المليشيات توقف نقل عراقيين من مخيم الهول إلى نينوى

27 اغسطس 2021
غالبية العراقيين الموجودين بمخيم الهول نساء وأطفال (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

تفيد مصادر سياسية عراقية في بغداد، بتوقف برنامج نقل الأسر العراقية الموجودة في مخيم الهول في شمال شرق سورية إلى داخل العراق بشكل مفاجئ، بعد وصول دفعة أولى في مايو/أيار الماضي، من ضمن أسر جرى تدقيق أسماء أفرادها أمنياً، وغالبيتهم نساء وأطفال، قبل أن يستقر العائدون في مخيم جنوبي الموصل بمحافظة نينوى يعرف باسم مخيم "الجدعة". ووفقاً للمصادر، فإن السبب يعود إلى ضغوط مارستها قوى سياسية وفصائل مسلحة على رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في هذا الخصوص، إذ تعتبر هذه الفصائل أن عملية نقل هذه الأسر تجري بناء على رغبة أميركية وتحت غطاء أممي، وذلك ضمن المناكفات الجارية بين تلك القوى والولايات المتحدة وتوجهاتها في البلاد. لكن عادة ما يتم تبرير الرفض بعناوين أخرى، من بينها أن هؤلاء العائدين يمثلون خطراً أمنياً، على اعتبار أن كثيراً منهم من عوائل تورط أفراد منها بالعمل مع تنظيم "داعش".
وكانت الحكومة العراقية قد نقلت في مايو الماضي، 94 أسرة عراقية من مخيم الهول السوري إلى مخيم "الجدعة" في محافظة نينوى شمالي البلاد. وأكدت الحكومة والسلطات الأمنية وقتها، أنها دققت أسماء من تم نقلهم، وليس لديهم أي مشاكل متعلقة بالإرهاب، كما أنهم غير مطلوبين للقضاء. إلا أن ذلك لم يقنع الفصائل المسلحة والقوى السياسية الحليفة لطهران، والتي ظلت تحرض على رفض إكمال عمليات النقل ووصفت العائدين والمنوي إعادتهم، بأنهم "قنابل موقوتة"، بمن فيهم الأطفال. كما حمّل بعض هذه الفصائل مسؤولية التفجير الذي استهدف سوقاً شعبياً بمدينة الصدر شرقي بغداد في يوليو/تموز الماضي والذي راح ضحيته 30 قتيلاً، إلى نازحي مخيم "الجدعة"، وهو ما دفع الحكومة إلى إصدار بيان ينفي ذلك.

الجهات الضاغطة بدأت تعارض أي توجه للحكومة تلمس أنه يلقى تجاوباً أو ترحيباً أميركياً

وأمس الخميس، أكد نائب عراقي، طلب عدم الكشف عن اسمه، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، توقّف برنامج نقل العراقيين، بمن فيهم الذين تم تدقيق أوضاعهم أمنياً، بسبب ضغوط مارستها جهات سياسية ومليشيات على الكاظمي. وقال إن الجهات الضاغطة بدأت تعارض أي توجه للحكومة تلمس أنه يلقى تجاوباً أو ترحيباً أميركياً، وتعتبر ذلك من باب المؤامرة، بما في ذلك موضوع العراقيين الموجودين في مخيم الهول السوري. وأضاف أن جماعات مسلحة موالية لطهران مثل "حركة النجباء"، و"كتائب سيد الشهداء"، والتي تنتشر في مناطق عدة من نينوى، أرسلت تهديدات عدة للحكومة تسببت في توقف خطط استقبال الدفعة الثانية، وهي عبارة عن نحو 100 عائلة جرى تدقيقها أمنياً، وكان من المقرر نقلها إلى مخيم الجدعة.

وأكد النائب نفسه أنّ الكاظمي "وافق على إيقاف عمليات النقل حتى إشعار آخر، لكنه يعمل حالياً على استعادة الأطفال والنساء الذين لا ذنب لهم بما جرى خلال السنوات الماضية، من خلال حملة تطمينات سياسية، يساعده فيها مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، الذي يعمل من أجل تحقيق تقدم في الملف".

وكان آخر تصريح حكومي يتعلق بنازحي مخيم الهول قد صدر في الخامس من شهر أغسطس/آب الحالي، عندما تحدث الأعرجي، خلال زيارته مخيم الجدعة عن أن "القانون لا يحاسب الأبرياء على ذنب أو جريمة اقترفها غيرهم"، مخاطباً العوائل التي عادت أخيراً من سورية بالقول: "نشعر بالسعادة لأن نلتقي من يريد أن نستمع إليه، وسنكون أمناء في نقل المطالب إلى رئيس الوزراء".

وقبل ذلك، أكد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، بدر الزيادي، أنّ "جهاز الأمن الوطني يمتلك قاعدة بيانات تتضمن معلومات عن العراقيين العائدين من مخيم الهول السوري"، مضيفاً في تصريحات صحافية، أن "قوات الأمن تتولى متابعة العائلات العائدة، وهناك عمل مستمر بشأن التدقيق الأمني"، في ردّ ضمني على دعوات رافضة لإعادة تلك العائلات.

جماعات مسلحة موالية لطهران أرسلت تهديدات عدة للحكومة تسببت في توقف خطط استقبال الدفعة الثانية

كما أكدت وزيرة الهجرة العراقية، إيفان فائق، نهاية مايو الماضي، أنّ وزارتها تعمل على تأهيل العائلات التي عادت من مخيم الهول، موضحةً أن "العراقيين الذين تم اختيارهم بشكل خاص من مخيم الهول، والذين حاصرتهم عصابات داعش الإرهابية أو فروا منها، تم إيواؤهم مؤقتاً في مركز جدعة للتأهيل المجتمعي في نينوى من أجل سلامتهم، ووزارة الهجرة تعمل بالتنسيق مع الأمم المتحدة خلال هذه الفترة الانتقالية على تأهيلهم من خلال برامج خاصة". ولفتت إلى أن "الهدف الأساس وراء إعادة الأسر العراقية من سورية هو التعافي، وإعادة التأهيل على المدى الطويل".

من جهته، اعتبر رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في البرلمان العراقي، رعد الدهلكي، أن الضغوط التي تمارس من أجل وقف عمليات نقل النساء والأطفال العراقيين من سورية "لا تتناسب مع الأخلاق التي تربى عليها العراقيون". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الرحلة الأولى أدت إلى وصول نحو 100 أسرة عراقية تم تدقيقها أمنياً، وعرقلة إكمال المهمة أمر ليس له مبرر"، مشيراً إلى أن "منع عودتهم (عراقيو الهول) لا يبدو أنه مرتبط بمشاكل أمنية، بقدر ما هو مرتبط برؤية سياسية من بينها مشاريع تغيير ديمغرافي في المدن".

يوجد نحو 30 ألف عراقي في مخيم الهول

أما النائب عن محافظة نينوى، شيروان دوبرداني، وهو من الرافضين لعودة هذه العائلات، فقد أشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "توقف الرحلات الخاصة بنقل العائلات مرتبط بالمشاكل الأمنية التي قد تحدث عقب عودتها، خصوصاً أن معظم أبناء العائدين ينتمون إلى داعش". وأضاف أن "وصول 94 أسرة إلى مخيم الجدعة، آتية من مخيم الهول السوري في مايو الماضي، أدى إلى حالة من التشنج الأمني في مدينة الموصل". وقال "هناك عشائر وأفراد تضرروا من داعش نخشى أن يتحركوا للانتقام عبر استهداف هذه الأسر، فعلى الرغم من التعزيز الأمني في مخيم الجدعة، لكن لا نستبعد أن تحدث عمليات انتقامية".

ووفق إحصاءات سابقة، يوجد نحو 30 ألف عراقي في مخيم الهول، أغلبهم نساء وأطفال وكبار سن؛ قسم كبير منهم نزح إلى سورية من المدن العراقية الحدودية بقصد الانتقال من هناك إلى تركيا، أو أجبرهم التنظيم على التحرك من المناطق التي خسرها إلى أخرى في مدن سورية. وهناك قسم ثالث هم أساساً من أسر ينتمي أفراد فيها إلى تنظيم "داعش". ولا تعتبر العائلات التي أعيدت من المحسوبة على ما يعرف بـ"عوائل داعش"، إذ أكدت السلطات العراقية أن هذه الأسر نازحة بفعل المعارك والعمليات العسكرية في المدن العراقية المجاورة لسورية، وانتهى بها المطاف في المخيمات.