انطلق، اليوم السبت، في مقر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في العاصمة القطرية الدوحة، مؤتمر "حالة حقل الدراسات الأمنية والاستراتيجية"، بمشاركة 30 باحثاً، والذي يستمر على مدى ثلاثة أيام.
وقدّم رئيس معهد الدوحة، عبدالوهاب الأفندي، في كلمته الافتتاحية، إطاراً عاماً للإشكاليات التي سيناقشها المؤتمر، منها: مدى نقدية حقل الدراسات الأمنية النقدية، وإن كان الحقل واعياً بالتحوّلات الكبرى في النسق الدولي، ومدى وجود مسافة بين دارسي الحقل والمؤسسات الأمنية نفسها.
وأشار في هذا الصدد إلى أنّه "جرى أمننة حقل الدراسات الأمنية على نحو ملحوظ خلال العقود الأخيرة، حتى في السياقات الليبرالية، واقترنَ مفهوم الأمن بمكافحة الإرهاب في حالاتٍ عديدة، على نحوٍ حدَّ المعنى الشامل للأمن".
ولفت رئيس معهد الدوحة، إلى تعامل المجتمع الدولي مع الزلزال الذي ضرب مدناً في سورية وتركيا، يوم 6 فبراير/ شباط الجاري، مبيناً أن هذا الزلزال وضع الدول والمجتمع الدولي تحت اختبار القدرات.
وقال إنه "رغم الانتقادات والنواقص فإن نحو 100 دولة أرسلت مساعدات إلى تركيا، لكن هذه الحال لم تكن الحال في الشمال السوري، رغم أن معظم المنكوبين جراء الزلزال، هم نازحون يفقدون مقومات الحياة، بسبب زلزال آخر من صنع البشر".
وانتقد الأفندي خطوات تطبيع عدد من الدول مع النظام السوري، قائلاً: "ما يشعرنا بالحزن أكثر أن بعض الأنظمة سارعت لترمي بنفسها في أحضان النظام السوري تحت يافطة التضامن مع الشعب، في حين لم يحدث هذا التضامن مع الضحايا الذين قضوا جراء قصف قوات النظام وحلفائه للشعب السوري".
التهديدات الأمنية العربية
وشارك في الجلسة الافتتاحية ثلاثة باحثين، وقدم أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في الجامعة الأميركية بالقاهرة، بهجت قرني، ورقة تناولت دراسة نقدية للدراسات الأمنية والتهديدات الأمنية العربية المتعددة المستويات، حاول خلالها الإجابة عن سؤالين رئيسين هما: لم تنزع معظم التحليلات الأمنية إلى التركيز على مفهوم عسكري تقليدي للأمن القومي، رغم وجوهه المتعددة في العالم العربي؟ وما حدود تطبيق مفهوم "الأمن البشري" على المنطقة العربية، وعلاقته بالدراسات الأمنية النقدية والنقاشات الأوسع حول الأطر المفاهيمية للعلاقات الدولية؟
وتناول أستاذ سياسة الشرق الأوسط ودراسات الصراع في كلية كينغز في لندن، يورين خانينغ، في عرضه "الدراسات الأمنية النقدية وإنهاء الاستعمار"، كيف يمثّل إنهاء الاستعمار تحدياً لحقل الدراسات الأمنية النقدية، وكيف ارتبط الحقل تاريخياً بالإنتاج المعرفي المتمحور حول الغرب وبنى السلطة الغربية.
وفيما أشار إلى الدروس التي يمكن أن يتعلمها الحقل من المحاولات العالمية المتعددة للتخلص من مصفوفة القوى الاستعمارية، والعمل على إنهاء الاستعمار. وعرّج إلى تطورات الحقل الأمني التي اعتبرها مواقع واعدة لتعزيز إنهاء الاستعمار المعرفي.
أمّا مدير وحدة الدراسات الاستراتيجية بالمركز العربي ورئيس برنامج الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة، عمر عاشور، فقدم ورقة تناولت "الدراسات الأمنية والاستراتيجية: مساهمة الدوحة"، وركز على إسهام المركز العربي ومعهد الدوحة في الدراسات الأمنية والاستراتيجية النقدية، من خلال المشاريع البحثية والمناهج الأكاديمية، ما يُشكل أساسًا متينًا لما يُمكن وصفه بمدرسة الدوحة للدراسات الأمنية النقدية والاستراتيجية.
وذكر أنه "منذ عام 2018، تُمثّل وحدة الدراسات الاستراتيجية، للمختصين والناشطين والمسؤولين، منصةً وطنية ودولية للاجتماع والمناقشة والنشر حول قضايا مهمة في الدراسات الأمنية والاستراتيجية".
وأشار إلى أن معهد الدوحة أطلق في سبتمبر/ أيلول 2019 "ماجستير الدراسات الأمنية النقدية"، وهو البرنامج الأول من نوعه في العالم العربي.
وأضاف أنه "في عام 2022، أطلق المعهد برنامج الدكتوراه في الدراسات الأمنية النقدية"، ولتعزيز التعليم التطبيقي والمتعلق بصنع السياسات في مجال الدراسات الأمنية، سيطلق معهد الدوحة برنامج الماجستير التنفيذي في الدراسات الأمنية النقدية في عام 2023، ليكون أول برنامج تنفيذي للدراسات الأمنية النقدية في المنطقة.
تطور الدراسات الأمنية
وتمحورت الجلسة الأولى من المؤتمر حول "الدراسات الأمنية: تعيين خريطة حقل صاعد"، بمشاركة ثلاثة من أساتذة الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة. فقدم سيد أحمد قوجيلي ورقةً بعنوان "من التقليدية إلى النقدية: تطوّر حقل الدراسات الأمنية". تتبّع فيها كيف تطوّر حقل الدراسات الأمنية خلال العقود السبعة الأخيرة، متطرقاً إلى كيفية استجابة علماء الأمن والمؤسسة الأكاديمية عموماً، للتغير المستمر في البيئة الأمنية، وأساليب التفكير الجديدة المستخدمة لمواكبة تلك التطوّرات، ومخرجات هذه التفاعلات، وأثرها في إنجاز الأمن على المستويات كافة، الأفراد والمجتمع والدولة والمحيط الحيوي.
وحاول مهند سلوم في ورقته "دراسات الاستخبارات في العالم العربي: حالة الحقل" الإجابة عن ثلاثة أسئلة رئيسة هي: لماذا تفتقر مكتبة دراسات الاستخبارات إلى البحوث الأكاديمية التي تدرس أجهزة الاستخبارات العربية على نحوٍ منهجي يعتمد على البيانات الأولية، رغم مركزية أجهزة الاستخبارات في كثير من الأنظمة السياسية العربية؟ وما صعوبات العمل الميداني التي تواجهها دراسات الاستخبارات؟ وكيف يمكن تقييم محاولات دراسة تطور دور أجهزة الاستخبارات العربية وفهمها؟
أمّا عماد منصور، فانتقل في ورقته "الأسس المشتركة في دراسات الأنظمة الإقليمية والتنافس الإقليمي" إلى البعد الدولي للدراسات الأمنية والاستراتيجية، من خلال معالجة كيف تطورت دراسة النسق الإقليمي، ومن ثمّ الأمن الإقليمي.
أمن الطاقة
وتناولت الجلسة الثانية، "الأمن الطاقي والبيئي والبشري"، وافتتحها أستاذ شؤون الأمن القومي في جامعة الدفاع الوطني التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، جودت بهجت، بورقة "دول الخليج والتحول في مجال الطاقة"، ناقشَ خلالها آفاق التحوّل الطاقي في الدول الرئيسة المنتجة للنفط والغاز في الشرق الأوسط، مجادلًا بأنّ هناك حاجة إلى تحقيق التوازن بين أزمة المناخ وتلبية احتياجات الطاقة العالمية، وأن تنويع مصادر الطاقة ضروري لضمان أمن الطاقة على الصعيد الإقليمي والعالمي، وضمان الازدهار الاقتصادي.
وتحت عنوان "الأمن الصحي في العالم العربي: التأطير المفهومي والتطبيقات العملية والأجندة المستقبلية"، أشار اختصاصي علم أوبئة وباحث الدكتوراه في كلية كينغز في لندن، عبد الكريم قزيز، إلى تعرّض الحصول على الرعاية الصحية في العالم العربي للخطر، بسبب النزاعات المسلحة، والعنف في المنطقة، فضلاً عن الأوبئة وتفشّي الأمراض المعدية، وعدم وجود أجندات وطنية مرتبطة بالأمن الصحي.
وختمت الجلسة بورقة قدمها الأستاذ في مركز دانييل ك. إينوي لآسيا والمحيط الهادئ للدراسات الأمنية، بيل وينينغر، عنوانها "أمن الطاقة والتعقيد في عالم غير آمن"، أشار فيها إلى أن الطاقة تعد نظاماً معقداً غالباً ما يُساء فهمها، وتكون عرضة للفهم العقيم للأزمة القصيرة المدى.
وشدد على أنّه من الأجدى النظر إلى أمن الطاقة في سياق نظام مرن من الإمدادات والموردات، وأنظمة التوصيل، والمستهلكين الذين استجابوا إلى حد ما لمؤشرات العرض والطلب.
خلاصات الدراسات الأمنية والاستراتيجية
وحول أبرز ما سيطرحه المؤتمر، قال رئيس برنامج الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة، ومدير وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عمر عاشور لـ"العربي الجديد"، إن المؤتمر هو طرح عام لأهم خلاصات الدراسات الأمنية والاستراتيجية وأفرعها المختلفة، شاملاً دراسات الاستخبارات، والأمن الإقليمي والبشري، ودراسات الحرب، وأمن الطاقة والأمن الدولي، والعلاقات المدنية العسكرية وغيرها.
وأوضح أننا "نحاول أن نصل لما وصلت إليه هذه الأفرع في ما يخص الدراسات وخلاصاتها، ومناقشتها بشكل نقدي، عبر 30 باحثاً وأكاديمياً من مختلف دول العالم".
ونوه بأن "هناك إسهامات ودراسات لبرنامج الدراسات الأمنية في معهد الدوحة ووحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي، ستطرح خلال المؤتمر".
القضايا الراهنة
كما يتطرّق المؤتمر إلى قضايا راهنة، ومنها الاستخدام المبتكر لعمليات محاكاة الحرب والمحاكاة التفاعلية، بوصفها أداةً تعليمية في دراسات الأمن والدفاع، والحرب الروسية على أوكرانيا، والحروب الهجينة، والمعارك الحضرية.
وإضافة إلى النقاشات النظرية تناقش أوراق المؤتمر حالاتٍ تجريبية، وتعالج قضايا مختلفة، تتعلقُ بعددٍ من البلدان، منها بلدان الخليج العربية، وأفغانستان، وصربيا، وألبانيا، وتركيا، ومصر، والصين، وإيران.
وينظم المؤتمر وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ويعقد ثماني جلسات ومحاضرتين عامتين، على مدى ثلاثة أيام، ليختتم فعالياته بعد غد الاثنين.