اللغز الروسي في ليبيا

13 يونيو 2024
خليفة حفتر وسيرغي لافروف، موسكو، 13 يناير 2020 (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- روسيا توسع نفوذها في ليبيا عبر دعم عسكري لحفتر ومرتزقة فاغنر، وتسعى لإعادة هيكلة وجودها العسكري مع تكثيف الزيارات والتعاملات مع حفتر، مشيرة إلى خطط استراتيجية تتجاوز الجوانب العسكرية.
- تظهر روسيا اهتمامًا بالجانب السياسي في ليبيا من خلال دعم مبادرات المصالحة الوطنية، مثل المبادرة الكونغولية، في محاولة للعب دور دبلوماسي محايد وتعزيز نفوذها السياسي.
- دعم روسيا للمصالحة يعكس تحولًا في علاقتها مع حفتر ويشير إلى استعدادها للتفاعل مع أطراف جديدة في الساحة الليبية، مما يفتح الباب لتغييرات في الديناميكيات السياسية ويعزز دور الاتحاد الأفريقي.

بدأت روسيا الاهتمام بالملف السياسي الليبي الذي يُعنون حالة الأزمة في البلاد، ما يكشف عن اتساع خططها الاستراتيجية في هذا البلد، وليس كما يبدو أنها تركّز فقط على الجانب العسكري، وتكثيف ثقلها ووجودها في معسكر شرق ليبيا وإقامة حلف مع قائده العسكري خليفة حفتر. أقامت موسكو علاقات مع حفتر لسنوات طويلة، ولا تزال، كونه البوابة الرئيسية لنقل أطنان من المعدات العسكرية والمئات من المقاتلين إلى ليبيا. وارتفع منسوب التعامل إلى مستوى شبه رسمي، من خلال خمس زيارات أجراها نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف إلى ليبيا خلال أقل من عام.

وتطمح روسيا إلى إعادة هيكلة وجودها العسكري في ليبيا الذي كان يؤطره المئات من مرتزقة فاغنر، إلى فيلق عسكري أفريقي. لكن اللافت خلال كل هذه السنوات، أن موسكو لم تكن تبدي أي موقف سياسي داعم لحفتر ومعسكره، بل فضّلت الكلام بلغة دبلوماسية تظهر حيادها ودعوتها إلى حلّ سياسي جامع.

وبالتزامن مع خامس زيارة أجراها يفكيروف إلى بنغازي أخيراً ضمن مشاوراته في الشأن العسكري مع حفتر، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ثاني جولة أفريقية له لهذا العام، شملت تشاد وبوركينا فاسو وغينيا والكونغو. وفي الأخيرة، ناقش ملف المصالحة الوطنية الليبية الذي تقوده الكونغو وتنسّق فيه مع مختلف الأطياف السياسية الليبية بصفتها المكلفة بالملف الليبي ضمن أعمال الاتحاد الأفريقي، بل وأكد الوزير الروسي اهتمام بلاده بشكل خاص بمؤتمر المصالحة الوطنية الليبية الذي تعتزم المبادرة الكونغولية تنظيمه خلال الأشهر المقبلة.

وبالتزامن مع تصريحات لافروف من الكونغو، عقد السفير الروسي في ليبيا، حيدر رشيد أغانين، اجتماعات مع قادة ليبيين في طرابلس، ركّز فيها على "العملية السياسية والمصالحة الوطنية"، وتحديداً "مبادرة رئيس جمهورية الكونغو ديني ساسو نغيسو بشأن تنظيم المؤتمر الوطني للمصالحة".

توظيف مبادرة الكونغو الخاصة بالمصالحة الوطنية في ليبيا، يبدو أنه سيكشف عن السياق السياسي الذي تضع فيه روسيا الملف الليبي. فعلاوة على أن المصالحة الوطنية ستسمح لها بالتوغل بين كل الأطياف الليبية التي يشملها مبدأ المصالحة، فهي تكشف أيضاً عن رؤية موسكو البعيدة وشكل حلفائها الليبيين. فعلى الصعيد المحلي، يظهر حفتر كأكثر الشخصيات الليبية الرافضة لمبادرة المصالحة الوطنية، كونها لن تتم إلا بفتح الملفات الجنائية التي يتورط حفتر في الكثير منها، ما يهدّد وجوده في المشهد.

كما أن الدفع بملف المصالحة الوطنية كأساس للحل في ليبيا مقلق بالنسبة لحفتر، كونه يضم رموز وقوى النظام السابق، ومنهم سيف الإسلام نجل القذافي، وبالتالي فهو يشكل لهم نافذة للمشاركة في العملية السياسية، خصوصاً وأن سيف الإسلام برزت له مواقف مؤيدة عدة بشكل كبير لعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية، وهو ما لا يخدم مصالح حفتر الذي سيفقد وقتها ثقله في الجنوب الليبي، حيث يتموضع رموز النظام السابق، كما أن جزءاً كبيراً من مكونات مليشياته توالي النظام السابق.

وسيفتح ملف المصالحة الوطنية، إن استمرت موسكو في دعمه، أسئلة وجدلاً حول حقيقة علاقتها بحفتر وما إذا كانت علاقة مؤقتة، وطبيعة علاقتها برموز النظام السابق، وإذا ما سيكونون خياراً جديداً لها في الملف السياسي الليبي. كما أن ملف المصالحة سيؤدي على الصعيد الخارجي إلى وجود طرف جديد فاعل في الأزمة الليبية، ممثلاً في الاتحاد الأفريقي الذي يبدو أن روسيا تتجهز للتوغل فيه، لا على الصعيد العسكري بل سياسياً أيضاً، وفي إطار خدمة رؤيتها الاستراتيجية بشأن أفريقيا.