تسارعت الأحداث الميدانية في العراق، صباح اليوم الخميس، في ظل تقهقر الجيش العراقي وتراجعه أمام تقدّم الحراك المسلّح ضدّ حكومة نوري المالكي، إذ تواصل مسلسل سقوط المدن والقصبات العراقية في مناطق مختلفة من شمال وغرب البلاد باتجاه بغداد، فيما تمكنت آخر فرقة عسكرية بالجيش في محافظة صلاح الدين من الصمود أمام أسوار مدينة سامراء، وقد سيطر المسلحون على بلدات البغدادي وأجزاء واسعة من صحراء الـ"160" المحاذية للحدود الأردنية.
يأتي تقدّم المسلّحين في ظل محاولة حكومة المالكي الدفع بالقوات الكردية "البشمركة"، للمواجهة مع المسلّحين بدلاً من الجيش، إذ سيطرت هذه القوات بشكل تام على مدينة كركوك النفطية العراقية، بعد انسحاب الجيش من مواقعه، فيما اشتبكت مع مجموعة مسلحة على الحدود مع سورية، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.
وقال مصدر رفيع بوزارة الداخلية العراقية لـ"العربي الجديد" إن "نحو 200 مسلح اقتحموا 17 قرية في وادي الحوران المحاذي للحدود الإدارية لمحافظة كركوك مع ديالى شمال شرق بغداد (180 كلومتراً) في ساعة مبكرة من صباح اليوم، وتمكّنوا من إحكام سيطرتهم عليها وإحراق ستة مراكز للشرطة والسيطرة على مقر الفوج الثالث بالفرقة الثانية عشرة التابعة للجيش واستولوا على دبابات ومدرعات وأسلحة ثقيلة بعد معركة غير متكافئة بين الطرفين انتهت بفرار الجنود من ثكناتهم ومواقعهم العسكرية فيما منح المسلحون عفوا عن الشرطة وعناصر الصحوة، وأطلقوا سراح 22 معتقلاً بتهم إرهابية، بينما أبقوا على معتقلين آخرين بتهم جنائية وقضايا ديون زراعية".
وفي صلاح الدين، توصل المسلحون الى اتفاق مع قوات الشرطة المحلية في قضاء الإسحاقي وبلد ودخلوها من دون قتال. وقال المصدر نفسه إنه "بالسيطرة على الإسحاقي وبلد، تكون الجماعات المسلحة قد سيطرت على 80 في المئة من محافظة صلاح الدين، باستثناء مدينة الدجيل وقضاء سامراء، الذي يشهد معارك على المحور الغربي والشمالي تستمر منذ نحو 8 ساعات، إذ أبدت الفرقة العسكرية الأخيرة صموداً أمام المسلّحين".
وأضاف المصدر الأمني أنّ "أعنف الاشتباكات تدور في المحور الشمالي القريب من مئذنة الملوية التاريخية وقصور بني العباس، التي بدت نقطة إيجابية في صالح الجيش بسبب ارتفاعها عن مستوى تواجد المسلّحين، مما سمح لهم بالصمود طوال تلك الساعات".
ويخشى السكان من إلحاق أضرار بالمواقع الأثرية في سامراء المدرجة ضمن لائحة التراث العالمي، وتضم قصوراً للخلافة العباسية والمئذنة الملوية 545 للهجرة. وقال المقدم سلام البازي من شرطة سامراء في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" إن المسلحين مصرّون على الدخول، وتعتبر الاشتباكات حالياً مجرد مشاغلة من القوات الأمنية إلى حين وصول الغطاء الجوي الذي ينشغل منذ فجر اليوم، بتغطية معارك في مناطق ذراع دجلة وإبراهيم بن علي الواقعة على بعد 30 كيلومتراً من بغداد". وقال إن "سقوط سامراء سيكون بمثابة سقوط بغداد ونخشى عواقب ذلك طائفياً على العراق برمته".
وفي سياق تقدّم المسلحين، سيطرت جماعات عشائرية مدعومة بفصائل إسلامية على مدن البغدادي والسنجق القريبة من قاعدة القادسية الجوية والصحراء المحاذية للحدود الأردنية عند بلدة الرطبة. وقال زعيم قبلي عراقي في محافظة الأنبار يدعى أحمد النمراوي لـ"العربي الجديد"، إن "تلك المناطق سقطت من دون قتال والجيش تراجع الى داخل القاعدة العسكرية مع أسلحته، غير أن الوضع متوتر، وهناك مخاوف من محاولة اقتحام القاعدة التي تضم مئات الجنود فضلاً عن مطار عسكري لطائرات المروحية".
كذلك شوهدت قوات أردنية تنتشر على الشريط الحدودي العراقي الأردني منذ فجر اليوم، معززة بمدرعات وآليات تحسباً لوقوع اشتباكات قرب المنفذ البري الوحيد بين البلدين، طريبيل.
وفي كركوك، قال ضابط في قوات "البشمركة" الكردية ويدعى شوان كريم لـ"العربي الجديد"، إن قوات البشمركة سيطرت على مدينة كركوك وأعلنت حالة الانذار القصوى في صفوفها بعد سقوط جميع المدن المحيطة بها والتابعة إدارياً لمحافظة كركوك.
وقال كريم إن "أكثر من 7 آلاف عسكري من البشمركة انتشروا في المدينة بدءاً من حدودها مع أربيل وحتى منطقة 1 آذار، بعد انخفاض عدد أفراد الفرقة 12 المسؤولة عن حماية كركوك من 15 ألفاً الى 3 آلاف جندي فقط يتوقع مغادرتهم مواقعهم في الساعات القليلة المقبلة". وقال إن قوات البشمركة "تمكنت من استعادة السيطرة على قرية الخناجر المحاذية لآبار النفط من سيطرة المسلحين". وأوضح كريم "ما يهمنا هو تأميم كركوك كونها منطقة ذات غالبية كردية والمسلحون يتمدّدون كبقعة الزيت في كل مكان من العراق وأعطينا أوامر بالدخول في معارك مباشرة مع (داعش) أو الفصائل العشائرية في حال تقدموا الى كركوك".
في هذه الأثناء، قال حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، الذي يتزعمه الرئيس العراقي جلال الطالباني، إن وزير البشمركة بحكومة إقليم كردستان وعضو قيادة الحزب، جعفر شيخ مصطفى، نجا من محاولة اغتيال بجنوب كركوك، فيما قتل أحد أفراد فريق الحماية التابع له. وأوضح الحزب أن الوزير كان يقوم بجولة تفقدية على قوات" البشمركة" التي باتت تسيطر على كامل محافظة كركوك، وفي طريقه بين مركز المحافظة وناحية الرياض بجنوب كركوك، انفجرت عبوة ناسفة كانت مزروعة على الطريق، غير أنها انفجرت بسيارة أفراد الحماية.
من جهة ثانية، نقلت وكالة "الأناضول" عن مصدر أمني لم تكشف عن هويته قوله إن "اشتباكات اندلعت فجر اليوم بين مجموعة مسلحة (لم يذكر هويتها) قادمة من الحدود السورية في ناحية سنوني (60 كيلومتراً شمال غربي سنجار) وبين قوات البشمركة المتمركزة في الجانب العراقي". وأضاف المسؤول نفسه أن "الاشتباكات استمرت لعدة ساعات، وأسفرت عن مقتل نحو 20 مسلحاً، فيما أصيب ثلاثة من عناصر البشمركة بجروح (لم يوضحها)". وبحسب المسؤول، فإن "المسلّحين تركوا معدّاتهم وأسلحتهم ولاذ من تبقى منهم بالفرار تجاه الحدود السورية".
وفي الفلوجة، أعلن المجلس العسكري لثوار العشائر كسر الحصار العسكري المفروض على المدينة منذ خمسة أشهر، وفتح منفذين من أصل أربعة، بعد هجوم نفّذه المسلّحون على قوات الجيش التي تراجعت بدورها من محيط المدينة بنحو 10 كيلومترات.
وقال القيادي في المجلس العسكري لعشائر الفلوجة محمد عبد الله المحمدي لـ"العربي الجديد" "تمكنا أيضاً من السيطرة على أبراج شبكات زين وآسيا سسيل، ومن إعادة تشغيلها في الفلوجة بعد أكثر من شهرين على توقفها. كما قمنا بإعادة تشغيل محطات ضخ المياه وفتح الطرق المؤدية الى مناطق شمال وغرب الفلوجة، وباتت سالكة بعد انسحاب قوات الجيش منها".
وفي بغداد، لا تزال قوات الجيش تقيم حواجز أسمنتية عالية على حدودها الأربعة وتفرض حظراً على دخول الشاحنات الكبيرة، فضلاً عن منع دخول المواطنين من غير سكانها، إلا بتصريح أمني مسبق.
من جهة ثانية، طلب تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، في تسجيل نُشر اليوم الخميس، من مسلّحيه مواصلة "الزحف نحو "بغداد الرشيد" ومدينة كربلاء"، وذلك بعد سيطرة مسلّحين على محافظة الموصل وكركوك وتكريت، إثر انسحاب مفاجئ للجيش العراقي.
وقال أحد أبرز قيادات التنظيم والمتحدث باسمه، أبو محمد العدناني، في كلمة نُشرت على مواقع "جهادية"، ونقلتها وكالة الأنباء الفرنسية "واصلوا زحفكم، فإنه ما حمي الوطيس بعد، فلن يحمى الا في بغداد وكربلاء فتحزموا وتجهزوا". وأضاف "شمروا عن ساعد الجد ولا تتنازلوا عن شبر حررتموه. وازحفوا الى بغداد الرشيد، بغداد الخلافة، فلنا فيها تصفية حساب، صبحوهم على أسوارها لا تدعوهم يلتقطون الأنفاس".
وتوجه إلى المالكي بالقول "ماذا فعلت بقومك يا أحمق؟ وما أحمق منك الا من رضي بك رئيساً وقائداً...، ما لك وللسياسة والقيادة العسكرية، لقد أضعت على قومك فرصة تاريخية للسيطرة على العراق". وأضاف "حقاً أن بيننا تصفية للحساب. حساب ثقيل طويل، ولكن تصفية الحساب لن تكون في سامراء أو بغداد، وانما في كربلاء ... والنجف ... وانتظروا إنّا معكم منتظرون".
من جهته، عزا القيادي في "ائتلاف دول القانون"، الذي يتزعمه المالكي، إسكندر وتوت، ما جرى في الموصل إلى ما وصفه بـ"خيانة من بعض أفراد القوات الأمنية ومؤامرة مدعومة من قبل دول خارجية (لم يسمها)". ونقلت وكالة "الأناضول" عن وتوت قوله "هناك مؤامرة خطيرة ومدعومة لتدمير العراق وعمليته السياسية. كيف يدخلون إلى الموصل دون تصدّ؟ أين دور القوات الأمنية وقوات الحدود والمعلومات الاستخبارية؟".