أثار حكم المحكمة الدستورية في الكويت، القاضي بإبطال مجلس الأمة (البرلمان) 2022، المُنتخب أخيراً في 29 سبتمبر/ أيلول الماضي، وعودة مجلس 2020 المنحلّ، بسبب بطلان مرسوم حلّ المجلس السابق، حالة من الارتباك في المشهد السياسي في البلاد، عكس حجم الصدمة التي تلقاها الشارع الكويتي.
وكانت المحكمة قد استندت في حكمها، يوم الأحد الماضي، إلى كون الحكومة الجديدة، التي ترأسها لأول مرة نجل أمير البلاد، الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، لم تتعامل مُطلقاً مع البرلمان، وبالتالي ليس ثمة ما يستدعي أن يرفع مرسوم الحل إلى القيادة السياسية، واعتبرت ذلك كافياً لأن يترتب عنه حكمها بإبطال مرسوم حلّ البرلمان، في سابقة تاريخية.
على الرغم من أن هذا الإبطال ليس الأول من نوعه، حيث سبق أن أُبطل مجلس الأمة مرتين قبل ذلك، إلا أن حالة التفاؤل التي صاحبت الانتخابات الأخيرة، وما سبقها من خطاب أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الذي تلاه نيابةً عنه وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في 22 يونيو/ حزيران الماضي، مُعلناً عبره حلّ مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات عامة، بالإضافة إلى منحه ضمانات عديدة، منها "عدم التدخل في خيارات الشعب لممثليه في مجلس الأمة المقبل"، وتأكيده أن تُجرى بعد "إعداد الترتيبات القانونية اللازمة لذلك"، جعلت من خيار إبطال البرلمان خياراً مستبعداً في ظل ذلك.
أُبطل مجلس الأمة لأول مرة في شهر يونيو/ حزيران عام 2012، بعدما كانت تسيطر أغلبية معارضة على تركيبة البرلمان المُنتخب في فبراير/ شباط من ذات العام، بنحو 40 عضواً، في رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ البلاد، والثاني في الشهر نفسه من عام 2013، في ظل مقاطعة المعارضة الانتخابات، احتجاجاً على نظام الصوت الواحد الذي طُبّق لأول مرة في انتخابات مجلس ديسمبر/ كانون الأول 2012، وسجّل بسبب المقاطعة أدنى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات البرلمانية الكويتية.
وانعكست حالة الارتباك على المواقف النيابية المتفاوتة، فبينما نشر حساب "مجلس الأمة" الرسمي على "تويتر"، أمس الاثنين، أن "28 نائباً (من مجلس 2020) تقدموا بطلب نيابي يتضمن التأكيد على ضمان شفافية العملية الانتخابية قبل العودة إلى الشعب، وإنجاز التقارير المتعلقة بالتشريعات الخاصة بها خلال مدة شهر"، اجتمع 17 نائباً (من مجلس 2020)، صباح أمس، في ديوانية النائب خالد المونس العتيبي، وأُعلن عقد اجتماع لاحق في المساء في ديوانية النائب شعيب المويزري، دون أن يُعلنوا أية قرارات اتُّفق عليها في الاجتماع.
وحضر 37 نائباً (من مجلسي 2020 و2022)، مساءً إلى اجتماع النائب المويزري، الذي استمر إلى ما بعد منتصف الليل، وتلا بعده ممثل "التجمع السلفي"، النائب المُبطلة عضويته مبارك الطشة، بياناً إلى وسائل الإعلام، موقعاً من جميع الحاضرين، أعلنوا من خلاله رفضهم إضفاء الشرعية على المجلس المنحلّ، وعدم قبولهم بعودته، وانتقدوا في البيان حكم المحكمة الدستورية، واعتبروه مخالفاً للدستور، وطالبوا القيادة السياسية بالتدخل "في إصلاح الأوضاع".
إلى ذلك، عقد رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ونائبه أحمد الشحومي، ورئيس اللجنة التشريعية أستاذ القانون عبيد الوسمي، مؤتمراً صحافياً مشتركاً اليوم الثلاثاء، بعد أن أعلنوا انعقاده عقب أول اجتماع لمكتب المجلس بعد صدور حكم المحكمة الدستورية، أمس الاثنين.
ودعا المسؤولون الثلاثة خلال مؤتمرهم الصحافي، إلى التعامل مع عودة البرلمان المنحلّ على أنه أمر واقع، وإلى التعاون النيابي-النيابي والنيابي-الحكومي، لإقرار قوانين إصلاح إجراءات العملية الانتخابية قبل العودة إلى الشعب، أهمها قانون إنشاء المفوضية العليا للانتخابات.
تعقيد في المشهد السياسي
وأصدرت خمس قوى سياسية، هي "الحركة الدستورية الإسلامية" (حدس)، وهي الجناح السياسي لـ"الإخوان المسلمين" في الكويت، و"المنبر الديمقراطي الكويتي"، و"حركة العمل الشعبي" (حشد)، و"التآلف الإسلامي الوطني" (الشيعي)، و"تجمع العدالة والسلام" (الشيعي)، بياناً، اليوم الثلاثاء، أعربت فيه عن أنها "تفاجأت بما نتج من حكم المحكمة الدستورية من إبطال للمجلس الحالي، وهو قد أتى بعد المجلس السابق في ظل ظروف سياسية معلومة".
وأشارت في البيان إلى أن "عودة الأمور والأوضاع إلى الوراء لن ينتج منها إلا تعقيد أكبر للمشهد السياسي، وبث لحالة الإحباط في صفوف الشعب الكويتي"، مطالبة السلطة بأن "تؤكد ذات الخطوة المباركة بالرجوع واللجوء إلى المواطنين ليختاروا من يستحق تمثيلهم في انتخابات نزيهة".
وتعليقاً على هذا الأمر، قال النائب السابق بدر الداهوم، الذي تزعّم المعارضة في بداية مجلس الأمة 2020، قبل أن تُبطل لاحقاً المحكمة الدستورية عضويته، لعدم صحة ترشحه في الانتخابات، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "عودة مجلس المنحلّ برئاسة مرزوق الغانم مرفوضة، بعد أن أسقطته الإرادة الشعبية".
وأوضح الداهوم أنه "جارٍ العمل على إسقاط هذا البرلمان، عبر نوّاب المعارضة داخل مجلس الأمة، وبالتحرك والضغط من خارجه"، مؤكّداً أن "كافة خيارات التصعيد متاحة، وستكون أشدّ من التحركات السابقة التي أطاحت المجلس السابق".
عزم المعارضة على التحرّك لإسقاط المجلس
من جانبه، أكّد عضو مجلس الأمة 2022 المُبطل، عبد الله الأنبعي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "عودة المجلس المنحلّ مرفوضة جملةً وتفصيلاً، لأنه حُلّ بإرادة شعب وبتوافق مع القيادة السياسية، وسمو الأمير الشيخ نواف الأحمد قال في خطابه الذي أعلن فيه حلّ البرلمان "نزولاً عند رغبة الشعب"، فلا يمكن القبول بعودته بأي شكل من الأشكال، أو التعاون معه".
وأشار الأنبعي إلى أن "عدم التعامل نهائياً مع مجلس 2020 هو التوجّه الحالي للمجموعة النيابية التي حضرت عند النائب شعيب المويزري"، لافتاً إلى أن هناك "عدة تكتيكات ستتخذ لإسقاطه وسيُعلن عنها في وقتها".
بدوره، أشار رئيس المكتب الإعلامي في "حركة العمل الشعبي"، التي يتزعمها النائب السابق والمعارض السياسي البارز مسلّم البراك، محمد الذايدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الحركة "تحمّل الحكومة وأجهزتها المختصة تكرار الأخطاء الإجرائية في مراسيم الحل"، وأنها تطالب "أعضاء مجلس الأمة بتحمّل المسؤولية الأخلاقية لما وصلت إليه الأمور، والعمل على إنضاج الأداء السياسي والممارسات الديمقراطية الكويتية".
وحذّر الذايدي من خطر "تداعيات الوضع السياسي وما يلحقه من ضرر على الديمقراطية، وعلى مصالح الشعب الكويتي، وعلى أمن واستقرار البلاد"، لافتاً إلى أن "قرار المحكمة الدستورية أعادنا إلى المربع الأول، بعد أن تفاءل الشارع بانفراج سياسي والبدء في تصحيح المشهد العام".
ودعا الذايدي نوّاب المعارضة إلى "التوافق والعمل الجماعي السياسي المتزن، والأهداف الواضحة والأولويات التشريعية التي لا لبس فيها".