تواصل فصائل "الجيش الوطني السوري" المعارض استعداداتها للعملية العسكرية التي لوّحت تركيا بها طويلاً ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في ريف حلب الشمالي، وذلك لتوسيع نطاق "المنطقة الآمنة" التي تسيطر أنقرة عليها في الشمال السوري.
وبات بحكم المؤكد أن منطقة تل رفعت في ريف حلب تشكل الهدف الأول في المرحلة الأولى من العملية، التي من المتوقع أن يتسع نطاقها، في حال اندلاعها، لتشمل مناطق أخرى في غرب نهر الفرات، وتحديداً مدينة منبج.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حدد محاور العملية، في خطاب أمام نواب حزب "العدالة والتنمية"، مطلع يونيو/حزيران الحالي. وأعلن وقتها أن بلاده بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة بشأن قرارها إنشاء "منطقة آمنة" بعمق 30 كيلومتراً في شمالي سورية، وتطهير تل رفعت ومنبج من "الإرهابيين" على حد وصفه.
المرحلة الأولى من العملية ستكون باتجاه تل رفعت ونحو 40 قرية حولها
ولطالما كانت مدينة تل رفعت ومحيطها هدفاً لفصائل المعارضة منذ العام 2018. لكن التفاهمات الروسية التركية حالت دون ذلك، إذ تندرج هذه المدينة ضمن مناطق النفوذ الروسي في سورية.
تشكيل الفصائل غرفة عمليات لإدارة المعركة
وأكد مصدر مطلع في "الجيش الوطني" المعارض، فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "تم بالفعل تشكيل غرفة عمليات لإدارة المعركة المقبلة". وأوضح أنّ كل الفصائل رفعت جاهزيتها، ونحن بانتظار القرار للبدء بالعملية.
وأكد أن المرحلة الأولى من العملية ستكون باتجاه تل رفعت ونحو 40 قرية حولها، تسيطر عليها مجموعات كردية، مرجحاً انطلاق العملية نهاية الأسبوع المقبل على أبعد تقدير. وستكون فصائل المعارضة السورية الموالية لأنقرة رأس الحربة في أي هجوم، حيث "وُزعت محاور القتال على هذه الفصائل"، وفق المصدر، الذي أشار إلى أن الهدف "هو السيطرة على كامل المساحة بين مدينتي تل رفعت والباب".
وكانت "الوحدات" الكردية، التي تشكل الثقل الرئيسي في "قسد"، سيطرت على مدينة تل رفعت وقرى في ريفها، في فبراير/ شباط 2016، إبان اندلاع أزمة بين الأتراك والروس. ويومها دعمت موسكو "وحدات حماية الشعب" الكردية رداً على إسقاط طائرة روسية من قبل طائرة تركيا.
وتأتي مدينة تل رفعت، التي تقع إلى الشمال من مدينة حلب بنحو 40 كيلومتراً، وتبعد نحو 20 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية، في مقدمة المواقع التي تسيطر عليها "الوحدات" الكردية، إضافة إلى بلدات كفر نايا، ودير جمال، والشيخ عيسى، وكفر ناصح، وإحرص، وحربل، وعين دقنة، وأم حوش، ومنغ، ومرعناز، وفافين، والزيارة، وتل شعير، وتل رحال، ومريمين، وتل عجار، وأم القرى، وسواها من القرى والبلدات.
ونزح سكان تل رفعت ومحيطها عنها إلى مخيمات في الشمال السوري، أو إلى المدن والبلدات التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة، مثل أعزاز. وفي 2018 نزح آلاف المدنيين الأكراد من منطقة عفرين باتجاه تل رفعت، إبّان عملية "غصن الزيتون" التي قام بها الجيش التركي ضد "الوحدات" الكردية، وانتهت بخروج الأخيرة من عفرين والتمركز في تل رفعت.
مخاوف من نزوح جديد من تل رفعت
وهناك مخاوف من موجة نزوح جديدة للنازحين الأكراد من تل رفعت إلى مناطق سيطرة النظام، خصوصاً مدينة حلب حيث يسيطر الأكراد على حيي الشيخ مقصود والأشرفية، أو إلى شرق الفرات.
ويبدو أن التهديد التركي أجبر النظام و"قسد" على تقارب عسكري، في محاولة يبدو أنها غير مجدية للتعامل مع هذا التهديد، الذي يستهدف تل رفعت وربماً لاحقاً مدينة منبج.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس "مجلس سورية الديمقراطية" (الجناح السياسي لـ"قسد") رياض درار، في تصريحات صحافية الخميس الماضي، أن هذه القوات "ستقاتل مع الجيش السوري المعتدين أياً كانوا، إذا اعتدى أحد على الحدود السورية". وأشار إلى أن "قوات سورية الديمقراطية" ستكون جزءاً من هذا الجيش بعد التسوية السياسية.
لكن النظام يتعامل حتى اللحظة مع "قسد" على أنها "مليشيات عميلة للجانب الأميركي"، ويرفض تقديم أي مساعدة لها، من دون الحصول على مكاسب على الأرض، من قبيل استعادة مدن أو بلدات، أو إنشاء مراكز أمنية داخلها، وهو ما ترفضه "قوات سورية الديمقراطية" حتى اللحظة.
وفي ظل التفوق العسكري التركي وفصائل المعارضة السورية يبدو أن أي محاولة للمواجهة من قبل "قسد" أو قوات النظام ستبوء بالفشل، على غرار ما حدث في 2018 في منطقة عفرين، أو 2019 في منطقة شرقي نهر الفرات.
قبول أميركي وروسي ضمني بالعملية التركية
ورأى النقيب المنشق عن قوات النظام رشيد حوراني، وهو باحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام"، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التصريحات الصادرة عن المسؤولين الروس والأميركيين تدل على قبول ضمني غير معلن بشكل مباشر بالعملية العسكرية التركية باتجاه منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي".
رشيد حوراني: تصريحات المسؤولين الروس والأميركيين تدل على قبول ضمني بالعملية العسكرية التركية
وأضاف: أدركت "قسد" جدية التحركات التركية، وعدم قدرة جيش النظام على الوقوف في وجه التقدم التركي، ولذلك بدأت "قسد" بنقل السجناء إلى سجون في الحسكة والقامشلي. وأشار إلى أن هذه القوات "أوعزت لأصحاب المصالح الاقتصادية بنقل مصانعهم أيضاً".
ولفت حوراني إلى أن "قسد تدرك من خلال محاولاتها التقدم والاشتباك على خطوط التماس مع فصائل الجيش الوطني، المستوى القتالي الذي وصلت إليه تلك الفصائل، التي سيقدم الجيش التركي الدعم لها عبر الطيران المسيّر. لذا في المحصلة تعي قسد تماماً أنها أمام معركة خاسرة"، على حد وصفه.
وكانت مصادر محلية ذكرت أن "قسد" نقلت محتجزين ومعتقلين في سجون بمدينة منبج غرب نهر الفرات إلى سجون في شرق الفرات، وخاصة في محافظة الحسكة، ما يدل على أنها تتحسب لعملية عسكرية تركية وشيكة، ربما تطاول منبج أيضاً.
وتعد منطقة منبج، التي تقع إلى الشرق من تل رفعت بنحو 90 كيلومتراً، من المناطق المختلف عليها بين أطراف الصراع في سورية، فهي ضمن نفوذ واشنطن التي تدعم "قسد"، إلا أن الجانب التركي يعتبرها أولوية، بينما يسعى النظام والروس للسيطرة عليها.