على الرغم من محاولة المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، إحداث خرقٍ على مستوى اللجنة الدستورية السورية المتوقفة اجتماعاتها منذ صيف العام الماضي، على الأقل لجهة تحديد مكان انعقاد الجولة المقبلة، بعد إصرار روسيا على عدم الذهاب إلى جنيف لاستكمال أعمال اللجنة، إلا أن جهوده لا تزال تراوح مكانها دون إحداث نتائج على أرض الواقع.
وبعدما خرجت تصريحات بترحيب روسي بعقد الجولات المقبلة من أعمال اللجنة الدستورية في العاصمة العُمانية مسقط، إلا أن إعلام النظام سرّب معلومات أفادت بأن المبعوث الأممي مصر على استمرار عقد اجتماعات اللجنة في جنيف بدون تغيير، لكن ذلك لم يفصح عنه بيدرسن بشكل رسمي حتى الآن.
سلطنة عُمان تبحث عن توافق
غير أن مصادر معارضة قالت لـ"العربي الجديد"، إن سلطنة عمان هي من رفضت انعقاد اجتماعات اللجنة على أراضيها وضمن رعايتها. وأشار أحد المصادر، وهو عضو في هيئة التفاوض السورية، فضّل عدم الكشف عن هويته في حديثه لـ"العربي الجديد"، لكونه غير مخول بالتصريح الرسمي، إلى أن "وجهة نظر سلطنة عمان تقوم على أنه إذا لم يكن هناك توافق كامل على أي مسار، فإن مسقط لن تضطلع فيه".
ووفقاً للمصدر نفسه، فإن "مسقط تريد مشروعاً يمكن من خلاله الخروج بمنتج حقيقي، مع إشارتها إلى الخلافات داخل اللجنة، وأنها لا تريد اجتماعات عبثية فقط لأجل الاجتماع والتصدير الإعلامي"، بحسب المصدر.
كما أكد مصدر ثان في "الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية" هذه المعطيات لكنه تحفظ عن ذكر اسمه.
مصادر معارضة لـ"العربي الجديد": سلطنة عمان رفضت انعقاد اجتماعات اللجنة على أراضيها
وسعى بيدرسن، في السابق، لتحديد موعد الجولة التاسعة من أعمال اللجنة، التي توقفت اجتماعاتها عند الجولة الثامنة في يونيو/حزيران 2022، لكنه لم ينجح بعد طلب روسيا تغيير مكان انعقاد الاجتماعات إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي، لكون مسؤوليها لا يستطيعون الذهاب لحضور الاجتماعات بسبب العقوبات الغربية على روسيا على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط من العام الماضي.
وطيلة حوالي أربعة أعوام من عمر اللجنة وثماني جولات من اجتماعاتها، لم تفلح أطرافها الثلاثة، المعارضة السورية والنظام والمجتمع المدني، بكتابة مادة واحدة من الدستور الجديد لسورية، التي تعيش حرباً قاربت على انتهاء عامها الـ12، على خلفية اندلاع الثورة على نظام بشار الأسد في ربيع 2011.
وأخيراً، ومع تشكيل اللجنة الوزارية العربية الخاصة بمتابعة المبادرة الأردنية العربية للتواصل مع نظام دمشق، والتي كانت نتاجاً لإعادة النظام إلى الجامعة العربية واعتماد المبادرة القائمة على مبدأ خطوة بخطوة لإعادة النظام إلى محيطه العربي بعد تنفيذ المطالب العربية، وعقد اجتماعات تلك اللجنة في القاهرة، خرجت معلومات تفيد بأن الخارجية المصرية أخذت تتحرك لإقناع الأمم المتحدة باستكمال عقد اجتماعات اللجنة الدستورية في القاهرة.
ونقلت صحيفة "الوطن" الموالية للنظام السوري، في تقرير لها أخيراً، عمّن وصفتها بـ"مصادر عربية في جنيف"، بأن "هناك نشاطاً ملحوظاً للدبلوماسية المصرية في اتجاه دعوة كل الأطراف لعقد الجولة المقبلة من اللجنة الدستورية في القاهرة بدلاً من مسقط وجنيف، إلا أن الجهود المصرية لا تزال في بداياتها ومن غير المعروف مدى قابلية الأطراف للموافقة على الطرح المصري".
وأكدت المصادر للصحيفة أن "عواصم عربية أخرى قد تتقدم كذلك بطلب لاستضافة هذه المباحثات، وإن كل الخيارات مفتوحة حتى الآن، لكن احتمال عقدها في جنيف مستحيل، وكذلك في مسقط حالياً".
وفي التقرير ذاته، نقلت الصحيفة عمّن أسمتها "مصادر دبلوماسية في جنيف"، أن "بيدرسن المصمم على انعقاد اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، قد يتقدم بمشروع خطير بهدف إحراج جميع الأطراف".
وأشارت مصادر الصحيفة إلى أن المبعوث الأممي "يدرس مشروع بيان يرسل من خلاله الدعوة للوفدين المفاوضين من دون حضور أي دولة أجنبية، وذلك للقفز فوق الفيتو الروسي على انعقاد الاجتماعات في جنيف، وهو مدرك مسبقاً أن مشروعه لن يحظى بموافقة موسكو ولا دمشق وداعميها". وأضافت المصادر لـ"الوطن"، أن المبعوث الأممي "يغامر من خلال مشروع القرار هذا بمصير هذه اللجنة، ومن خلال تصميمه على انعقادها في جنيف".
من جهته، قال عضو هيئة التفاوض السورية وعضو اللجنة المصغرة في اللجنة الدستورية، طارق الكردي: "لم يصلنا إلى الآن أي كتاب أو رسالة من المبعوث الأممي يتحدث عن مقترح نقل أعمال اللجنة الدستورية خارج جنيف".
وماطل النظام السوري طوال السنوات الأربع، والجولات الثماني، بدفع روسي وإيراني، بإظهار عدم جدية بالتعاطي مع المسار، وفي جميع الجولات كان وفده يحاول القفز فوق جدول الأعمال بطرح ملفات ومواضيع للنقاش ليست ضمن ولاية عمل اللجنة، وهي ملفات غير دستورية من الأساس، وقد أشار المبعوث الأممي في مواقف عدة نحو وفد النظام واتهمه بالتعطيل.
هادي البحرة بصدد إخبار هيئة التفاوض السورية برغبته ترك موقعه كرئيس مشترك للجنة الدستورية
بحثٌ عن بديل للبحرة باللجنة الدستورية
في غضون ذلك، أبدى الرئيس المشارك الحالي عن قائمة المعارضة هادي البحرة، رغبته بمغادرة رئاسة اللجنة وعضويته فيها، بعد انتخابه رئيساً للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في يوليو/تموز الماضي، وبالتالي يترتب على الائتلاف ترشيح بديل له لعضوية اللجنة، ثم رئاسة قائمة المعارضة في اللجنة لترميمها.
وقال الكردي عن هذا الشأن، إن البحرة "وكما تحدث هو في أكثر من مناسبة، فإنه بصدد إخبار هيئة التفاوض السورية برغبته ترك موقعه كرئيس مشترك للجنة الدستورية، علماً أنه مسّمى من هيئة التفاوض، وبالتالي سيكون على هيئة التفاوض اختيار شخصية بديلة تحوز ثقتها وذات خبرة واختصاص".
علماً أن هادي البحرة ممثل عن قائمة الائتلاف في هيئة التفاوض القائمة عضويتها على المحاصصة بين أطراف المعارضة، وبالتالي يتعين على الائتلاف اختيار بديل للبحرة في الهيئة، ومن ثم تقوم الهيئة بتعديل قائمة المعارضة في اللجنة الدستورية.
وولدت فكرة اللجنة الدستورية في بداية عام 2018، غير أن الأمم المتحدة لم تستطع الإعلان عن تشكيل اللجنة إلا في سبتمبر/أيلول 2019، بعدما عرقل النظام تشكيلها بالاعتراض على هيكلتها وشكلها ومضمونها.
وبعد تشكيل اللجنة التي ضمّت قائمتها الموسعة 150 عضواً، 50 لكل من المعارضة والنظام والمجتمع المدني، وقائمتها المصغرة التي تحضر الاجتماعات 45 عضواً، 15 لكل قائمة من القوائم الثلاث، مع رئاسة مشتركة لكل من النظام والمعارضة دون المجتمع المدني، عمد النظام إلى تمييع هذا المسار وجعله عبثياً لكونه لم يفرز عن كتابة أي مادة من الدستور الجديد للبلاد، فيما توجه الانتقادات إلى المعارضة من قبل جمهورها بعدم اتخاذ موقف حازم حيال هذا التمييع.