يُكنّى شهر مارس/آذار بشهر المرأة، لتأريخه مناسبتين تخصانها (يوم المرأة العالمي، ويوم الأم)، توفّر المناسبة الأولى؛ في الثامن منه، فرصة سنوية كبيرة للصراخ حول واقع حقوقها المنتهكة، خصوصاً في المناطق الأكثر تهميشاً واستلاباً.
إلّا أنّ شريحة من النساء، تتكثّف بها وحولها عوامل استلاب مركبة، باعتبارهنّ لاجئات من بلادهنّ المحتلّة، فاقدات الاعتباريّة المواطنيّة والشخصية القانونية في أماكن لجوئهنّ، يعشن ظروف قهر متعددة الأشكال، خصوصاً في سورية ولبنان، إذ لا تزال هذه الظروف خارج نطاق الرصد الحقوقي من قبل المنظمات الدولية المعنية والنسوية.
لا إضاءات حقوقية يعتد بها حول واقع اللاجئات الفلسطينيات في سوريا ولبنان، على ضوء الأزمات المتلاحقة في كلا البلدين، توفر أرقاماً ومعطيات دقيقةً حول واقعهنّ الاجتماعي والحقوقي، باستثناء بعض الإضاءات الصحافية العامة. فهي في سوريا ضمن الـ 40 % من اللاجئين الفلسطينيين الذين أحالتهم سنوات الحرب إلى نازحين داخلياً، التي أُجبرت النساء النازحات على إعادة تأسيس عوامل البقاء، بعد أن دمرت الحرب كافة مقوّمات حياتهم الاقتصادية والمعيشيّة وكذلك السياسية، التي أسسها اللاجئون في مخيماتهم على مدى عقود، والتي لا يمتلكون سواها.
لم تضطلع أي جهة فلسطينية برصد الواقع المستجد للنساء في المخيمات على ضوء الأزمة
تحمّلت النسوة الفلسطينيّات معاناةً كبيرةً في هذا الإطار، كما شريحة الأرامل، اللواتي فقدن أزواجهنّ أثناء الحرب، أو من سيق أبناؤهنّ وأزواجهن لخدمة "جيش التحرير الفلسطيني" الإلزاميّة، وأصبحن بلا مُعيلٍ. لم توفّر أيّة جهة حقوقية أو مدنية احصاءات حول هذه الشريحة من النساء اللاجئات، بما فيها وكالة "الأونروا" المعنية بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي لا وجود لبرامج خاصّة بهن لاحتوائهنّ معيشياً واقتصادياً.
كما تعيش اللاجئة الفلسطينية في سوريا، استلاباً في اعتباريّتها المواطنية، كحال عموم اللاجئين، إذ أظهرت الحرب هشاشة "وثيقة سفر اللاجئين الفلسطينيين"، التي لم توفّر لغالبية النساء، فرصةً للهرب من البلاد التي بات الفقراء الفلسطينيون فيه قرابة الـ 90 %، وفق أرقام وكالة "أونروا" المعلنة في أواخر العام الماضي.
واقع اللاجئات الفلسطينيّات في سوريا؛ يصعب تلخيصه، دفعهن إلى خوض غمار الهجرة واللجوء عبر البحار، التي ابتلعت العشرات منهنّ، ولم تستطع جهات حقوقية سوى توثيق (28) لاجئة، قضين غرقاً في قوارب الهجرة غير الشرعيّة.
وسعت أزمة الانهيار الاقتصادي المتفاقمة في لبنان منذ العام 2019 إطار معاناة المرأة، المجردة في الأساس من حقوقها المدنية؛ أبرزها حق العمل والتملك، ومن الاستفادة من التقديمات الاجتماعية في البلد المضيف، ومن سواهما.
فرضت الأزمة الاقتصادية على المرأة مهاماً مركبةً داخل المنازل وخارجها، لمواجهة الفقر المطلق الذي يلف 93% من اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد؛ بحسب "الأونروا"، إذ لم تضطلع أي جهة فلسطينية برصد الواقع المستجد للنساء في المخيمات على ضوء الأزمة، إذ تشير بعض المشتغلات في مجال المرأة إلى أنّ 60% من النساء أجبرن على العمل، لموازنة الكفة المعيشية.
شريحة من النساء، تتكثّف بها وحولها عوامل استلاب مركبة، باعتبارهنّ لاجئات من بلادهنّ المحتلّة، فاقدات الاعتباريّة المواطنيّة والشخصية القانونية في أماكن لجوئهنّ
على ضوء ما يمكن رصده وتصوره من أزمات اجتماعية ونفسية ناتجة عن التردي العام؛ الذي لا يشبه سواه، مقارنة بشرائح النساء اللواتي يعشن ظروفاً أكثر طبيعية من النساء الفلسطينيات اللاجئات، صار من الواجب الأخلاقي على كافة المنظمات الحقوقية والنسوية، خاصّةً في الإطار الفلسطيني، ومجمل القوى المدافعة عن حقوق الإنسان حول العالم، العمل الجدي على تشخيص واقع المرأة تشخيصاً علمياً ودقيقاً، والتحرك في المناسبات الدولية وخارجها، لجعل المسائل التي تعني المرأة اللاجئة على رأس الأولويات.