في ظل توعّد تركيا بشن عملية عسكرية ثالثة ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في الشمال السوري، يؤكد المتحدث الرسمي باسم "قسد" آرام حنا، في حديث مع "العربي الجديد" استعداد هذه القوات لمواجهة أي عمل عسكري يمكن أن تقوم به تركيا وفصائل المعارضة السورية المرتبطة بها، مشيراً إلى أن "قسد" لا تشكّل أي تهديد للأمن القومي التركي.
ويقول حنا إن المجالس العسكرية المحلية التابعة لـ"قسد"، "اتخذت الإجراءات اللازمة على طول خطوط التماس" مع فصائل المعارضة السورية المدعومة من الجيش التركي في شمال سورية، مشيراً إلى أن "فرق الرصد التي تتابع التحركات الميدانية مستنفرة". كما يؤكد أن "عموم تشكيلات قواتنا رفعت جاهزيتها بما فيها الوحدات الخاصة التي انسحب بموجب تفاهمات أكتوبر/تشرين الأول 2019 بعيداً عن الحدود السورية التركية". ويضيف "لكنها لا تبعد سوى القليل عن الجبهة وهي قادرة على تنفيذ ضربات خاطفة ونوعية تحقق خسائر فادحة في صفوف العدو وتردع تقدمه".
حنا: "قسد" قادرة على ضرب الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية التابعة له داخل مناطق سيطرتها
ويرى حنا أن قوات "قسد" قادرة أيضاً على ضرب الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية التابعة له داخل مناطق سيطرتها في شمال سورية. وفيما يشير إلى أن نتائج أي عملية عسكرية تركية جديدة "لن تختلف عن سابقاتها من النواحي الأمنية والإنسانية"، يشدد على أن "العمليات العسكرية السابقة أدت إلى تهجير مئات الآلاف من سكان المناطق الأصليين، مما سهّل ودعم مساعي المحتل التركي المتعلقة بإجراء تغيير ديمغرافي في المنطقة". ويؤكد حنا أن "قوات سورية الديمقراطية قادرة على القيام بواجباتها الوطنية في مواجهة أي عملية عسكرية تركية جديدة". ويشير إلى أن تشكيلات هذه القوات "اكتسبت خبرات قتالية نوعية".
وتسيطر قوات "قسد"، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، على الشمال الشرقي من سورية ومناطق غرب نهر الفرات، أبرزها بلدة تل رفعت وقرى في محيطها ومنبج وبعض ريفها.
ارتياح للموقف الأميركي
وحول المواقف الدولية إزاء التهديد التركي بشن عملية واسعة النطاق في الشمال السوري، يقول المتحدث باسم "قسد" إن "المواقف أكثر إيجابية مقارنة مع ما جرى خلال المواجهات السابقة"، مضيفاً: "الإدارة الأميركية عبّرت عن رفضها لأي عمل عسكري تركي، لكن هذه الأقوال غير كافية ولا تشكّل مانعاً لمطامع المحتل" على حد تعبيره.
ويوضح أن قوات "قسد" كانت "تأمل بأن يكون الموقف الروسي أكثر إيجابية مما هو عليه في ما يخص التهديدات والانتهاكات والخروقات المرتكبة من قبل جيش الاحتلال التركي ومن والاه". ويشير إلى أن قواته "تشارك القوات الروسية التقارير الميدانية المتضمنة تحركات القوى المعادية ونتائج قصف المدفعية التركية أو هجمات الطيران المسيّر المعادي". ويضيف "تتباحث قواتنا مع القوات الروسية بهدف إيجاد آلية مشتركة تمنع الحملة المزمعة عبر الدور الروسي باعتباره الضامن".
وكانت موسكو قد اتفقت مع أنقرة عام 2019 على إيقاف عملية عسكرية تركية في شرقي الفرات شنّها الجيش التركي في أكتوبر من ذاك العام، مقابل انسحاب "قسد" إلى عمق 30 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية والقيام بدوريات مشتركة على عمق 5 كيلومترات داخل الأراضي السورية.
حنا: العلاقة مع حكومة دمشق تجري عبر قنوات اتصال عسكرية والتواصل يشمل مسألة صد قوات الاحتلال فقط
ويشير حنا إلى أن "قسد" تتواصل "مع حكومة دمشق انطلاقاً من دوافع وطنية تحتم علينا الدفاع عن الأرض مقابل هجمات المحتل"، مضيفاً: "قوات حكومة دمشق تمتلك قدرات وإمكانات تغيّر مجريات الحرب ميدانياً، وستقدّم منظومات الدفاع الجوي الكثير من الدعم لقواتنا التي بلا شك ستثبت جدارتها ميدانياً في حال استخدام ما يحرم العدو من سلاح الجو". ويتابع: "العلاقة مع حكومة دمشق تجري عبر قنوات اتصال عسكرية والتواصل يشمل مسألة صد قوات الاحتلال (في إشارة للجيش التركي) فقط لا غير".
ويؤكد حنا أن "قسد"، "تدعم كل ما يحقق السلام ويؤمن استقرار المنطقة"، مشيراً إلى أن هذه القوات "مع تفعيل الحوار الوطني السوري مع حكومة دمشق، ومع إيجاد آلية تضمن الوصول إلى تفاهمات سلام مع الأتراك بحسب أصول مبادئ حسن الجوار". ويستدرك بالقول: "لا يمكن القبول بما لا يضمن الاعتراف بمكتسبات إدارتنا الذاتية أو تضحيات 12 ألف شهيد بذلوا أنفسهم لأجل تأمين حياة حرة كريمة لأهلنا، ضمن مشروع سوري وطني".
"قسد" مستعدة لحوار منتج
وحول المخاوف التركية من "قسد" وعن مطالب أنقرة وإمكانية تحقيقها، يشدد حنا على أن "موقفنا شفاف، فنحن نبدي رغبتنا في السلام وضمان استقرار المنطقة عبر دعواتنا المتكررة للحوار في مناسبات عدة"، مشيراً في السياق إلى دعوة من الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي ضمن "مجلس سورية الديمقراطية" إلهام أحمد، وقائد "قسد" مظلوم عبدي، "اللذين أبديا الاستعداد الكامل للحوار برعاية دولية بما يضمن تحقيق تطلعاتنا ومكتسبات شعبنا"
ويضيف أنه "من الممكن الوصول إلى حل جذري في حال تقديم القوى الدولية الدعم الكامل لرغبتنا المستمرة في الحوار الذي نؤكد أننا مستعدون للخوض فيه بشكل منفتح، بما يضمن الوصول إلى نتائج مثمرة ويحقق هدفنا في حماية المنطقة"، لكنه يشدد على أنه "من المحال لنا التحاور أو التداول بمخاوف لا صحة لوجودها على أرض الواقع".
ويقول حنا إن "قواتنا لم ولن تشكل تهديداً، بل إن سواعد مقاتلينا أمّنت الشريط الحدودي، كما حررنا بجهود مقاتلينا كل المناطق الحدودية وهزمنا تنظيم داعش، ولا نزال نعمل على ملاحقة خلايا التنظيم النائمة ونكشف مخططاته النشطة"، ويضيف أن "الإرهابيين يعترفون خلال التحقيقات وبالدليل القاطع تلقيهم الدعم المباشر من المناطق المحتلة (التي تسيطر عليها تركيا والجيش الوطني السوري المعارض)، كما وثّقت أعيننا مشاهد تنقّل الإرهابيين من البوابات الحدودية أثناء مقاومة وحداتنا".
وفي الحديث عن الأمن القومي، يقول حنا إن هناك نقاطاً عدة لا بد من تسليط الضوء عليها، سائلاً "كيف تتحرك هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) وحركة حراس الدين في المناطق المتاخمة للشريط الحدودي من دون ملاحقة أو مكافحة، وألم يصنفا على لوائح الإرهاب؟"، مضيفاً "ألا يهدد هذان التنظيمان الإرهابيان أمن المنطقة على مستوى إقليمي وليس تركيا فقط؟".
ويتابع حنا أن "الإرهابي أبو بكر البغدادي قُتل على بعد كيلومتر واحد من الحدود التركية، ومثله أبو حسن المهاجر وأبو إبراهيم القرشي وهما من متزعمي داعش، الذين قُتلا في أوقات مختلفة داخل المناطق المحتلة من قبل الجيش التركي ومرتزقته عبر عمليات مشتركة تجريها قواتنا مع التحالف الدولي الذي ندعمه ميدانياً ونقدم المعلومات له"، ويضيف: "ألا يشكل تنظيم داعش خطراً على الأمن القومي أثناء وجوده على امتداد 180 كيلومتراً مقابل الحدود التركية؟".
وكانت "قسد" التي تأسست بدفع من التحالف الدولي ضد الإرهاب في عام 2015، قد خاضت حرباً طويلة الأمد مع تنظيم "داعش" استمرت حتى مطلع عام 2019 وانتهت بدحر هذا التنظيم في الشمال الشرقي من سورية أو ما بات يعرف بمنطقة "شرقي الفرات".
غير أن تركيا تعتبر هذه القوات نسخة من حزب العمال الكردستاني وتنظر إليها على أنها تشكل تهديدا لأمنها القومي، لذا شن الجيش التركي عمليتين ضدها، الأولى مطلع عام 2018 وسيطر على منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان، والثانية أواخر عام 2019 حين سيطر على شريط حدودي طوله 100 كيلومتر وعمقه 30 كيلومتراً في شرقي الفرات.