تتسبب السياسات الحكومية تجاه العاملين بمجال الرعاية الصحية في مصر منذ بدء جائحة فيروس كورونا، مع انعدام الشفافية وغياب المعلومات المالية والعلمية والطبية الكافية عن اللقاح الصيني من إنتاج شركة "سينوفارم" الذي وصلت أولى شحناته إلى القاهرة مساء الخميس الماضي، في ظل حالة من القلق الواسع والارتباك في أوساط الأطباء والممرضين وفي الإدارات الصحية بالمحافظات المختلفة. وتسود مخاوف من التلقيح، وشكوك كبيرة في كفاءة توزيع تلك اللقاحات والمضي قدماً في وجود خطة لتعميمها على المستوى القومي، لا سيما بعد الإعلان عن وجود معايير لتحديد الفئات الأولى بالحصول على اللقاح خلال الشهر الحالي.
وفي السياق العلمي؛ فقد تزامن وصول الشحنة الأولى من اللقاح مع قرار أعلنته مساء أول من أمس الجمعة وزارة الصحة في بيرو بتعليق التجارب الإكلينيكية الخاصة باللقاح ذاته، بسبب اكتشاف أعراض عصبية وعضلية على عدد من المتطوعين تشبه أعراض متلازمة غيلان-باريه التي يمكن أن تتحول إلى شلل في بعض الحالات، وهي أعراض سبق وتسببت بوقف العديد من حملات التلقيح حول العالم.
لم تعلن مصر في أي مرحلة عن نتيجة التجارب التي أجرتها على اللقاح
ولم تعلن مصر في أي مرحلة عن نتيجة التجارب التي أجرتها على اللقاح، كما لم تنشر اللجنة العلمية لمكافحة كورونا معلومات بهذا الشأن، مما يضاعف الشعور العام في الشارع المصري بغياب المصداقية العلمية للقاح، الذي أعلنت الإمارات فقط اعتماده من قبل.
وعلى الرغم من إعلان وزيرة الصحة هالة زايد، لدى استقبالها الشحنة الأولى من اللقاح عن أولوية إعطائه للعاملين في القطاع الصحي، وخصوصاً مستشفيات العزل والصدر والحميات ومرضى الأورام والفشل الكلوي، إلا أنّ عباراتها لم تعدُ كونها للاستهلاك الإعلامي والترويج الدعائي للنظام، إذ لم تصدر الوزارة حتى الآن أي معلومات بشأن طريقة توزيع اللقاحات التي تم تخزينها في أماكن جهزت على مدار شهرين بالتعاون مع الجيش. كما لم يتم إطلاق الموقع الإلكتروني الذي قالت الوزيرة إنه سيخصص للتسجيل المسبق للحالات وحصرها، الأمر الذي يتنافى بطبيعته أيضاً مع كون الأولوية للعاملين بعدد محدود من المستشفيات كما ذكرت.
وعلى الرغم من تعدد الأسئلة والاستفسارات التي توجهت بها وسائل الإعلام المختلفة، ومنها "العربي الجديد"، إلى مسؤولي وزارة الصحة، فإنّ أحداً منهم لم يوضح الطريقة التي سيتم اعتمادها لتوزيع اللقاحات، بينما رجح البعض الآخر تأخير عملية إعطائها للعاملين بالمجال الصحي لحين ورود شحنات جديدة من اللقاح خلال الأسابيع الخمسة المقبلة تباعاً، حتى تضمن الوزارة حصول جميع من ستبدأ تلقيحهم على جرعتين بفارق واحد وعشرين يوماً بين كل واحدة، كما هي الطريقة الصحيحة للتلقيح.
وقالت مصادر في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد"، إنّ العدد الذي وصل حتى الآن لا يكفي لأكثر من خمسة وعشرين ألف شخص، بواقع جرعتين لكل شخص، وهو ما بالكاد يكفي العدد الإجمالي لأطباء المستشفيات المحددة بالأولوية. لكن في الوقت نفسه، تنصح اللجنة العلمية بضرورة جدولة اللقاح بين العاملين في كل مكان على حدة، نظراً لآثاره الصحية التي ظهرت على بعض الأشخاص، خصوصاً بعد الجرعة الأولى، والتي تمثلت في ارتفاع درجة الحرارة والضعف العام وغيرها، مما يعني أنّ تلقيح عدد كبير من العاملين في مكان واحد ربما يؤدي إلى تعطّل العمل وضعف في مناعة الأشخاص وهو ما قد يعرض التجربة كلها للخطر.
وأضافت المصادر أنّ الوزارة طلبت من دول عدة، على رأسها الصين وبريطانيا، الحصول على بروتوكولات التلقيح التي سيتم اتباعها على المستوى الوطني للعاملين بمجال الرعاية الصحية في الدولتين، لكن تلك المعلومات لم تصل إلى الآن. كما أن الصين ذكرت أنّ التلقيح ما زال يجري فيها على مستوى محدود.
لم تصدر وزارة الصحة المصرية حتى الآن أي معلومات بشأن طريقة توزيع اللقاحات
وتُضاف إلى هذه الأسباب العلمية والعملية، خلفيات أخرى سياسية وإدارية ومالية تسبب الارتباك والقلق في القطاع الصحي، على رأسها أنّ الوزارة لم تعلن إلى الآن عن إجمالي عدد اللقاحات التي ستتسلمها، وذلك بسبب غموض الاتفاق بينها وبين الصين والإمارات الذي عقد الصيف الماضي وكان يتضمن مشاركة مصر في التجارب الإكلينيكية للعقار مقابل حصولها على حصة من الإنتاج، بينما ستمول الإمارات القسم الأكبر من العمليات وتقوم الشركة الصينية بالتجارب العلمية والإنتاج. ولم تعلن القاهرة إطلاقاً عن تفاصيل الاتفاق، كما أنها شاركت في التجارب بعدد لا يتجاوز ثلاثة آلاف متطوع، أي أقل من نصف العدد الذي كانت تستهدفه الصين والإمارات من التعاون معها.
ووفقاً لمصادر الوزارة، فإنّ فشل مصر في تأمين العدد المطلوب من المتطوعين من المفترض أن ينعكس بنقص حصتها من شحنات اللقاح، لكن هناك محاولات عديدة لتأمين استيراد المزيد من الشحنات فوق الحصة التي تم الاتفاق عليها، بصورة ودية وبمساعدة مالية من الحكومة الإماراتية، بفضل العلاقة الشخصية بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحكام أبوظبي ودبي. وأكدت المصادر أنّ هذه المسألة ستكون عقبة أمام استمرار مجانية اللقاح بعد إعطائه للفئات الأولى وتأمينه لعدد من المؤسسات الكبرى بالدولة، لكن في الوقت نفسه لن يسمح بدخول هذا اللقاح أو اللقاحات الأخرى لحساب أي جهة غير حكومية في المدى المنظور، مما يعني أنّ وزارة الصحة ستتولى عملية بيع اللقاحات لمن يرغب بعد الانتهاء من المرحلة الأولى للتوزيع بالمجان.
ومن جهة أخرى، فإنّ تعسّف الوزارة مع العاملين في القطاع الطبي ونقابة الأطباء على الرغم من الزيادة المفجعة في أعداد المصابين والمتوفين في الآونة الأخيرة، باستمرار منع إجراء تحاليل "PCR" لكل من يطلبه من الأطباء والممرضين، ينشر بينهم شكوكاً كبيرة بشأن مصداقية الوعود بإعطائهم الأولوية في التلقيح، أو وضع معايير معلنة لتراتبية التوزيع.
وبحسب المصادر، فإنّ عدداً من مساعدي وزيرة الصحة نصحوا بعقد مؤتمر عن بعد مع مديري الإدارات الصحية والمستشفيات خلال الأيام الثلاثة المقبلة لطمأنتهم ودراسة مقترحاتهم بشأن التوزيع، والعدد الإجمالي للمرضى في مستشفيات الأورام والمعاهد القومية الذين سينضمون للفئات الأولى.
وعلى مستوى آخر من إدارة الملف، كشفت مصادر وزارة الصحة عن إجراء اتصالات دبلوماسية مع عدد من الدول الأوروبية للحصول على شحنات من لقاحات أخرى غير الاثنين المتفق على تسلم مصر كميات منهما، وهما الصيني وذلك المنتج من شركة "أسترازينيكا" البريطانية، وذلك نظراً لعدم كفاية الحصص المتفق عليها -غير المعلنة مع أيهما كما سبق التوضيح- للاستخدام في مصر على نطاق واسع.
اتصالات دبلوماسية مع عدد من الدول الأوروبية للحصول على شحنات من لقاحات أخرى
يذكر أنّ مصر سجلت حتى مساء الجمعة ارتفاعاً مطرداً في عدد الإصابات المرصودة يومياً بمستشفيات وزارة الصحة والجامعات، بلغ 464 حالة ليرتفع بذلك العدد الإجمالي لحالات الإصابة بمصر إلى 120611. بينما تم تسجيل 23 حالة وفاة، ليرتفع عدد الوفيات إلى 6877 وتتراجع نسبتها إلى 5.7 في المائة لإجمالي الإصابات، لكنها تبقى من أعلى نسب الوفاة عالمياً.
وكانت وزيرة الصحة أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستعمم بروتوكول تشخيص وعلاج حالات كورونا على الفرق الطبية بمستشفيات القطاع الخاص كافة، في مؤشر جديد على توقع زيادة الأعداد بما يجاوز إمكانيات المستشفيات الحكومية. كما تم السماح للمعامل الخاصة أخيراً بإجراء تحاليل "PCR" في مقارها وفي المنازل، وهو ما لم يحدث خلال الموجة الأولى من الجائحة.
وقررت الحكومة المصرية في يوليو/تموز الماضي حظر دخول أراضيها إلا بعد إجراء تحليل "PCR" سالب لفيروس كورونا قبل 72 ساعة على الأكثر من السفر، باستثناء السائحين الأجانب والعرب المتجهين مباشرة إلى شرم الشيخ والغردقة وطابا ومرسى علم ومطروح، مع حظر تنقلهم داخل البلاد ومن وإلى محافظات أخرى إلا بإجراء التحليل خلال المدة ذاتها.
وخلال يوليو كذلك، ألغت وزارة الصحة الإحصاء الخاص بعدد من تحولت تحاليلهم من موجبة إلى سالبة، والذين يكونون في طريقهم للتعافي، وذلك بسبب اتباعها الإجراءات العيادية لفحص تحسن الحالة بدلاً من أخذ العينات مرة كل يومين كما كان معمول به سلفاً.