تبحث المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا مع المسؤولين في الحكومة السودانية، ابتداء من اليوم السبت، سبل التعاون بين الجانبين من أجل مثول الرئيس المعزول عمر البشير واثنين من مساعديه أمام المحكمة الدولية، لمحاكمتهم في الجرائم التي وقعت في دارفور قبل أكثر من 15 عاماً.
وتصل المدعية الدولية إلى الخرطوم اليوم، في أول زيارة لها للسودان، وتستمر حتى يوم 21 من الشهر الجاري، ومن المتوقع أن تلتقي فيها رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء ووزير العدل والنائب العام، كما يتوقع أن تزور إقليم دارفور غربي البلاد، حيث وقعت الجرائم ضد المدنيين أثناء حكم البشير، طبقاً لادعاءات المحكمة الجنائية الدولية.
وذكر بيان من مجلس الوزراء السوداني، أن الزيارة تهدف إلى مناقشة سُبُل التعاون بين المحكمة الجنائية الدولية والسودان، بخصوص المتهمين الذين أصدرت المحكمة بحقهم أوامر بالقبض عليهم.
وأشار البيان إلى أن المدعية العامة ستقدم توضيحاً للسلطات السودانية حول التقدم الذي أحرزته في قضايا المواطنين السودانيين التي تنظرها المحكمة.
وكانت المحكمة قد أصدرت، في الفترة من 2008 إلى 2010، مذكرات توقيف بحق البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين ووزير الدولة الأسبق بوزارة الداخلية أحمد هارون، إضافة للزعيم القبلي علي كوشيب، الذي سلم نفسه طواعية في يونيو/حزيران الماضي للمحكمة وبدأت إجراءات محاكمته.
وأقرت الحكومة السودانية الحالية، من خلال اتفاق سلام وقعته مع المتمردين في دارفور في الثالث من أكتوبر/تشرين الجاري، موافقتها على مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية الدولية، كما أكدت مراراً استعدادها للتعاون مع المحكمة التي رفض نظام المعزول عمر البشير الاعتراف بها وذكر أنها محكمة مسيسة، أُسست بغرض الضغط على دول العالم الثالث وابتزازها، عدا رفضه التعاون مع المحكمة لجهة عدم مصادقته على ميثاق روما المؤسس للمحكمة.
وتقدر منظمات دولية عدد ضحايا الحرب الأهلية التي اندلعت في إقليم دارفور بأكثر من 250 ألف قتيل، إضافة إلى أكثر من مليوني نازح، وذلك بعد استخدام النظام السابق تجييش القبائل لمواجهة التمرد، واعتماده على سياسة الأرض المحروقة، لكن نظام البشير لم يكن يعترف بتلك التقديرات الدولية، ويرى فيها تضخيماً متعمداً، مؤكدا أن عدد القتلى، لا يتجاوز 10 آلاف شخص.
حسم تسليم المطلوبين
وذكر صالح محمود، القيادي بـ"هيئة محامي دارفور"، وهي جسم قانوني يدافع عن حقوق ضحايا الإقليم، أن زيارة فاتو بنسودا المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية للبلاد، "ضرورية ومهمة، وتمثل تدشيناً للتعاون بين المحكمة والحكومة السودانية بعد سنوات من ممانعة النظام السابق".
محمود: الزيارة "ستحسم مسألة تسليم المطلوبين للمحكمة، وهى مسألة مصيرية لضحايا الانتهاكات الجسيمة"
ويشير محمود لـ"العربي الجديد" إلى أن الزيارة "ستحسم مسألة تسليم المطلوبين للمحكمة، وهي مسألة مصيرية لضحايا الانتهاكات الجسيمة التي حدثت في دارفور طوال سنوات الحرب، ذلك لأن نفس الأسباب والظروف، التي أدت إلى تدخل المحكمة الجنائية الدولية، ما زالت قائمة".
وأكد أن الزيارة "يجب كذلك أن تخرج بنتائج واضحة من حكومة الثورة التي عليها أن تستمع للرأي العام ولمطالب الضحايا، لأنها حكومة الثورة التي دفع السودانيون ثمن نجاحها".
لكن محمد الحسن الأمين، عضو هيئة الدفاع عن الرئيس المعزول عمر البشير، يختلف مع ما ذكره صالح محمود، ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن القضاء السوداني، قبل وبعد الثورة، "قادر على محاكمة أي متهم سوداني وأن حكومة الحرية والتغيير الحالية تمتلك الإرادة في ذلك، ما ينفي أي ولاية للمحكمة الجنائية الدولية على الشأن السوداني".
ولفت الأمين إلى أن "الحجة بوجود المطلوبين على رأس السلطة، بمن فيهم البشير، انتفت بعد أن أودعوا السجون منذ العام الماضي عقب التغيير الذي حدث في البلاد"، وذكر أن أي قرار بالتعاون مع المحكمة الجنائية يُعد طعنة في خصر القضاء السوداني النزيه والمستقل.
وأبدى المصدر نفسه خشيته أن تستجيب الحكومة لابتزاز الحركات المسلحة، وإن فعلت ذلك فسيصبح القرار سياسياً وليس قانونياً، ودعا إلى توجيه الاتهامات في جرائم دارفور حال صحتها إلى كل المتهمين ولا يُنتقى عدد قليل. وأعاد الاتهام للمحكمة الجنائية بأنها محكمة مسيسة أنشأتها الدول الأوروبية لاستهداف القادة الذين لا يلتزمون بالتوجهات الأوروبية، خاصة القادة الأفارقة.
ويُعتقد على نطاق واسع أن تسليم البشير وبقية المطلوبين إلى المحكمة الجنائية الدولية، ربما ورط قيادات عسكرية في السلطة الحالية، كانت جزءا من الحرب في دارفور، والإشارة هنا واضحة إلى رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، حيث عمل الأول قائداً عسكرياً في دارفور في بعض من سنوات الحرب، وقاد الثاني قوات الدعم السريع التي اشتركت مباشرة في المواجهات.
رد اعتبار للضحايا
من جهته، أعلن نور الدائم طه، المتحدث باسم "حركة تحرير السودان"، ترحيبهم بزيارة وفد المحكمة الجنائية الدولية برئاسة المدعية العامة فاتو بنسودا، على الرغم مما عده تأخيراً في زيارة يفترض أن تحدث منذ وقت مبكر.
وأوضح طه لـ"العربي الجديد" أن اتفاق جوبا للسلام الذي وقعته حركته وبقية المكونات الثورية "نص بوضوح شديد على ضرورة تعاون الحكومة مع المحكمة الجنائية الدولية، بما يصل إلى تسليم الرئيس المخلوع عمر البشير وبقية المتهمين إلى المحكمة، لمحاكمتهم على جرائم الإبادة الجماعية في إقليم دارفور"، وأكد أنهم واثقون أن الحكومة ستقوم بذلك في أقرب وقت.
وحول الاعتراضات على التسليم بحجة أن القضاء أصبح قادراً على محاكمة المطلوبين وله إرادة في ذلك، أشار نور الدائم طه إلى أن المؤسسات القضائية والعدلية "لا تزال بحاجة إلى إصلاح حقيقي بعد الثورة"، وأنها لن تقوم بالمهمة في الوقت الراهن، بالتالي ليس هناك طريق سوى في عملية تسليمهم للمحكمة الدولية وفي ذلك، حسب تقديره، رمزية ورد اعتبار للضحايا.