رغم مرور أكثر من عام على إعلان تحوّل مهام القوات الأميركية العاملة في العراق من قتالية إلى استشارية، وفقاً للاتفاقية التي وقعتها بغداد وواشنطن في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ودخلت حيز التنفيذ في 31 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، إلا أنه لم يظهر دور واضح لهذه القوات، التي يقدر عددها بنحو 2500 عسكري، يتوزعون على قاعدتي "عين الأسد" غربي الأنبار، و"حرير" شمالي أربيل، إلى جانب معسكر "فيكتوريا" الملاصق لمطار بغداد.
وتتولى تلك القوات برامج تدريب وتأهيل فرق الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب، إلى جانب الإشراف وتوفير الدعم للآليات والأسلحة الأميركية. في المقابل، يؤكد القادة العراقيون أنهم يحتاجون إلى الدعم الجوي للطيران الأميركي الذي يوفر المعلومات للقوات العراقية، خصوصاً في ما يتعلق بالصحراء الغربية وسلسلة جبال شمال العراق، إلى جانب سرعته في الاستجابة وتنفيذ ضربات عبر الانطلاق من قاعدة أنجيرليك التركية وقواعد أخرى في الخليج. لكن الساسة في الأحزاب والتحالفات القريبة من إيران، يدفعون باتجاه إخراج الأميركيين من البلاد.
محمد البصري: وجود اتفاقيات للتنسيق الأمني أمر عائد للقيادة العامة للقوات المسلحة
وعلى الرغم من مطالبة قوى "الإطار التنسيقي"، التي تدعم رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، بإنهاء وجود القوات الأميركية في البلاد، إلا أن موقف السوداني يبدو مختلفاً، لا سيما أن الأخير رحّب خلال زيارته إلى ألمانيا، في يناير/ كانون الثاني الماضي، بوجود القوات الأميركية في العراق ووصفها "بالصديقة".
وفتح هذا الأمر الباب أمام عدة سيناريوهات بشأن مستقبل السوداني، فيما لم تصدر قوى "الإطار التنسيقي"، التي تضم عدداً من الفصائل المسلحة الموالية لإيران، موقفاً واضحاً من هذه التعليقات، ما يُشير إلى احتمال تغير تكتيكات هذه القوى في التعامل مع الملف الأميركي في العراق.
استمرار الدعم الأميركي لوحدات داخل الجيش
وتحدث مسؤول عسكري في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن استمرار دعم القوات الأميركية لوحدات معينة داخل الجيش العراقي إلى جانب جهاز مكافحة الإرهاب في مجالات مختلفة، بينما تعمل الموجودة في قاعدة "حرير" على تطبيق برنامج تطوير واسع لقوات البشمركة، المكلفة بحماية إقليم كردستان العراق.
ووفقاً للمسؤول فإن القوات الأميركية في قاعدتي "عين الأسد" و"حرير" تحتفظ بخصوصية كبيرة، بمعنى أنه "لا يمكن لغير العاملين مع القوات الأميركية الدخول إلى الجزء المخصص لمبيت وأنشطة تلك القوات داخل القاعدتين". وأوضح أن "هناك أنشطة تدريب ودعم تجرى في القاعدتين لكن ضمن مساحات مشتركة داخل حرم القاعدة".
الأمين العام السابق لوزارة البشمركة والمستشار الأمني في إقليم كردستان، الفريق جبار الياور قال، لـ"العربي الجديد"، إن "التحالف الدولي ما يزال يدعم الجيش العراقي والبشمركة في حربهما ضد الإرهاب، بالتدريب وتقديم المعلومات والاستشارات".
وأضاف أن "قواتنا ما تزال تحتاج لهذا الدعم. هذا لا يعني أن قواتنا ضعيفة، بل إنها تطورت كثيراً خلال السنوات الماضية، لكن الخبرات الأجنبية مهمة وتدعم الأمن في البلاد، فضلاً عن المساعدات للقوات التي لا تزال تنفذ حملات أمنية لمطاردة ما تبقى من التنظيم الإرهابي".
واعتبر أن "الحديث عن أي أدوار مشبوهة لبعثة الناتو أو التحالف الدولي، يندرج ضمن التعليقات السياسية التي تسبب في أوقات كثيرة بالأزمات".
لكن هذا الرأي لا يبدو متطابقاً مع بغداد، إذ رد المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة في العراق، اللواء تحسين الخفاجي، على طبيعة أنشطة القوات الأميركية الاستشارية، بالقول إن "الجهة التي تشرف على تدريب القوات العراقية، هي بعثة الناتو".
وأضاف، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "المستشارين الذين يقدمون الخدمات الخاصة بالتدريب والتسليح والمعلومات ضد تنظيم داعش يتبعون بعثة الناتو، وهي على تنسيق عالٍ في العمل مع وزارة الدفاع"، من دون أن يوضح طبيعة عمل القوات الأميركية الاستشارية والموجودة تحت غطاء التحالف الدولي للحرب على الإرهاب.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي أكدت وزارة الدفاع العراقية، في بيان، "مغادرة معظم القوات القتالية العاملة ضمن التحالف الدولي" الذي شارك في الحرب ضد "داعش" عقب اجتياح التنظيم مساحات واسعة من شمال وغربي العراق منتصف عام 2014.
غازي فيصل: السوداني وقوى الإطار تراجعوا كثيراً عن صراعهم مع الولايات المتحدة
وأضافت أنه "ستكون هناك مجموعة من المستشارين تحل محل القوات السابقة، بهدف دعم القوات الأمنية في العراق، وأن أفراد التحالف الدولي (الباقين في العراق) سيكونون معنيين بتقديم الدعم والمشورة والتمكين للقوات الأمنية العراقية".
وأكد المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي أن نحو 2500 جندي أميركي سيبقون في العراق. وقال كيربي، في مؤتمر صحافي أخيراً، إن "مدة مهمة التحالف الجديدة، المتمثلة في المشورة والمساعدة، تتوقف على طلب الحكومة العراقية، ويتم تحديدها بالتشاور مع بغداد".
واستدرك كيربي أن "القوات المتبقية لديها الحق في الدفاع عن نفسها وتملك القدرة على القيام بذلك"، مضيفاً أن "التهديدات ضد القوات الأميركية في العراق لا تزال ذات مصداقية، وإذا تعرّضنا لهجوم فسندافع عن أنفسنا".
وكان البرلمان العراقي صادق في عام 2020 على قرار طالب فيه الحكومة بالعمل على إنهاء وجود أي قوات أجنبية في البلاد، وتحديداً الأميركية منها، وذلك بعيد اغتيال واشنطن بطائرة مسيرة، نائب رئيس "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس وقائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي مطلع يناير/ كانون الثاني 2020.
اتفاقيات التنسيق الأمني عائدة لقيادة القوات المسلحة
وقال محمد البصري، العضو في منظمة "بدر"، وهي جزء من تحالف "الإطار التنسيقي"، إنهم يتعاملون مع وجود القوات الأميركية في العراق حالياً على أنه "احتلال"، مستدركاً: "لكن في حال وجود اتفاقيات للتنسيق الأمني فهذا الأمر عائد للقيادة العامة للقوات المسلحة، المتمثلة برئيس الوزراء محمد شياع السوداني".
وأضاف البصري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "حكومة السوداني تعمل على مراجعة الاتفاقيات الأمنية مع واشنطن، وهذا لا يعني القبول الكامل بالقوات الأميركية، لأنها ما تزال تمارس أدواراً مشبوهة، ولغاية الآن لم يثبت لنا الدور الاستشاري الذي تدعي واشنطن أنها تمارسه في العراق، لأننا لا نريد أن يكون هذا الوجود مسلحاً".
من جانبه، بين الخبير العراقي غازي فيصل أن "السوداني وقوى الإطار تراجعوا كثيراً عن صراعهم مع الولايات المتحدة في ظل الحكومة الحالية، لأنهم يريدون الدعم الدولي إلى حين إجراء الانتخابات، سواء المبكرة التي تطالب بها قوى سياسية، أم تمديد فترة السوداني لإكمال ولاية كاملة".
واعتبر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قادة الأمن في العراق يشعرون بأن الخدمات التي تقدمها بعثة الناتو لهم مهمة في ظل استمرار وجود عناصر من تنظيم داعش يريدون الخروج إلى العلن وتنفيذ هجمات، إضافة إلى تمكين قوات الجيش والبشمركة، وهذا يصطدم بتطلعات حلفاء إيران الذي يريدون طرد كل القوات الأجنبية".