قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، اليوم الأربعاء، برد الدعوى المرفوعة بحل البرلمان والمقدمة من التيار الصدري.
وتمهد هذه الخطوة ربما لمزيد من التعقيد في المشهد السياسي العراقي، خصوصًا مع استمرار رفض التيار الصدري المشاركة بأي جلسات أو لقاءات للحوار مع باقي القوى الأخرى والتلميح عبر أذرعه الإعلامية وأعضاء نافذين فيه بإمكانية العودة مجددًا إلى الشارع كمتظاهرين ضدّ أي خطوات لتشكيل الحكومة الجديدة من قبل قوى "الإطار التنسيقي"، القريب من طهران.
وجاء قرار المحكمة بعد جلسة مغلقة استمرت نحو ساعتين، ولم يسمح بدخول الصحافيين أو المحامين إليها، حيث اقتصرت على أعضاء المحكمة وعدد من المستشارين المنتدبين فيها.
جاء قرار المحكمة بعد جلسة مغلقة استمرت نحو ساعتين، ولم يسمح بدخول الصحافيين أو المحامين إليها
وجاء في نص الحكم النهائي للمحكمة بعد نحو شهر من التأجيل والتداول المتواصل، أن "أعضاء مجلس النواب بعد انتخابهم لا يمثلون أنفسهم ولا كتلهم السياسية وإنما يمثلون الشعب، ولذا كان من المقتضى عليهم العمل على تحقيق ما تم انتخابهم لأجله وهي مصلحة الشعب، لا أن يكونوا سبباً في تعطيل مصالحه وتهديد سلامته وسلامة البلد بالكامل".
واعتبر بيان المحكمة أن "استقرار العملية السياسية في العراق يفرض على الجميع الالتزام بأحكام الدستور وعدم تجاوزه ولا يجوز لأي سلطة الاستمرار في تجاوز المدد الدستورية إلى ما لا نهاية، لأن في ذلك مخالفة للدستور وهدم للعملية السياسية بالكامل وتهديد لأمن البلد والمواطنين".
وأكد أن حل البرلمان وفقا للدستور يكون من خلال البرلمان نفسه، إذ إنه وفقا لبيان المحكمة فإن "دستور جمهورية العراق لعام 2005 رسم الآلية الدستورية لحل مجلس النواب وفقاً لأحكام المادة (64/ أولاً) منه، وأن اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا مُحددة بموجب المادة (93) من الدستور والمادة (4) من قانون المحكمة الاتحادية العليا وليس من ضمنها حل البرلمان".
وختم بيان المحكمة الذي نشر على موقعها الرسمي أن "دستور جمهورية العراق لعام 2005 لم يغفل عن تنظيم أحكام حل البرلمان، ولذلك فلا مجال لتطبيق نظرية الإغفال الدستوري".
وكانت أطراف سياسية داخلية في العراق تعوّل على الدعوى القضائية التي تم ردها اليوم الأربعاء، كأحد مخرجات حل الأزمة الحالية، على اعتبار أن الحكم القضائي سيكون ملزماً لجميع الأطراف، وخصوصا أن الشكوى مقدمة من قبل التيار الصدري الذي يتهم البرلمان بالإخفاق في الإيفاء بالتزاماته الدستورية المتضمنة اختيار رئيس جمهورية للبرلمان وتشكيل حكومة جديدة، رغم مضي أكثر من 10 أشهر على إجراء الانتخابات.
لكن ما زالت هناك جلسة مرتقبة للمحكمة الاتحادية هي الأخيرة من ناحية إمكانية حسم الأزمة قضائياً، حيث من المقرر أن تعقد المحكمة في الـ28 من الشهر الحالي جلسة خاصة بشأن شكوى عدم شرعية قبول استقالات نواب التيار الصدري في يونيو/حزيران الماضي، والتي صادق عليها رئيس البرلمان فقط دون عقد جلسة خاصة للبرلمان بنصاب كامل.
وبذلك يمكن إيجاد تسوية ما، في حال قضت الجلسة الأخيرة المرتقبة بعدم شرعية قرار الاستقالة ووجوب التصويت عليها في البرلمان، وخاصة أن من بين المستقيلين نائب رئيس البرلمان الأول حاكم الزاملي، الذي يعتبر منصبه سيادياً، وبذلك يمكن إعادة عقارب الساعة في أزمة العراق السياسية إلى ما قبل شهر يونيو، حيث شهد العراق توتراً سياسياً وتصعيداً حاداً بعد هذا التاريخ تحديداً.
ضغوطات على "الاتحادية"
وتعليقا على القرار، اعتبر قيادي في التيار الصدري، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، قرار المحكمة الاتحادية بأنه "غير مفاجئ" لهم، عازيا ذلك إلى ما وصفه بـ"الضغوطات التي تمارس من قبل قوى الإطار التنسيقي، كما أننا لم نعول على هذه الدعوى، ولهذا كان الاحتجاج الشعبي المطالب بحل البرلمان، فالقرار القضائي متوقع"، وفقا لقوله.
وأضاف القيادي نفسه، طالبا عدم ذكر اسمه بسبب توجيهات زعيم التيار مقتدى الصدر بما يتعلق بالأزمة السياسية وحصر المواقف بالهيئة السياسية للتيار فقط، أن "الضغط الشعبي لتحقيق الإصلاح هو الخيار الضامن في هذا الموقف"، في إشارة إلى احتمالية العودة للشارع مجددا للاحتجاج.
وختم بالقول إن "قرار المحكمة الاتحادية يهدف إلى دفعنا نحو الحوار مع الإطار التنسيقي، وهذا لن يحصل".
في المقابل، قال القيادي في تحالف "الإطار التنسيقي"، علي الفتلاوي، لـ"العربي الجديد"، إن "كل خبراء القانون أكدوا أنه ليس من صلاحيات المحكمة حل البرلمان والقرار متوقع".
وبين الفتلاوي أن "حل البرلمان يحتاج تفاوضا بين جميع القوى السياسية، بما في ذلك التيار الصدري، ولهذا التيار مطالب بالجلوس على طاولة الحوار، فلا يمكن فرض هذا الشيء من خلال التهديد والوعيد باستخدام ورقة الشارع".
واعتبر أن قرار المحكمة الاتحادية "دستوري وصدر بشكل مهني رغم كل الضغوطات والتهديدات التي مورست عليه خلال الفترة الماضية، ولهذا نحن ماضون في إكمال تشكيل الحكومة الجديدة، وفق الأطر القانونية والدستورية، ولا تراجع عن هذا الخيار إطلاقاً".
مشهد سياسي عراقي أكثر تعقيداً
من جهته قال المحلل السياسي أحمد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد رفض المحكمة الاتحادية لحل مجلس النواب، فالمشهد السياسي ازداد تعقيدا، وهذا ما قد يدفع أنصار التيار الصدري للنزول إلى الشارع من جديد للضغط على البرلمان لكي يحلّ نفسه بعد نهاية المراسم الدينية لزيارة الأربعين منتصف الشهر الحالي".
وبين الشريفي أن "هناك مخاوف حقيقية من نزول الصدريين من جديد للشارع، فهذا الأمر ربما يدفع إلى مواجهة مسلحة جديدة، خصوصاً مع فشل الحكومة باحتواء مواجهات المنطقة الخضراء والبصرة الأسبوع الماضي".
وأضاف أن "تطورات كثيرة سوف تشهدها الساحة السياسية، لكن هذه التطورات والتصعيد سيكونان مؤجلين إلى ما بعد انتهاء زيارة الأربعين، وقرار المحكمة أكد جيداً أن حلّ الأزمة يكون سياسياً من خلال الاتفاق، وهذا ما يرفضه التيار الصدري، الرافض لأي حوار مع الإطار التنسيقي رغم الوساطات الداخلية والخارجية".