ما زالت المعارضة التونسية مترددة إزاء توحيد صفوفها لمواجهة تفرد الرئيس قيس سعيّد بالحكم، وتحسب خطواتها وكأن ليس في الأمر عجل، برغم تقدم طفيف في المواقف يمهد للقفز فوق خلافاتها أو تأجيلها، لا سيما بعد تسريع سعيّد إجراءاته المتلاحقة.
وبينما يسير الرئيس التونسي بسرعة نحو المحطات المنتظرة التي أعلن عنها في "خريطة الطريق" التي فرضها، ولا يسمع أحداً ولا يكترث لأي معارضة في الداخل والخارج، تشهد الساحة السياسية في تونس وجود ثلاثة مكونات كبرى في المعارضة:
- "جبهة الخلاص الوطني": تضم أحزاب "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" و"حراك تونس الإرادة" و"أمل"، إضافة لمبادرات "مواطنون ضد الانقلاب" و"اللقاء الوطني للإنقاذ" و"توانسة من أجل الديمقراطية" و"مبادرة اللقاء من أجل تونس" ومجموعة من البرلمانيين.
- تنسيقية "الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية": تضم أحزاب "التيار الديمقراطي" و"الجمهوري" و"التكتل من أجل العمل والحريات".
- أما المكون الثالث فهو "الحزب الدستوري الحر" الذي تتزعمه عبير موسي.
وكان رئيس "جبهة الخلاص الوطني" أحمد نجيب الشّابي قد أكد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، خلال احتجاجات الأحد الماضي في وسط العاصمة التونسية، أنّ هناك مشاورات جديدة وأنّ الأيام المقبلة قد تحمل جديداً بخصوص جبهة المعارضة.
ويبدو أنه ستكون هناك محادثات بين "الجبهة" وقوى أخرى لتوحيد الصفوف هذه الأيام، بحسب ما أكدته مصادر حزبية لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم كشف هويتها.
إلى ذلك، قال الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي إنّ "الحل الأكيد الآن يكمن في جبهة وطنية موحدة تكون مهمتها الوحيدة التصدي للانقلاب وللانحراف بالسلطة والعودة إلى المسار الديمقراطي"، مبيّناً، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "بقاء الجبهات مشتتة ومختلفة حتى في استراتيجياتها للتصدي للانقلاب سيضعفها ويمنح قوة لسعيّد لاستكمال مشواره".
وأشار الشواشي إلى أنّ "الدستور الجديد سيكون هجيناً ويكرس لنظام سلطوي يحكم فيه الفرد الواحد ويلغي كل المكونات الوسيطة، ويمس الحقوق والحريات، والكلمة العليا فيه لرئيس الدولة"، مشدداً على أنّ هذا "غير مقبول، ولهذا ستتم المطالبة بعدم إنجاح الاستفتاء، وبأن يستفيق الشعب من غفوته".
وبينما أكد أنّ الحزب "مع جبهة كبيرة موسعة تسعى للتصدي للانحراف بالسلطة"، لفت الشواشي إلى أن سعيّد "إذا نجح في استفتاء 25 يوليو/ تموز بمصادقة الأغلبية، فستصبح لديه الشرعية الشعبية ليبقى رئيساً مدى الحياة".
وحذر من تبعات ذلك، موضحاً أنّ "سعيّد سيفرض هذا الدستور الغريب الذي يكرس لنظام رئاسي، ولن يكون فيه القضاء سلطة مستقلة، بل مجرد وظيفة كما يصرح دائماً"، مبيّناً أنّ سعيّد "لن يجعل الهيئات الدستورية التعديلية فوق باقي السلطات، بل لن يقبل بوجود سلطة محلية أصلاً لأنه صرّح في عدة مناسبات بأنه لن يقبل بدولة داخل الدولة".
وبخصوص التقارب بين أطياف المعارضة التونسية، لاحظ الشواشي أنّ "العملية ليست سهلة وهناك صعوبات، وهناك حتى انعدام ثقة بين بعض الفاعلين السياسيين، بالإضافة إلى أنّ تقديرات المشهد مختلفة بين جميع الأطراف، حتى المقترحات والحلول متنوعة".
وأكد أنه "مضت 9 أشهر منذ الانقلاب ولم تتكون الجبهة"، معرباً عن أمله في أن "تكون هناك جبهة موحدة وأن تنجح، لأنه إذا لم تكلل بالنجاح فسيواصل سعيّد الذهاب في مشروعه التدميري للمسار الديمقراطي في تونس ولمؤسسات الدولة"، بحسب تعبيره.
وأمس، الخميس، تحدث سعيّد خلال اجتماع مجلس الوزراء عن "استشارة إلكترونية ناجحة"، علماً أنها لم تجمع سوى 5% من عموم الناخبين، وعن "العمق الشعبي" الذي يصفه بـ"الحقيقي"، الذي قال إنه "هو سندنا للمرور من دستور كان سيؤدي إلى تفجير الدولة من الداخل إلى دستور يعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب"، مستبقاً نتائج دستور لم يعرض بعد على التصويت ولا أحد يعرف عنه شيئاً.
وقال الرئيس التونسي إنّ "من يهاب إرادة الشعب وحاول يائساً وفشل في ضرب الاستشارة الوطنية لا يُمكن أن يكون إلا عدوا للشعب، ومن يتباكى على العتبات في الداخل وفي الخارج لا يؤمن إطلاقاً لا بسيادة الشعب ولا بسيادة الدولة التونسية".
وأكد سعيّد أنه "سيفتح باب الحوار في إطار قانوني واضح"، وسيشكل "لجنة لتأسيس الجمهورية الجديدة"، مشدداً على أنها "هيئة استشارية".
وغير عابئ بكل المخاوف من ضيق الوقت أمام موعد الاستفتاء على الدستور وما يصفها بـ"الإصلاحات" في 25 يوليو/ تموز، حتى داخل هيئة الانتخابات التي عيّنها بنفسه، قال سعيّد إنه متمسك بالموعد، وسيقوم بكل التسهيلات من أجل تسجيل الناخبين الجدد، حتى ولو كان ذلك مخالفاً للقوانين المنظمة لذلك حالياً.