- التمويل يستهدف الفئات الهشة وذوي الاحتياجات الخاصة، ويهدف إلى خلق فرص عمل وتقليص الفوارق الطبقية، متاح للأفراد والمنظمات من مختلف الجنسيات بما في ذلك الأميركيين والأجانب.
- هذه الخطوة تأتي ضمن ديناميكية استثمارية لجعل المنطقة قطباً اقتصادياً بين أفريقيا وأوروبا، وتعكس الشراكة المعمقة بين الرباط وواشنطن، مؤكدة على الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على صحرائه.
يشير إعلان السفارة الأميركية في الرباط إطلاق تمويل لتشجيع الاستثمار في مدينتي العيون (كبرى حواضر الصحراء) والداخلة (ثاني حواضر الصحراء)، إلى العديد من الدلالات السياسية، في وقت تشهد فيه العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة حالة جمود في ظل عجز المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا، عن إقناع الأطراف بالعودة إلى طاولة المفاوضات لحل نزاع استمر طويلاً.
وفي خطوة لافتة، أعلنت السفارة الأميركية، الثلاثاء، تخصيص تمويلات تصل إلى 1.5 مليون دولار من أجل تمويل مشاريع في كل من مدينتي العيون والداخلة بالصحراء، ضمن برنامج (Grants.gov).
وبحسب منشور السفارة على حسابها الرسمي على منصة "فيسبوك"، فقد جرى تخصيص 500 ألف دولار سقفاً أعلى و200 ألف دولار سقفاً أدنى لكل مقترح يهدف إلى العمل على مشاريع تستهدف أساساً الفئات الهشة وذوي الاحتياجات الخاصة، وأن تعمل على خلق فرص الشغل والمساهمة في تقليص الفوارق الطبقية في الصحراء.
ويشمل التمويل جميع المؤهلين الحاملين للجنسية الأميركية، إضافة إلى الأجانب الذين يمثلون المنظمات الربحية وغير الربحية، ومؤسسات التعليم العالي الخاصة، والمنظمات الدولية العامة، إلى جانب الشركات الصغيرة ذات الخبرة العملية والإقليمية في مجالات التعليم والتنمية البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويأتي إعلان إطلاق هذه التمويلات بعد أسبوع فقط من زيارة وفد من الكونغرس الأميركي، يتكون من 6 أعضاء عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إلى المنطقة، في إطار زيارة عمل للمملكة. كما يأتي أيضاً بالتزامن مع ما تعرفه المنطقة من دينامية استثمارية غير مسبوقة بهدف جعلها قطباً اقتصادياً وحلقة وصل بين أفريقيا وأوروبا، وذلك في سياق المبادرة الأطلسية التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس، الرامية إلى فتح المجال أمام دول أفريقية ليس لها منفذ بحري من أجل الولوج إلى المحيط الأطلسي.
ومع أن إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 2020، اعتراف بلاده بمغربية الصحراء، وفتح تمثيلية قنصلية في مدينة الداخلة، يعتبر مؤشراً على بداية "مرحلة جديدة" كان لها ما بعدها على الملف، إلا أن السؤال الذي يطرح اليوم هو: ما دلالات هذا الدعم الموجّه من إدارة جو بايدن إلى مدن الصحراء؟ وهل هذه الخطوة تشير إلى أن واشنطن تواصل تقدمها في مساعي تثبيت دعمها للسيادة المغربية الكاملة على الصحراء؟
في هذا السياق، يرى الخبير في الشؤون الدولية المعاصرة، محمد بودن، أن إعلان السفارة الأميركية في الرباط فرصة تمويل جديدة لدعم مشاريع تهدف إلى تعزيز النمو الاقتصادي الشامل في الصحراء "يتضمن تأكيداً للاعتراف الأميركي العملي بسيادة المغرب على صحرائه، ويمثل انعكاساً للشراكة المعمقة بين الرباط وواشنطن، ومثالاً آخر للتقارب في المصالح بين الجانبين، وجزءاً من خريطة طريق الحوار الاستراتيجي المستمر بشأن مختلف القضايا الثنائية والإقليمية والدولية".
وأضاف الخبير المغربي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "من المؤكد أن هذه المشاريع التي ستنطلق في مستهل أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2024، وفي توقيت يتزامن مع تبني قرار أممي جديد، ستمكن من الترويج المتزايد لمؤهلات العيون والداخلة والصحراء المغربية عامة، وتعزز انفتاح المنطقة أمام الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث إن المجتمع الدولي أصبح ينظر إلى المملكة المغربية باعتبارها من بين النماذج الأكثر دينامية في أفريقيا الأطلسية، وكذا باعتبارها عنصر استقرار أساسيا في منطقة الساحل".
وتوقع بودن أن "تؤدي هذه المشاريع إلى زيادة الاستثمار وتعزيز الخدمات في المنطقة بما يمتد أثره إلى مجموع منطقة غرب أفريقيا والساحل"، لافتاً إلى أن "هذه البرامج التنموية الأميركية في الصحراء المغربية تعكس اهتمام واشنطن الراسخ بالعمل مع المملكة في نطاق الفضاء الأطلسي المشترك، وفي إطار الاتفاقيات الثنائية، ولا سيما اتفاقية التبادل الحر، وكذلك في إطار برنامج تحدي الألفية".
وأوضح أن "من شأن المشاريع المتعلقة بالنمو الاقتصادي وتعزيز فرص الشغل للشباب والنساء بالعيون والداخلة أن تنعكس إيجاباً على الواقع اليومي والمستقبل في الصحراء، وتساهم كذلك في تحقيق الهدف الثامن لأهداف أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030".
ولفت الخبير إلى أن الصحراء "تقع ضمن منظور الاهتمام الأميركي بالاستقرار والتنمية في المنطقة، وأنه بحكم ما لديها من مصالح حيوية بالأطلسي والساحل، فإنها تقوم بجهود إضافية هادفة وخلاقة لمصلحة الشراكة مع المملكة المغربية فاعلاً رئيسياً في المنطقة، وتؤكد اعترافها بالصحراء المغربية بوصفها منصة مفتوحة للفرص الاقتصادية وموقعاً مرشحاً باستمرار لمزيد من الازدهار على الواجهة الأطلسية".
يُذكر أنه منذ انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن، توالت إشارات عدة تؤكد أن إعلان ترامب اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء لم يكن "مجرد تغريدة"، كما تقول جبهة "البوليساريو"، ولعل أدل مثال على ذلك هو اعتماد خريطة المغرب بما يشمل منطقة الصحراء، وتنظيم مناورات عسكرية "الأسد الأفريقي" لأول مرة في منطقة المحبس الصحراوية غير البعيدة عن مخيمات تندوف، وكذلك تأييد المبادرة المغربية بتمتيع الصحراء حكماً ذاتياً.