الملك تشارلز الثالث.. هل يرث الصمت والحياد عن والدته إليزابيث الثانية؟

09 سبتمبر 2022
تبدو شعبية تشارلز متدنية مقارنة بوالدته وتاريخها (Getty)
+ الخط -

ذات يوم، سئل الأمير تشارلز عن اللحظة الأولى التي أدرك فيها أنه سيكون ملكاً، فقال إنها لم تكن لحظة معينة وواضحة، بل كانت كبزوغ فجر مروّع. 

ولد الملك تشارلز فيليب آرثر جورج في 14 نوفمبر عام 1948 في قصر "باكنغهام" وسط لندن. وهو الابن الأكبر للملكة الراحلة إليزابيث الثانية وزوجها الراحل فيليب. ورغم كثير من السير الذاتية لكتّاب بريطانيين وعالميين تناولت قصة حياته، بقي التشكيك في شعبيته انطباعاً عاماً في الشارع البريطاني. المقارنة بوالدته أحد أسباب تلك الشعبية المتدنية نسبيا، وهي مقارنة تفتقر إلى الموضوعية، فإليزابيث اعتلت العرش طيلة 70 عاماً مما رسخ حضورها في مخيلة أجيال ممن لم يعاصروا غيرها، ولم يتخيّلوا حياة من دونها. رحيل الملكة لم يكن حاضراً في النقاشات العامة، ولم يكن متوقّعاً على الرغم من تسريب "خطة جسر لندن" أكثر من مرة، وهو ما أقصى الأمير تشارلز وهمّش فكرة قدومه ملكاً في يوم من الأيام في سياق طبيعي بعد رحيل والدته. 

في استطلاع للرأي أجري عام 2016 ونشرته الصحافة البريطانية، قال ربع المشاركين فقط إنهم يرغبون بالأمير تشارلز خلفاً لوالدته، بينما عبّر أكثر من النصف عن رغبتهم بتتويج ابنه الأكبر وليام بدلاً عنه. مثّل وليام للبريطانيين جيلاً جديداً تفتقر إليه العائلة المالكة، وبما أنه ابن لـ"أميرة الشعب"؛ ديانا انتمى في نظر بريطانيين إلى "النصف الملائكي" من العائلة المالكة. ولم يسلم الشارع البريطاني من تأثير انطباع العائلة عن تشارلز؛ اعتقدت إليزابيث أنه مصاب بـ"بطء النمو" بينما رأى فيليب أن "الدلال أفسده".

شكوك والديه في قدرته على اعتلاء العرش يوما ظلّت قيد التداول؛ هو الطفل الخجول، صاحب المناعة الضعيفة، والشكوى المستمرة من المرض، يهاب الخيول ولا يمتلك اللياقة البدنية المناسبة لاعتلاء ظهورها. كل ذلك دفع والده إلى إلحاقه بكلية غوردونتسون التي تلقى فيها فيليب تعليمه أيضا، وهي المدرسة الداخلية المعروفة بنظامها الجدّي والمتقشّف إلى حد بعيد.

لم تفلح تلك السنوات التي أمضاها تشارلز وحيداً، باكياً، ضحية لتنمّر زملائه في التخفيف من مناعة ضعيفة اكتشف لاحقا أنها لا تعدو أن تكون مجرّد حساسية مفرطة لم يعتد عليها النظام الملكي الصارم. يروي تشارلز لأحد كتّاب سيرته الذاتية؛ جوناثان ديمبلبي، كيف اجتاحته مشاعر ذنب وضغط نفسي هائل عند وقوفه أمام إحدى لوحات ليوناردو دافنشي، في المكتبة الملكية في وندسور، متأملاً وشارداً، ما أثار استغراب العائلة وسخرية أفرادها من حساسيته تجاه الفن. 

لاحقا، انتسب تشارلز إلى جامعة كامبريدج لدراسة التاريخ والآثار، ومع أن رئيس كلية ترينتي في كامبريدج تعهّد حينها بعدم منحه معاملة خاصة، إلا أنه قُبل في الجامعة رغم علاماته المتدنية، التي لا تتيح للطلاب العاديين الدخول إلى تلك الجامعة الشهيرة. بعدها، التحق بالبحرية الملكية بناء على طلب والده، ليجبَر رؤساؤه على تصميم برنامج خاص يتناسب وقدراته بعدما تعذّر عليه التعامل مع الأرقام والمعطيات.

تتراوح آراء من التقوا بالملك تشارلز وعاشروه عن قرب؛ هناك من يمدحه بسخاء، إذ يرونه أكثر دفئا مما يعرف عنه في الصحافة، وآخرون ينتقدونه بشدة بسبب سلوكه فيبدو أكثر "فجاجة" مقارنة بعذوبة زوجته الراحلة ديانا. مع ذلك، فإن من التقوا به يجمعون على ذكائه الفطري، وسعة عقله، وحساسيته المفرطة تجاه الفن والتفاصيل الدقيقة، أما صورته في الصحافة البريطانية، في مرحلة من المراحل، كـ"زير النساء" لا يعود إلى قصره قبل طلوع الفجر، فيقال إنها كانت مجرد محاولات لاختراع صورة مختلفة عنه تلغي  صورته الخجولة و"الحسّاسة" من المخيلة العامة، فهو في النهاية لم يحبّ سوى كاميلا شاند التي تكبره بعام، إلا أن زواجها منعه من الارتباط بها، حتى وإن انفصلت عن زوجها. تزوج تشارلز ديانا سبنسر التي تصغره بـ 12 عاماً، وبكى عشية زفافهما. 

أعلن تشارلز ملكاً بسرعة، حتى قبل أن يتاح للملايين أن يستوعبوا الفراغ الذي خلفته الملكة إليزابيث، فالترتيبات الخاصة بجنازة الملكة وبانتقال التاج دُرست بأدق تفاصيلها على مدى عقد من الزمن أو أكثر. لا يحظى تشارلز الملك بالإجماع الذي حظيت به الملكة إليزابيث، ويعتقد بعض البريطانيين أن الفضل في صمود الملكية يعود لها وحدها.

وكتب عنه جوفري ويتكروفت، الكاتب المحافظ، في "سبيكتاتور": "أمير ويلز رجل جاد ولديه إحساس قوي بالواجب، وأفضل طريقة للتعبير عن ذلك هي التخلّي عن العرش منذ الآن". المزاج العام لـ"حزب المحافظين" يبدو مفتقرا للودّ تجاه الملك تشارلز لأسباب كثيرة، تبدأ بحماسه للإسلام مروراً بنشاطه البيئي وصولاً إلى رسائله الشهيرة التي كان يرسلها إلى وزراء الحكومة تحت عنوان: "العنكبوت الأسود". وبينما ابتعدت والدته عن الحياة السياسية، ونأت بنفسها عن التدخّل في الشؤون الداخلية والخارجية، فإن تشارلز امتلك، منذ شبابه، رأياً في كل الأمور، ورغبة في التعبير، وفي الخروج عن الأعراف والتقاليد، إلى درجة أن مارغريت تاتشر اشتكته إلى قصر "باكنغهام" أكثر من مرة، كذلك فعل توني بلير. ويُحكى أن تاتشر قالت له مرة: "أنا من يدير البلاد يا سيدي وليس أنت". أما مواضيع رسائل "العنكبوت الأسود"، فتنوعت بين السياسة والعلوم والطبيعة والحياة، ولم تقتصر على المحاصيل المعدلة وراثياً أو الطب البديل. 

كان لافتاً قبل شهرين ما سُرّب عن الملك تشارلز، بشأن "خطة رواندا" الرامية إلى ترحيل اللاجئين من بريطانيا إلى رواندا. وكتبت الصحافة حينها أنه وصف الخطة بـ"المروّعة"، وأنه يقف ضدّها تماماً. لم يعلّق "داونينغ ستريت" على هذا "التدخّل" في صلاحياته، إلا أن قصر "كلارنس هاوس" سارع إلى التعليق على ما نشر دون أن ينفي صفة "مروعة"، مكتفياً بالتذكير بأن "الأمير تشارلز لا يزال حيادياً" وأن "المسائل السياسية متروكة للحكومة".

المساهمون