يبدو أن مصر، وهي تمثل إحدى الدول المركزية في منطقة الشرق الأوسط، لم تبلور حتى الآن موقفاً حاسماً تجاه الأزمة الروسية -الأوكرانية، خشية أن يؤثر ذلك الموقف في ما بعد على علاقتها بأي من الأطراف الدولية المتورطة في الأزمة، وهو ما أكدته مصادر خاصة لـ"العربي الجديد".
واكتفت الخارجية المصرية، أمس الخميس، في بيان بالدعوة إلى "تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية والمساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسياً بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يضمن عدم تصعيد الموقف أو تدهوره، وتفادياً لتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وأثرها على المنطقة والصعيد العالمي".
تعليمات للإعلام بالحيادية بشأن الحرب
وأكدت مصادر صحافية متعددة من داخل "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية"، التابعة للمخابرات العامة المصرية، والتي تمتلك معظم وسائل الإعلام في مصر، أن تعليمات صدرت من قبل الجهاز إلى رؤساء تحرير ومسؤولي الصحف والمواقع والقنوات، بضرورة التعامل بحيادية تجاه الحرب الدائرة على الحدود الأوكرانية الروسية، وعدم تبني موقف أي من الجبهتين.
القاهرة تحاول أن تحافظ على علاقات جيدة مع موسكو تسمح لها بالمناورة في ظل تأزم العلاقات مع واشنطن
وعلق مصدر دبلوماسي مصري سابق على ذلك، قائلاً إن "التناول الإعلامي المصري للأزمة يترجم الموقف الرسمي الحذر مما يحدث، إذ إن الإدارة المصرية التي تعتبر روسيا حليفاً استراتيجياً لها، لا ترغب في تبني موقف حلف الناتو، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، والتي تعتبرها أيضاً حليفاً استراتيجياً بالنسبة إلى مصر".
وأوضح المصدر أنه "على الرغم من العلاقة القوية التي تربط النظام المصري، برئاسة عبد الفتاح السيسي، والنظام الروسي برئاسة فلاديمير بوتين، إلا أن العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية هي الأساس بالنسبة إلى مصر، وذلك منذ نحو نصف قرن عندما قال الرئيس (الراحل أنور) السادات إن 99 في المائة من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط في يد أميركا".
علاقة مصر مع روسيا وأميركا
وأكد المصدر أنه "بينما تتركز العلاقات بين مصر وروسيا في المجالين السياسي والاقتصادي، إضافة إلى الجانب العسكري، المتمثل في بعض صفقات السلاح ومناورات التدريب، تمتد العلاقات المصرية الأميركية إلى مجالات أوسع، أهمها العلاقات العسكرية المتجذرة بين البلدين، حيث تمنح أميركا معونة عسكرية إلى الجيش المصري منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، تقدر بـ1.3 مليار دولار سنوياً".
من جهته، قال عسكري مصري سابق إن "الجيش المصري، باللغة العسكرية، يعتبر جيشاً أميركياً، نظراً لأن تسليحه الأساسي أميركي، هذا على الرغم من تأكيد القوات المسلحة المصرية دائماً على فكرة تنويع مصادر التسليح".
وأوضح المصدر أن "تنويع مصادر السلاح، لا ينفي أن الجزء الأعظم من تسليح القوات المسلحة المصرية، أميركي الصنع، وأنه حتى الآن تستورد القوات المسلحة المصرية قطع الغيار الأساسية لمعداتها العسكرية من الولايات المتحدة، لا سيما القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي".
صفقات السلاح بين مصر وأميركا لا تتوقف
وأشار المصدر إلى أن صفقات السلاح بين مصر وأميركا لا تتوقف، وكان آخرها عندما وافقت واشنطن، نهاية الشهر الماضي، على صفقتي معدات عسكرية لمصر بقيمة 2.56 مليار دولار، تشمل طائرات نقل وأنظمة رادار.
وتتضمن الصفقة الأولى، التي تبلغ قيمتها 2.2 مليار دولار بيع مصر 12 طائرة نقل "سي-130 جيه سوبر هيركيوليز" ومعدات أخرى تابعة لها. أما الصفقة الثانية فتتعلق بشراء القاهرة أنظمة رادار للدفاع الجوي بقيمة 355 مليون دولار لمساعدتها في التصدي للتهديدات الجوية.
وتابع المصدر أن ذلك يأتي بالإضافة إلى أموال المعونة العسكرية الأميركية، التي جزء منها عبارة عن 300 مليون دولار أموال سائلة، والجزء الأكبر مخصص لشراء أسلحة ومعدات أميركية فقط.
وأوضح أن القاهرة تقوم كل عام بعد إقرار الميزانية الأميركية بالتفاوض مع واشنطن لشراء ما تحتاجه من أسلحة أميركية، على أن يخصم ثمنها من أموال المعونة العسكرية (1.3 مليار دولار) الموجودة في الخزانة الأميركية.
وقال الدبلوماسي المصري السابق إنه "على الرغم من العلاقات الاستراتيجية المتجذرة بين مصر والولايات المتحدة التي تشبه الزواج الكاثوليكي، إلا أن القاهرة عادة ما تحاول أن تحافظ على علاقات جيدة مع موسكو تسمح لها بالمناورة في ظل تأزم العلاقات مع واشنطن، وهو ما حدث أكثر من مرة قبل ذلك، لا سيما عندما يتم الضغط على مصر في ملفات مثل حقوق الإنسان".
وأوضح المصدر أنه "مع تولي السيسي سدة الحكم في مصر، عبر الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، وفي ظل حالة الشجب والإدانة الدولية للانقلاب العسكري، ومع تشديد الحصار على نظامه آنذاك، لجأ السيسي إلى محاولة بناء علاقات جيدة مع الدب الروسي، تدعم موقفه الدولي".
دعم بوتين لانقلاب السيسي
وأشار إلى أن هذا الأمر "وجد صدى لدى بوتين الذي قدم له دعماً سياسياً واضحاً، في مقابل مكاسب اقتصادية وسياسية لروسيا، منها تعاقد مصر على قرض روسي لإنشاء محطة الضبعة النووية، تبلغ قيمته 25 مليار دولار، في مدة لا تزيد عن 15 سنة، إضافة إلى منح الشركات الروسية حق الاستثمار في منطقة قناة السويس اللوجستية".
وقال المصدر إنه "من ناحية الطرف الروسي، فإن بوتين يعلم جيداً أن السيسي، كثيراً ما يستغل علاقته بموسكو من أجل ابتزاز الغرب، وهو الأمر الذي يغضب الروسي، لكنه في الوقت ذاته يعرف جيداً كيف يستخدم ذلك لمصلحته".
تخشى مصر من تداعيات الاصطفاف مع أي من المعسكرين
وأشار المصدر إلى أن "بوتين، طالما استغل حادثة تفجير الطائرة الروسية التي وقعت في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2015، وهي في طريقها من منتجع شرم الشيخ إلى سان بطرسبورغ، وعلى متنها 224 راكبا (217 مسافراً و7 من الطاقم) قتلوا جميعاً في الحادثة، في وقف السياحة الروسية التي كانت تستفيد منها مصر، في الضغط على نظام السيسي، وتحقيق المكاسب من وراء ذلك".
خوف مصري من الاصطفاف
وقال المصدر إنه "في ظل ذلك كله، تخشى الإدارة المصرية من الاصطفاف في أي من المعسكرين المتصارعين، حتى لا تخسر سياسياً. لكن في حال تصاعدت الأحداث على الأرض، فسوف يضطر الجميع، إلى الإعلان عن موقفه".
ولم يستبعد المصدر أن "تطلب موسكو من حلفائها، على سبيل المثال، الاعتراف رسمياً بالجمهوريتين الأوكرانيتين الانفصاليتين، دونيتسك الشعبية ولوغانسك الشعبية، اللتين وَقّع بوتين، الإثنين الماضي، على مراسيم تعترف بهما، فضلاً عن توقيع معاهدات الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة".
وكان هذا القرار، الذي أثار إدانة العديد من الدول الغربية والمنظمات الدولية، دفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات قاسية على مسؤولين روس.
وقال المصدر إنه "في حال نجحت روسيا في إقناع بعض حلفائها بذلك، وحشد دعمهم لها، فإن ذلك سوف يتسبب في أن تطاول العقوبات الغربية هؤلاء الحلفاء، وهو الأمر الذي لا تريد القاهرة بطبيعة الحال أن تتورط فيه بأي شكل من الأشكال".
ويقارن البعض الموقف المصري الآن بالدور الذي لعبته مصر قبل نحو 200 عام في حرب القرم، عندما اشتعل الصراع بين روسيا والقوى الأوروبية عندما كانت القرم ساحة حرب بين روسيا والدولة العثمانية. فدخلت في هذه الحرب بريطانيا وفرنسا إلى جانب العثمانيين، بهدف تحجيم نفوذ الإمبراطورية الروسية الطامعة في السيطرة على شبه جزيرة القرم. وقد اقتضت العلاقة بين مصر وتركيا آنذاك، أن يشترك جيش مصر، البري والبحري، في تلك الحرب، حيث كان له دور كبير في مساعدة العثمانيين للقضاء على النفوذ الروسي.