يكثّف المستشار الألماني أولاف شولتز جهوده الدبلوماسية في محاولة لنزع فتيل الأزمة على الحدود الأوكرانية الروسية، ليستكمل بذلك مسعى أطلقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبدأت أولى ثماره تظهر الأربعاء بدليل "المؤشرات الإيجابية" التي تحدثت عنها موسكو وكييف.
وأكّدت أوكرانيا الأربعاء أنّ هناك "فرصاً حقيقية" لخفض حدّة التوتر على حدودها مع روسيا حيث حشدت موسكو أكثر من مئة ألف عسكري في خطوة يخشى الغرب أن تكون تحضيراً لغزو عسكري للجارة الموالية للغرب، في حين تحدّث الكرملين عن "مؤشّرات إيجابية".
وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا للصحافيين "اليوم هناك فرص حقيقية لتسوية دبلوماسية"، محذّراً في الوقت نفسه من أنّ "الوضع لا يزال متوتراً لكنّه تحت السيطرة".
وأضاف أنّ حكومته تأمل أن تنجح المساعي الدبلوماسي التي كثّفها الأوروبيون في الأيام الأخيرة، بالإضافة إلى التهديدات الغربية بفرض عقوبات "غير مسبوقة" على موسكو في حال غزت قواتها بلاده، في أن تبعد شبح الحرب عن أوروبا.
"مؤشرات إيجابية"
وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف للصحافيين "برزت مؤشرات إيجابية الى أنّ الحلّ لأوكرانيا يمكن أن يستند فقط إلى الالتزام باتفاقيات مينسك" الموقّعة في 2015 بين كييف والانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا.
لكنّه حذّر من أنّه ليس هناك أيّ مؤشر من السلطات الأوكرانية الى استعدادها "للإسراع" في القيام بما "كان ينبغي على كييف القيام به منذ فترة طويلة".
وأضاف "لذا هناك مؤشرات إيجابية، ومؤشرات أقلّ إيجابية".
والتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء في كييف في إطار مساع دبلوماسية أوروبية تهدف إلى تبديد المخاوف إزاء احتمال قيام موسكو بغزو لأوكرانيا.
وخلال مؤتمره الصحافي المشترك مع زيلينسكي، قال ماكرون إنه يرى مساراً باتجاه خفض التوتر.
Dialogue exigeant, mise en œuvre des accords de Minsk, stabilité et désescalade durables : voilà le chemin qui est le nôtre pour les prochaines semaines et les prochains mois. pic.twitter.com/vQImOrYsmv
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) February 8, 2022
ولفت ماكرون إلى أنّ زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي التقاه الإثنين في موسكو، أكّدا له التزامهما اتفاقيات مينسك للسلام.
وبعدما استقبلت الرئيس الفرنسي الإثنين، تستعدّ روسيا لاستقبال وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس التي ستقوم بزيارة إلى موسكو تستغرق يومين.
بدوره، قال وزير خارجية الاتّحاد الأوروبي جوزيب بوريل في ختام زيارته الى واشنطن إنّ زيارة ماكرون إلى روسيا واجتماعه ببوتين شكّلا "إشارة إيجابية" و"مبادرة جيدة". وأضاف "أعتقد أنّها تشكّل عنصر انفراج".
شولتز على خط الأزمة
من جهته، كثّف المستشار الألماني جهوده الدبلوماسية على خط الأزمة الأوكرانية لا سيّما بعد الانتقادات الشديدة التي وجّهت إليه في الأسابيع الأخيرة والاتهامات التي ساقها خصومه في الداخل والخارج بأنه يساير بوتين وينأى بنفسه عن الأزمة.
وبعدما التقى في برلين عصر الأربعاء رئيسة الحكومة الدنماركية ميتي فريدريكسن، يستقبل شولتز الخميس قادة دول البلطيق القلقين بشدّة من تصرفات جارتهم روسيا.
وإثر لقائه فريدريكسن أشاد شولتز بـ"التقدّم" الذي تم تحقيقه باتّجاه خفض التصعيد في أزمة أوكرانيا. وقال للصحافيين خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسة الوزراء الدنماركية "تتمثّل مهمتنا بضمان الأمن في أوروبا، وأعتقد أنّ ذلك سيتمّ تحقيقه".
Statsministeren på fælles pressemøde med @OlafScholz i Berlin:
— Statsministeriet (@Statsmin) February 9, 2022
“Jeg er glad for, at vi har fået en ny tysk regering, der har sat meget høje mål på klimaområdet. Det er vigtigt for Europa, at et af de store lande for alvor kaster sig ind i kampen på klimaområdet”.
🇩🇰🇩🇪 pic.twitter.com/T9Lz5Ny419
وعلى الرّغم من إعلان برلين عزمها على إرسال 350 عسكرياً إضافياً إلى ليتوانيا لتعزيز قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في هذا البلد، إلا أنّ رفض الحكومة الألمانية السماح لإستونيا بأن تزوّد كييف بمدافع "هاوتزر" الألمانية عاد على خليفة أنجيلا ميركل بانتقادات شديدة.
"قلق" على مخزونات الغاز
وبعد الزيارة التي قام بها إلى واشنطن الإثنين لطمأنة الأميركيين، واستضافته في اليوم التالي في برلين قمة لـ"مثلث فايمار" الذي يضمّ ألمانيا وفرنسا وبولندا، يجد شولتز نفسه في موقع حرج إذ إنّه يريد أن يحافظ على التضامن الأوروبي وثقة شركاء بلاده الغربيين وفي الوقت نفسه يريد تجنيب بلاده أزمة طاقة بسبب اعتمادها على إمدادات الغاز الروسي.
وفي هذا السياق برز التحذير الذي أطلقته وزارة الاقتصاد الألمانية الأربعاء من أنّ مخزونات الغاز في البلاد انخفضت إلى مستوى "مقلق".
وقالت متحدّثة باسم الوزارة خلال مؤتمر صحافي "نراقب بالطبع وضع مستويات المخزونات وهو حتماً مقلق"، مشيرة إلى أنّ المخزونات هي حالياً عند مستوى 35 إلى 36 بالمئة من قدرتها القصوى بالمقارنة مع 82% في العام الماضي.
ويتوّج شولتز مساعيه الدبلوماسية في 15 فبراير/ شباط الجاري بزيارة منتظرة بفارغ الصبر إلى فلاديمير بوتين، ستكون الأولى له إلى موسكو منذ انتخب مستشاراً في مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ويخيّم على العلاقات بين موسكو وبرلين موضوع خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الذي أنجز بناؤه، لكنه لم يحز التراخيص النهائية ولم يدخل الخدمة بعد.
والثلاثاء أعلن زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي السناتور ميتش ماكونيل أنّ شولتز أكّد لعدد من أعضاء المجلس أنّ خط أنابيب "نورد ستريم 2" لن يتم تشغيله في حال غزت روسيا أوكرانيا.
وكان شولتز أقلّ وضوحاً الإثنين بشأن أقصى ما يمكن الوصول إليه في إطار معاقبة روسيا في حال غزت قواتها الجمهورية السوفييتية السابقة، إذ اكتفى خلال مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس الأميركي جو بايدن بالتأكيد على أنّ برلين وواشنطن "متّفقتان تماماً" على العقوبات الواجب فرضها على روسيا إذا حصل الغزو.
ويأخذ خصوم المستشار الألماني عليه "تأخره" في الدخول على خط هذه الأزمة، في وقت تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، بحسب ما كتبت صحيفة "سود دويتشه تسايتونغ" الأربعاء.
وتنفي روسيا أن تكون تخطط لغزو جارتها، لكنّ الولايات المتحدة حذّرت من أن موسكو حشدت 70 في المئة من القوات التي قد تحتاج اليها لتنفيذ توغل واسع النطاق.
(فرانس برس)