وهي تستغل الفراغات الأمنية في المناطق المتنازع عليها، وحدثت أكثر من مرة عمليات إجرامية، كان ضحاياها من أبناء القوات المسلحة العراقية ومدنيين أبرياء".

واعتبر أن "هذا الفراغ الأمني سبّبته المشاكل السياسية، بالتالي فإن أمن المناطق يحتاج إلى دعم الأهالي، باعتبار أهل مكة أدرى بشعابها، ولذلك فإن الأفواج التابعة للحشد الشعبي من أهالي المناطق المعروفة بالمتنازع عليها تمارس أدواراً أمنية وعسكرية عامة في مناطقهم".

واعتبر الحسيني أن "وجود قوات الحشد الشعبي في المناطق المتنازع عليها، شرعي وقانوني وبأمر الحكومة، وهي لا تمارس أي أدوار غير حماية الأهالي ومنع أي تسلل لعناصر تنظيم داعش، كما أنها تقوم بتنفيذ عمليات نوعية لتعقب التنظيم الإرهابي وتحييد عناصره"، نافياً أن يكون لأفواج الحشد من أبناء الأقليات أي "أدوار اقتصادية أو إقليمية".


أفواج الحشد الشعبي في المناطق المتنازع عليها تمارس أدواراً أمنية وعسكرية

بدوره، رأى الخبير الأمني العراقي مؤيد الجحيشي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "جهات سياسية وأمنية في بغداد سعت في الفترات الماضية إلى أن تكون المناطق المتنازع عليها مركزاً للصراع بين بغداد وأربيل عبر تأسيس تجمعات عسكرية ممولة من الدولة من جهة، لكنها تنفذ أجندات خاصة بها ولها أبعاد إقليمية من جهة أخرى".

وأضاف أن "هناك أطرافا داخل الحشد الشعبي استقطبت الشبان من أبناء الأقليات في تلك المناطق وأسست فصائل مسلحة باسمهم، وتحوّلت في ما بعد إلى أدوات سياسية، وقد اشتركت في الانتخابات وحصلت على مقاعد برلمانية ومناصب وزارية هامة".

وبيَّن الجحيشي أن "الحشد الشعبي تمكن من اختراق معظم الأقليات في شمال البلاد، عبر استحداث فصائل بأسمائهم، وبات هناك تمثيل مسلح في المناطق المتنازع عليها محسوب على تلك الأقليات ويتحدث باسمها".

ولفت إلى أنه "توجد فصائل وأفواج تابعة لهيئة الحشد من التركمان والشبك والمسيحيين والأيزيديين، فيما تدعم أيضاً بعض تلك الفصائل حزب العمال الكردستاني الذي يستهدف أمن إقليم كردستان والمناطق التركية القريبة من العراق، وهي مستمرة في توليد مزيدٍ من الجماعات المسلحة، في ظل استمرار ضعف الحكومة العراقية في مواجهة هذه المخططات".