القاهرة وباريس تحتضنان اجتماعين حول الأزمة الليبية

04 مايو 2024
من زيارة سابقة لمحمد المنفي إلى القاهرة لبحث الملف الليبي، 21 ديسمبر 2021 (الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تشهد الأزمة الليبية تحركات جديدة تتضمن اجتماعات في القاهرة وباريس لبحث تشكيل حكومة موحدة والملف الأمني والعسكري، بمشاركة قادة ليبيين وممثلين دوليين.
- تواجه العملية السياسية في ليبيا تحديات بسبب رفض تشكيل حكومة جديدة وغياب رد واضح من البعثة الأممية واستقالة رئيسها، مما يعكس عدم وضوح موقف المجتمع الدولي.
- الأكاديميون والناشطون يشيرون إلى تعقيدات تواجه الحل السياسي والأمني في ليبيا، بما في ذلك الدور الأميركي والأوروبي والغموض حول موقف خليفة حفتر والتحالفات الدولية المتغيرة.

تستعد الأزمة الليبية لعودة الحراك في ملفاتها السياسية والعسكرية، مع بدء الأسبوع المقبل، على خلفية اجتماعين جديدين، يجمع الأول في مسار سياسي قادة ليبيين في القاهرة، فيما سيجمع الثاني في مسار أمني عسكري مسؤولين من عدة دول فاعلة في ملف الأزمة الليبية في باريس.

وكشفت مصادر ليبية مقربة من مجلسي النواب والدولة عن قرب عقد رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، اجتماعاً جديداً في العاصمة المصرية القاهرة، الأسبوع المقبل، لاستئناف المشاورات التي بدأوها في لقائهم الأول في القاهرة، في مارس/آذار الماضي.

واتفق القادة الثلاثة، وفقاً لمعلومات ذات المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، على أن يكون الاجتماع المقبل منصباً على تفعيل ما توصل إليه اجتماعهم السابق، وتحديداً تشكيل لجنة فنية لتعديل قوانين لجنة 6+6 الانتخابية لحسم الخلاف في بعض نقاطها، وتشكيل حكومة موحدة.

وفيما أشارت المصادر إلى أن الاتفاق على عقد الاجتماع المقبل لتفعيل ما تم التوصل إليه في الاجتماع السابق جاء بعد سلسلة من الاتصالات المباشرة بين مستشاري رئيسي المجلسين، صالح وتكالة، أوضح أحد المصادر، وهو مصدر برلماني، أن الاتفاق المبدئي بين الطرفين تم على أساس أن يتم تشكيل لجنة فنية من بين أعضاء لجنة 6+6 لتبدأ إجراء التعديل، ويفتح في ذات الوقت الباب أمام المترشحين للحكومة الجديدة، خاصة وأن تشكيل حكومة موحدة هو من بين بنود القوانين الانتخابية، ليسير العمل بالتوازي.

وفي ثنايا معلومات المصادر، تبدو هواجس قد تشكل عثرات أمام مضيّ الاجتماع المقبل في تنفيذ اتفاقاتهم، ومنها أن مستشاري رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، أبلغوا تكالة رفض الدبيبة القاطع الحديث عن الحكومة، وضرورة أن يركز الاجتماع المقبل حديثه حول القوانين الانتخابية، كما عبّروا لتكالة عن استيائهم من تغير طبيعة تعاطيه مع القوانين الانتخابية بما فيها الحكومة، فبعد أن كان ينطلق فيها من خلفية صداقته وتحالفه مع الدبيبة صار أكثر ميلا لتشكيل حكومة جديدة.

ومن المخاوف الأخرى التي عكستها معلومات المصادر، عدم تجاوب البعثة الأممية أو وضوح موقفها من اجتماعات القادة الثلاثة، خاصة بعد أن تم إعلامها بالاجتماع المقبل، ولم يتلق القادة الثلاثة ردا منها حتى الآن، وسط وضع البعثة الغامض بعد استقالة رئيسها السابق، عبد الله باتيلي، واستمرار شغور منصبه.

وبالتوازي، تستعد العاصمة الفرنسية باريس لاستضافة اجتماع عالي المستوى حول الأزمة الليبية، الأسبوع المقبل، يضم ممثلين رفيعي المستوى عن الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا، لمناقشة العديد من التفاصيل في الملف الليبي، وعلى رأسها الملف الأمني والعسكري. وفيما يبدو أن اجتماعات القاهرة بين القادة الليبيين الثلاثة تجري بمعزل عن التأثير الخارجي، خاصة وأنها تنعقد برعاية وإشراف الجامعة العربية، تظهر الصبغة الدولية في اجتماع باريس بشكل واضح، لا سيما وأنه سينعقد بدون تمثيل ليبي.

وتحدّث مصدر حكومي من طرابلس، عن صلة حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس باجتماع باريس من خلال وزارة الدفاع التي يشغلها الدبيبة، من زاوية اتصال طبيعة عمل الوزارة بموضوع الاجتماع الذي سينعقد لمناقشة الوضع الأمني والعسكري في ليبيا، وعلاقته بتصاعد مخاطر التوغل الروسي العسكري في ليبيا. وأشار المصدر إلى أن فرنسا تبارك الخطط الأميركية الخاصة بإجراء إصلاحات على القطاع الأمني في ليبيا، وضرورة تشكيل هيكل عسكري يتكون من نواة قوامها قوة عسكرية مشتركة يمكن من خلالها السيطرة على الحدود الليبية، لا سيما الجنوبية، منها حيث يتزايد الحراك الروسي.

ويعبّر الأكاديمي وأستاذ العلوم السياسية، خليفة الحداد، عن اعتقاده بأن اجتماع القاهرة يهدف من خلاله القادة الثلاثة إلى استباق تحرك الأمم المتحدة مجدداً في الملف السياسي الليبي، والإمساك بعدة أوراق تضمن بقاءهم كأطراف مؤثرة في المشهد المقبل. ويوضح الحداد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الجميع "يعلم أن المسألة الأساسية التي ستتحرك فيها البعثة الأممية هي القوانين الانتخابية وضرورة تعديلها بما يسمح بالتوافق حولها، ولذا سيذهب القادة الثلاثة في هذا الاتجاه بشكل استباقي، أما الحكومة وتشكيلها الجديد فهو هدف أساسي بالنسبة لعقيلة صالح، وسيحاول فرض وجوده في أي تسوية حكومية وبأي شكل".

لكن الحداد يستدرك بالإشارة إلى أن المشهد في الأزمة الليبية "لم يعد كالسابق، فقد طرأت فيه العديد من المتغيرات التي سيكون لها أثرها المباشر على عدة أوضاع، ومنها وضع البعثة الأممية التي بات من الصعب تعيين من يخلف باتيلي فيها، بسبب تعمق الخلافات الأميركية الروسية في ملف الأزمة الليبية داخل مجلس الأمن، ولذا فالراجح أن تتولى نائبة رئيس البعثة، ستيفاني خوري، مهام باتيلي، مما يعني أن البعثة ستترجم التصور الأميركي الخاص برغبة واشنطن في التوغل مقابل التوغل الروسي". ويضيف: "الوضع الثاني يتعلق بالانقسام الحكومي، فلا أعتقد أن تشكيل حكومة جديدة أمر متاح الآن، خاصة وأن الدبيبة بات شريكاً هاماً للأميركيين والأوروبيين في المرحلة الحالية على الأقل، ولذا فالأقرب هو توحيد الحكومتين الحاليتين للحاجة الماسة إلى حكومة موحدة كخطوة أولى وأساسية لحل المختنق الذي تعانيه العملية السياسية".

ووفقاً لقراءة الحداد للمشهد المقبل، فإن الدور الأميركي والأوروبي "سيسعى إلى حشد الدعم الإقليمي لخطواته في اتجاه الإمساك بزمام الأوضاع في ليبيا وعدم ترك الساحة تعاني فراغاً يستفيد منه الفاعل الروسي، فالقاهرة وأنقرة في مهمة لتنفيذ مثل هذا الدور، بالإضافة لدول أخرى كتونس والجزائر".

لكنها قراءة منقوصة كما يرى الناشط السياسي الجيلاني ازهيمة، الذي يتساءل عن وضع قائد معسكر الشرق، خليفة حفتر، والقوى السياسية والمسلحة المعارضة للدبيبة في غرب البلاد، في ظل طغيان الوتيرة في الحراك الأمني والعسكري، مضيفا "لا أهمية للنقاش السياسي حول القوانين الانتخابية والحكومة حاليا، فالعمل منصبّ في الشق الأمني والعسكري، فمن ناحية الأسلحة الروسية فإنها لا تتوقف عن التدفق الى ليبيا، ومن ناحية أخرى فإن باريس تجمع مسؤولين عسكريين كبارا في قمة رباعية".

ويلفت ازهيمة في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "صمت حفتر وغموض موقفه من حال التصعيد المكتوم بين موسكو وواشنطن يغيّب جانبا من الصورة، وكذلك مصير الأطياف السياسية والعسكرية المعارضة للدبيبة حيال تحالفه غير المعلن مع واشنطن". ويضيف أن وضع الأزمة الليبية "تغير بشكل كبير، وأصبح يتجه للأصعب ومنفتح على كل التوقعات، ولذا لا يمكن الاستشراف بسهولة حتى للمستقبل القريب، فما يزال التصور الأميركي والأوروبي بالنسبة لليبيا غير واضح، لكن ما لا شك فيه أن شكلاً جديداً للسلاح والوضع الأمني بدءا يتشكلان في ليبيا لصالح دول كبرى".

المساهمون