قد يكون من المبكر تقييم الدور الذي تؤديه بريطانيا في الأزمة الأوكرانية - الروسية، رغم ارتفاع صوتها على المستوى الإعلامي والسياسي والاستخباري، للتحذير من الخطر الروسي المتمدد إلى القارة الأوروبية، التي خرجت بريطانيا من عباءتها السياسية والاقتصادية باتفاق "بريكست". وإذ تتوالى الدعوات البريطانية إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة من الاجتياح الروسي لأوكرانيا، يبقى هذا التحول رهناً بالتطورات اللاحقة.
ويأتي ذلك علماً أن الانخراط إلى جانب الحلفاء من قبل الحكومة المحافظة في لندن، جاء في وقت حسّاس بالنسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الذي كان يواجه موجة فضائح على خلفية "حفلاته" خلال أزمة كورونا.
ويسعى جونسون إلى تظهير نفسه كقائد دولة عظمى في مرحلة مفصلية تهدد النظام العالمي برمتّه، علماً أن المسألة تتخطى هذا البعد، لتؤثر في علاقة بريطانيا بالأمن الأوروبي، كما بالعلاقة البريطانية الأطلسية الوثيقة، والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي والقارة العجوز، التي ترتبط لندن مع عدد من دولها بشراكات تتخطى قيود "بريكست".
ويبقى أن تبلور بريطانيا العلاقة مع ألمانيا وفرنسا، والتي ساءت كثيراً ما بعد "بريكست"، وإمكانية اجتماع الدول الثلاث، لصياغة تحالف متين يتخطى رواسب قلّة الثقة السابقة.
يسعى جونسون إلى تظهير نفسه كقائد دولة عظمى في مرحلة مفصلية تهدد النظام العالمي برمتّه
وفيما تواصل لندن الترجيح بأن الحرب الأوكرانية ستطول، عادت الخلافات السابقة على ضفتي المانش، إلى السطح، مع اتهام فرنسا لبريطانيا بـ"الافتقار إلى الإنسانية" في تعاملها مع الللاجئين الأوكرانيين، وهو ملف قد يضع بريطانيا مجدداً تحت المجهر.
جونسون يقترح خطة لإفشال الغزو الروسي
وفي إطار الحراك السياسي للندن، يستعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، اليوم الإثنين، لتفصيل خطة من 6 نقاط، يطرحها لـ"إفشال" الغزو الروسي، وذلك أمام نظيريه الكندي جاستن ترودو والهولندي مارك روتي. كما سيستقبل رئيس الوزراء البريطاني غداً الثلاثاء، قادة مجموعة "فيشغراد"، التي تضم المجر وبولندا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا.
ويقترح جونسون، خطة عمل دولية لإفشال الغزو، حيث سيدعو المجتمع الدولي إلى تجديد "جهوده المنسقة" ضد موسكو. وقال جونسون، في بيان، أمس، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يجب أن يفشل ويجب علينا أن نتأكد من أنه سيفشل في هذا العمل العدواني". واعتبر أنه "لا يكفي التعبير عن دعمنا للنظام الدولي القائم على قواعد، بل يجب علينا الدفاع عنه ضد محاولة متواصلة لإعادة كتابة القواعد بالقوة العسكرية".
وتتضمن خطة العمل حشد تحالف إنساني دولي لأوكرانيا، ودعم قدرة البلاد على الدفاع عن نفسها، وزيادة الضغط الاقتصادي ضد النظام الروسي إلى الحد الأقصى، ومنع "التطبيع الخبيث" لما تفعله روسيا بأوكرانيا، فضلاً عن متابعة المسار الدبلوماسي توصلاً إلى خفض للتصعيد، وإطلاق "حملة سريعة" لتعزيز الأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية.
الاستخبارات البريطانية والغزو: خروج من الظلّ
في غضون ذلك، لم تتوقف الاستخبارات البريطانية طيلة الفترة الماضية، حتى ما قبل بدء الغزو، عن ضخّ معلومات بشأن نوايا موسكو العسكرية، وتقديم معلومات على النسق الأميركي حول الخطط الروسية للحرب وتحركات القوات الروسية خلالها، وهو ما اعتبره متابعون خروجاً لها عن تقليد العمل في الظلّ.
وأكدت الاستخبارات البريطانية، أمس الأحد، أن القوات الروسية تستهدف المناطق المأهولة سكّانياً في أوكرانيا، لكن حجم المقاومة لها يبطئ تقدمها. وأضافت أن روسيا استخدمت مثل هذه التكتيكات في الشيشان وسورية.
تنخرط بريطانيا في مسألة العقوبات الدولية المفروضة على روسيا
ورأى الأستاذ في معهد "روسي" للأبحاث في لندن، مالكولم شالمرز، أنها "مقاربة مختلفة عن الماضي، حين كانت معلومات الاستخبارات البريطانية مُخّبأة. وأضاف في حديث لصحيفة "ذا غارديان"، في تقرير لها نشر في شهر فبراير/شباط الماضي، أن "ما تعلمته بريطانيا والغرب من أزمة أوكرانيا في عام 2014، هو أنه إذا لم يستخدموا استخباراتهم لبناء السردية حول الحرب، فإنهم سيخسرون أمام روسيا".
كذلك تنخرط بريطانيا في مسألة العقوبات الدولية المفروضة على روسيا. وأكد جونسون أول من أمس، أن لندن ستكون قادرة على التحرك بشكل أسرع لفرض عقوبات على رجال الأعمال الروس ونخبة الأوليغارشية الروسية المتواجدة مع أموالها في بريطانيا، وذلك بفضل إجراءات جديدة سيتم إرسالها إلى مجلس العموم البريطاني الأسبوع المقبل.
وجاء ذلك بعد انتقادات وجهت إلى بريطانيا بأنها لا تتحرك على الصعيد، بالسرعة التي تتحرك بها كندا أو الاتحاد الأوروبي، وبأن عليها قطع علاقاتها الاقتصادية المتقدمة مع روسيا.
واعتبر متابعون أن الأزمة أثبتت لبريطانيا أن لا مفر لها من الالتفات إلى حديقتها الخلفية، أوروبا، وأن الأمن الأوروبي المهدّد سيصيبها، فيما ستقوم دول أوروبا برصد التعاون البريطاني على هذا الصعيد.
تشدّد بمسألة اللاجئين
لكن وفيما يتدفق اللاجئون الأوكرانيون إلى غرب أوروبا، لا تبدو بريطانيا وكأنها تحيد عن "خطوطها الحمر"، لناحية التعامل بصرامة مع هذا الملف، الذي يكلفها استمرار سوء علاقتها بفرنسا.
وعلى الرغم من تضمين خطة جونسون بنداً يتعلق باللاجئين، فإن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارامانان، اتهم أمس الحكومة البريطانية، بإظهار اللاإنسانية في ما يتعلق بمساعدة اللاجئين الأوكرانيين الذين وصلوا إلى ميناء مدينة كاليه في الشمال الفرنسي، حيث تُعقّّد السلطات البريطانية إمكانية عبورهم إلى أراضيها، طالبة منهم الحصول على تأشيرات من القنصليات البريطانية في باريس أو بروكسل.