على الرغم من دعوات التهدئة وخفض حدة الخطابات السياسية في العراق بين مختلف أطراف الأزمة، عاود رئيس الوزراء الأسبق والقيادي في تحالف "الإطار التنسيقي"، القريب من طهران، نوري المالكي، إلى تصعيد خطابه مجدداً، عبر بيان دعا فيه إلى المضي بتشكيل الحكومة الجديدة، واستئناف عمل البرلمان، معتبراً أنه لم يعد هناك داعٍ للحديث عن حلّه، بعدما رفضت المحكمة الاتحادية الأسبوع الماضي، النظر بالشكوى، التي اعتبرتها خارج إطار صلاحيتها الدستورية.
بيان المالكي، الذي يأتي تأكيداً أيضاً على حدة التباينات الموجودة داخل قوى "الإطار التنسيقي" من الأزمة، ويعزز أيضاً المخاوف من عودة التصعيد المقابل من قبل التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، جاء في ساعة متأخرة من ليل أمس الأحد، حيث أوضح أن "القضاء حكم بعدم جواز حلّ البرلمان، وهذا يعني ألا انتخابات مبكرة إلا بعد استئناف مجلس النواب جلساته، وتشكيل حكومة جديدة مكتملة الصلاحية".
وبيّن أن "القوى السياسية أبدت موقفها الداعم لقرار القضاء، وأعلنت رفض حلّ البرلمان والانتخابات المبكرة المقترحة، وهذا يعني ألا داعي بعد للحديث في هذا الموضوع المحسوم دستورياً وقضائياً وسياسياً، ويجب مغادرته"، في إشارة واضحة لمقتدى الصدر وقيادات في تياره أكدوا التزامهم بمطلب حلّ البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة كطريق وحيد للخروج من الأزمة السياسية.
ودعا المالكي في بيانه، إلى ما وصفه بـ"تكريس الكلام والجهود حول كيفية تفعيل البرلمان، والإسراع في تشكيل حكومة ائتلافية لتحقيق أفضل الخدمات والاستقرار السياسي والأمني"، وفقاً لقوله.
— Nouri Al-Maliki (@nourialmalikiiq) September 11, 2022
ويأتي موقف المالكي التصعيدي ضد الصدر، بعد ساعات من تأكيد تحالفي "السيادة"، الممثل السياسي عن العرب السنة في العراق، والحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في إقليم كردستان العراق، في بيان مشترك، ضرورة إجراء انتخابات مبكرة يسبقها تشكيل حكومة بصلاحيات كاملة، وسط تسريبات تشي بأن التحالفين اتفقا أمس الأحد، على توحيد موقفهم السياسي من الأزمة الحالية.
بيان المالكي قابله ردّ من داخل تحالفه، عبر زعيم كتلة "النصر" ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي حذر من "أي مسار يقوم على كسر الإرادة"، في إشارة إلى مساعي إرضاخ الصدريين ودفعهم للقبول بالأمر الواقع.
وأضاف العبادي أن "أي مسار يقوم على كسر الإرادة، سيكون وبالاً على الشعب والدولة"، داعياً في تغريدة له إلى "اتفاق سياسي يفضي لاعتبار المرحلة الراهنة انتقالية، تبدأ بتشكيل حكومة وتنتهي بحلّ البرلمان وإجراءات انتخابات مبكرة"، قائلاً: "مصالح الشعب واستقرار الدولة أعلى وأغلى من أي مصلحة حزبية أو فئوية".
أي مسار يقوم على كسر الإرادة سيكون وبالاً على الشعب والدولة. أدعو لاتفاق سياسي يفضي لاعتبار المرحلة الراهنة انتقالية، تبدأ بتشكيل حكومة وتنتهي بحل البرلمان وإجراءات انتخابات مبكرة.
— Haider Al-Abadi حيدر العبادي (@HaiderAlAbadi) September 11, 2022
مصالح الشعب واستقرار الدولة أعلى وأغلى من أي مصلحة حزبية أو فئوية.
وقال عضو بارز في التيار الصدري، في حديث هاتفي مع "العربي الجديد"، إن زعيمه "متفرغ" لمراسم الزيارة الدينية الجارية حالياً في النجف وكربلاء، مضيفاً أن الصدر "ملتزم بعدم الرد على مناكفات سياسية تصدر عن رعاة الفساد في العراق"، في إشارة إلى بيان المالكي الأخير.
وأضاف طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن "أي محاولة لتهميش التيار الصدري أو لي ذراعه بالتأكيد لن تكون سهلة، ومسألة حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة بالنسبة لنا مفصلية ورئيسة".
من جهته، أكد الباحث بالشأن السياسي العراقي مهند الجنابي، أن المالكي يطمح لتشكيل حكومة بعمر أربع سنوات، وقال في تغريدة له، "الانتخابات المبكرة عند المالكي هي مقترح، وليست قراراً نهائياً بعد تشكيل الحكومة المقترحة، وأن سياسة فرض الأمر الواقع لديه لا تتوقف عند تشكيل الحكومة فقط، إنما تمتد الى الطموح بحكومة عمرها أربع سنوات"، مؤكداً أن "قوى الإطار تصر على الرهان الخاسر أمام إرادة الجماهير وقوى الاحتجاج".
الانتخابات المبكرة عند المالكي هي مقترح، وليست قراراً نهائياً بعد تشكيل الحكومة "المقترحة".
— د. مهند الجنابي (@moaljanabi10) September 11, 2022
سياسة فرض الامر الواقع لدى المالكي لا تتوقف عند تشكيل الحكومة فقط، انما تمتد الى الطموح بحكومة عمرها اربع سنوات.
تصر قوى الاطار على الرهانٌ الخاسر أمام إرادة الجماهير وقوى الاحتجاج.
ويجري كلّ ذلك وسط تصاعد المخاوف من تجدّد التصعيد بين القوى المتخاصمة في العراق، التيار الصدري والإطار التنسيقي، إثر قرار المحكمة الاتحادية الذي رفض الأربعاء دعوى حلّ البرلمان، وسط مناشدات للبحث عن مبادرة للتهدئة، قبل خروج الأزمة عن السيطرة.
وتتلخص محاور الأزمة السياسية العراقية، التي دخلت شهرها الحادي عشر على التوالي، في إصرار قوى "الإطار التنسيقي"، الذي يضم القوى السياسية القريبة من طهران، على استئناف جلسات البرلمان العراقي ومعاودة عمله بشكل كامل، وانتخاب رئيس جمهورية ورئيس حكومة كاملة الصلاحيات، بدلاً عن حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، ثم الذهاب نحو تعديل قانون الانتخابات الحالي الذي تراه قوى "الإطار التنسيقي"، سبباً في تراجع مقاعدها البرلمانية بالانتخابات الأخيرة، كما تصرّ على تغيير مفوضية الانتخابات، قبل الذهاب إلى حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
في المقابل، يرفض التيار الصدري ذلك، ويصرّ على حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة خلال 9 أشهر، كما يطرح تعديل الفقرة 76 من الدستور المتعلقة بالكتلة الأكبر التي يحق لها تشكيل الحكومة، مع رفعه مطلباً آخر، وهو تعديل قانون المحكمة الاتحادية لتكون أكثر استقلالية عن الأحزاب السياسية التي تولت فعلياً منذ عام 2005، اختيار أعضاء هذه المحكمة، وعددهم 11 عضواً، بطريقة المحاصصة الطائفية والحزبية.
وإلى جانب ذلك، يرفض التيار الصدري أيضاً تعديل قانون الانتخابات، ويصرّ على بقائه، وهو القانون الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة والفوز للنائب الأعلى أصواتاً، على خلاف القانون السابق المعروف بقانون "سانت ليغو" الذي منح أغلبية عددية للقوى السياسية الكبيرة على حساب القوى السياسية الناشئة والصغيرة، بسبب بند القاسم العددي في توزيع أصوات الدوائر الانتخابية، كما يرفع الفيتو أمام أي حكومة تتشكل سواء كانت مؤقتة أو دائمة، من خلال مشاركة كتلتي "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"صادقون" بزعامة قيس الخزعلي، وألمح إلى قبوله إسناد ذلك للمستقلين كحلّ وسط، وذلك على لسان أعضاء فيه خلال تصريحات سابقة لهم.