تمسك المحتجون الرافضون لإجراءات الرئيس التونسي قيس سعيّد، اليوم السبت، بمواصلة اعتصامهم الذي بدأ أمس في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس، حيث قضوا ليلة صعبة في العراء تعبيراً عن تصميمهم على عدم التراجع عن مطالبهم في رفض إجراءات الرئيس التونسي، التي يعتبرونها انقلاباً على الدستور، وعودة الشرعية واستعادة المسار الديمقراطي.
وأكد عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، رضا بلحاج، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الاعتصام متواصل، وأنه جرت مواجهة جلّ المضايقات التي سلطت عليهم بطريقة سلمية وحضارية، مضيفاً أن "المشاورات داخل الهيئة التنفيذية لـ (مواطنون ضد الانقلاب) متواصلة، والاعتصام كذلك، منذ رفع الاجتماع العام".
وتابع قائلاً: "الأصدقاء بصدد الالتحاق بالاعتصام، ورغم الحواجز الأمنية التي فرضت، إلا أن هذا لم يزدنا إلا عزيمة".
وكانت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" قد دعت إلى الاحتجاج "في أول أيام شهر التصعيد في مواجهة الانقلاب، شهر الإبداع والتطوير في الأشكال الكفاحية".
وقالت المبادرة، في بيان، إن "ذكرى 17 ديسمبر، الذكرى الـ11 لاندلاع ثورة الحرية والكرامة، أسقطت واحدة من أعتى الدكتاتوريات في المنطقة وفي العالم، ما فتح آفاقاً رحبة واسعة للأمل والتغيير في تونس وفي المنطقة".
وأوضح بلحاج أن الرئيس التونسي ووزير الداخلية، توفيق شرف الدين، "لا يعرفان جيداً التاريخ، ولا ممارسات ما قبل الثورة، فهذه الممارسات لن تزيد إلا في تقوية العزيمة والإرادة"، مؤكداً أنه "لا فائدة من هذه التضييقات، ولا بد من الإذعان وقبول الاحتجاج والرأي المخالف والاعتصام ما دام سلمياً".
وأشار إلى أنّ "هذا التعامل مع الاعتصام كان منتظراً، فمنذ الانقلاب تتصاعد وتيرة التضييق، وكلما زادت عزلة سعيّد الداخلية، سيزيد من القمع ومن محاصرة الحريات".
"تونس لا يقرر فيها الفرد"
وأكد القيادي المستقيل من حركة "النهضة"، سمير ديلو، أن "الاعتصام في كل الحالات سيتواصل، والشعارات واضحة، وهي أن تونس جمهورية لا يقرر فيها الفرد، بل فيها مؤسسة تشريعية"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "الجمهورية قائمة على التشاركية والحوار، لا على قرار الفرد الواحد، وهناك أجيال ضحّت من أجل الديمقراطية، ومهما كانت الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، فإن الحل ليس في تعطيل الديمقراطية، بل في إصلاحها".
وقال عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، حبيب بوعجيلة، في تصريح للصحافيين صباح اليوم: "كانت ليلة صعبة تعرضنا فيها لكل الضغوطات من الشرطة، ومُنعنا من أبسط مقومات الحياة الطبيعية، وبرغم البرد الشديد والظروف الصحية لبعض المناضلين، فقد مُنعنا من نصب خيمة أو حتى وصول الطعام إلينا".
وأضاف بوعجيلة أن "المعتصمين انتصروا في أول ليلة لهم على البرد، ولكن أيضاً على الوحشية التي عوملوا بها"، بحسب قوله.
ودعا الأحزاب والمنظمات الحقوقية إلى التدخل وتمكينهم من ممارسة حقهم الدستوري في الاعتصام والاحتجاج والتعبير عن موقف سلمي هادى.
"برد معنوي"
وبيّن محمد شاشية، وهو واحد من المعتصمين، أن من واجبه كمواطن تونسي مساندة الاعتصام، وأنه لن يغادر إلا إذا تغيرت منظومة الانقلاب، مؤكداً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن مطلبهم هو عودة الشرعية والعمل بالدستور والحريات وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية.
وقال شاشية إنهم سيتحملون البرد "لأنه مادي، ولكن هناك برد أقوى، معنوي، تحملناه منذ 5 أشهر جراء الانقلاب"، مشيراً إلى أنه سبق لهم أن ضحوا قبل الثورة على الاستبداد عندما كانوا طلاباً في الجامعات، ونجحوا في إسقاط الدكتاتورية، ولن يتركوا الفرصة لعودة الاستبداد، والتفرد بالسلطة وتشويه صورة تونس.
وأكدت سنية الحمامي (أستاذة تبلغ 56 عاماً) أنها عاشت الاعتصامات في الجامعة في 1987 و1888، ولكنها لاحظت اليوم تعزيزات أمنية لم يسبق لها أن شاهدتها، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أن إصرارها على التمسك بحقها في الاعتصام والتظاهر زاد، وأنها ستعبّر عن حقها من أجل أن تكون الدولة دولة قانون ومؤسسات، ودستور تونس هو دستور 2014.
ولم تمنع الظروف الصعبة والعراء والبرد الثمانينية سعاد من الاعتصام كغيرها من المعتصمات، حيث جلست في شارع بورقيبة لساعة متأخرة من الليل، مؤكدة في تصريح لـ"العربي الجديد" أنها ستبقى في الاعتصام إلى حين مغادرة جميع المحتجين. وأضافت أنها مستعدة لتحمل كل شيء إلى أن يسقط سعيّد، وهي موجودة من صباح أمس ولم تشعر بالتعب "لأنه من أجل تونس يهون كل شيء"، على حد تعبيرها.