العلاقات الصينية الأميركية: حسابات البقاء على حافة الهاوية

14 سبتمبر 2024
سوليفان ووزير الخارجية الصيني وانغ يي، بكين، 27 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تصاعد التوترات بين الصين والولايات المتحدة**: العلاقات الصينية الأميركية تشهد توتراً متزايداً بسبب العقوبات الأميركية على كيانات صينية لدعمها الحرب الروسية في أوكرانيا، ومشروع قرار أميركي يستهدف قطاعات صينية حيوية.

- **استئناف الاتصال بين البلدين**: رغم استئناف قنوات الاتصال، الاجتماعات غالباً ما تنتهي بإجراءات استفزازية، وحل النزاعات يتطلب إرادة سياسية وتنازلات، وهو ما يبدو بعيداً حالياً.

- **السياسة الأميركية تجاه الصين**: السياسة العدائية تجاه الصين ثابتة بين الجمهوريين والديمقراطيين، والتوسع الأميركي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ يُعتبر تهديداً لأمن الصين.

على الرغم من إنشاء قنوات الاتصال أخيراً بين الصين والولايات المتحدة، وتكثيف التبادلات والاجتماعات على المستويين السياسي والعسكري، يصف مراقبون العصر الحالي ومآلات العلاقات الصينية الأميركية بالحرب الباردة بين البلدين. ويعتقد هؤلاء أنه كلما زادت المحادثات بين بكين وواشنطن، برزت اختلافاتهما الشاسعة. ففي مطلع مايو/أيار الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أكثر من عشرة كيانات صينية بسبب دعمها للحرب الروسية في أوكرانيا. كما يعتزم مجلس النواب الأميركي تمرير مشروع قرار خلال الأيام المقبلة يستهدف قطاعات صينية حيوية. وتأتي هذه الخطوة في أعقاب زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى بكين في أواخر شهر أغسطس/آب الماضي.

ما تقدم يشير إلى أن أي تقارب بين الطرفين لا يعني بالضرورة تذليل العقبات في العلاقات الصينية الأميركية أو إخماد شرارات لحرب محتملة على جبهات عدة، لعل أبرزها: التوسع الأميركي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والمناوشات في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، فضلاً عن الحرب الدائرة أصلاً في الفضاء السيبراني. ومع دخول الولايات المتحدة في وقت حرج يتعلق بهوية الرئيس المقبل، كانت الصين حاضرة بقوة في المناظرة الأخيرة بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس، فكيف يختلف المتنافسان في سياساتهما العامة تجاه الصين؟ هذا سؤال يُطرح بقوة في الأوساط الصينية، إذ تأمل بكين في اختيار الأقل سوءاً لتجنّب المزيد من الأضرار والحيلولة دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة ومفتوحة.

ليو منيغ: استئناف الاتصال والحفاظ على قنوات خلفية بين واشنطن وبكين لا يُعتبر إنجازاً

العلاقات الصينية الأميركية: هبوط منذ عهد ترامب

رأى الباحث في معهد الجنوب للدراسات الدولية الصيني، وانغ خه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه منذ عقد من الزمن وتحديداً منذ قمة كاليفورنيا التي جمعت الرئيس الصيني شي جين بينغ، ونظيره الأميركي آنذاك باراك أوباما عام 2013، طرأ تحسن ملحوظ على العلاقات الصينية الأميركية تجلى في تعزيز التواصل وتبادل الزيارات على المستوى الوزاري، قبل أن تتدهور في عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب الذي انتهج "سياسة معادية" تمحورت حول ما اصطلح على تسميته في أروقة السياسة الأميركية بـ"التهديد الصيني". ولفت إلى أن فترة ترامب كانت تأسيساً لحقبة القطيعة والعقوبات المتبادلة التي أضرت كثيراً بالعلاقات بين البلدين. وأضاف أنه خلال ولاية الرئيس جو بايدن، لم يختلف الوضع كثيراً في ما يتعلق بالعقوبات والتعريفات الجمركية واستهداف الكيانات الصينية، ولكن كان لافتاً في حقبة الرئيس الديمقراطي الحالي استئناف التواصل والحفاظ على قنوات الاتصال بما يضمن عدم الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.

تجنّب المواجهة العسكرية

من جهته، قال أستاذ العلاقات الدولية في معهد وان تشاي للأبحاث والدراسات في هونغ كونغ، ليو مينغ، إنه من المهم أن نميّز بين مسألة الحفاظ على قنوات اتصال والغاية منها، وبين الجهود المبذولة لتذليل العقبات وإيجاد حلول عملية للملفات والقضايا الخلافية. وأوضح مينغ في حديث مع "العربي الجديد"، أن "استئناف الاتصال والحفاظ على قنوات خلفية بين قوتين عظميين لا يُعتبر إنجازاً لأن ذلك ضرورة حتمية حتى في ظل وجود خلافات وأسلاك شائكة بين الطرفين، وتكمن الغاية من وراء ذلك في تجنّب المواجهة العسكرية لا أكثر ولا أقل. وبناء على ذلك، برأيه، فإنه لا ينبغي أن ننتظر أو نترقب في كل لقاء أو اجتماع بين الجانبين نتائج إيجابية وحلولاً عملية، بدليل أننا نشهد في أعقاب كل لقاء إجراءات استفزازية من كلا الطرفين لتأكيد ثبات المواقف واستعراض القوة. ولفت إلى أن القضايا الكبرى عادة ما تُطرح في اجتماعات القمة بين رئيسي البلدين، وبناء عليها يتم تشكيل لجان متابعة، ولكن يتوقف ذلك على وجود إرادة سياسية ورغبة حقيقية لدى أصحاب القرار في حلّ النزاعات وتقديم التنازلات، ويبدو ذلك بعيداً وفق المعطيات الراهنة، بحسب قوله.

لا فرق بين هاريس وترامب

من جهته، قال الخبير في العلاقات الدولية بمركز تايبيه (تايوان) للدراسات السياسية وان زانغ، إن الصين ليس لديها توتر الانتخابات الرئاسية الأميركية ولا يسيطر عليها هوس معرفة هوية الرئيس الجديد، لسبب واحد أنه لا فرق إن كان الرئيس الأميركي المقبل جمهورياً أو ديمقراطياً حين يتعلق الأمر بسياسة واشنطن تجاه بكين.

وأضاف زانغ في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تواتر تقارير تتحدث عن تدخّل صيني في الانتخابات الأميركية ومحاولة التأثير على الرأي العام، لا تمت للحقيقة بصلة، ليس لأن الصين نزيهة أو لأنها لا تملك الأدوات لفعل ذلك، بل لأنها تدرك أن السياسة العدائية تجاهها هي الثابت الوحيد في كل ما يتحرك داخل الأروقة السياسية في البيت الأبيض. وبالتالي قد يكون الإقدام على خطوات من هذا النوع، مجرد مضيعة للوقت والجهد وتأكيد للأسطوانة الأميركية في كل دورة انتخابية بشأن العبث الصيني. ومع ذلك، لفت إلى أن ترامب بالنسبة لبكين هو أسوأ الأسوأ، لكن في المقابل أي بديل له لن يهدي إلى  الصين طوقاً من الياسمين، على حد تعبيره.

وأكد وان زانغ أن التوسع الأميركي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ هو الأكثر إثارة بالنسبة إلى بكين التي تعتبر ذلك تهديداً لأمنها ومصالحها في المنطقة، وهو أمر لا يمكن أن تتساهل معه، وغير قابل للمساومة، لذلك دأبت خلال الأسابيع الماضية على اجتراح آليات جديدة للتعاون مع دول المنطقة ضمن صيغة ما يعرف بـ 2+2، وهي إطار تعاوني يدمج السياسة بالأمن والدفاع.

وعن الدعم الصيني للصناعات العسكرية الروسية وتداعيات ذلك على العلاقات الصينية الأميركية من منظور سياسي وأمني، رأى وان زانغ أن خطوة كهذه تدفع الولايات المتحدة في اتجاهين: تقديم المزيد من الدعم لحلفائها المحيطين بالصين واستخدام ذلك ورقة ضغط في أي محادثات مستقبلية بين الطرفين، وتشكيل جبهة غربية موحدة ضد بكين باعتبارها دولة خارجة عن الإجماع الدولي في ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية.

في السياق نفسه، قلّل الخبير في العلاقات الدولية بمركز تايبيه من ثقل مسألة تايوان في الاضطرابات في العلاقات الصينية الأميركية المتصاعدة، معتبراً أن أي انحراف في التصريحات الأميركية ذات الصلة لن يؤثر على التزام الولايات المتحدة بمبدأ صين واحدة، على اعتبار أن ذلك الأساس الذي بنيت عليه العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل عقود. وأضاف أن الولايات المتحدة تدرك في المقابل أن الصين لن تقدم على استخدام القوة العسكرية لاستعادة الجزيرة، وإن لوّحت بذلك، لأن أي خطوة في هذا الاتجاه ستعني مواجهة عسكرية مباشرة بين قوتين نوويتين، وهو الأمر الذي لا يرغب أحد في حدوثه. ولفت إلى أن القلق الصيني في ما يتعلق بالأنشطة والتبادلات بين تايبيه وواشنطن، هو ضرورة ملحّة ورسالة للإدارات الأميركية المتعاقبة بأن بكين لا تقبل مجرد جسّ النبض في مسألة استقلال الجزيرة والحديث عن مستقبلها خارج السياقات الصينية.

المساهمون