العقوبات الأميركية على فصائل عراقية: أي أثر مباشر؟

24 يناير 2024
حسين مؤنس أحد المستهدفين بالعقوبات الجديدة (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

وضعت وزارة الخزانة الأميركية، أمس الأول الاثنين، أعضاء جددا في جماعات عراقية مسلحة تُصنفها واشنطن على أنها مرتبطة بإيران على قائمة العقوبات الأميركية إلى جانب شركة طيران خاصة وأخرى سياحية، لتورطها بتقديم ما وصفته "خدمات" للحرس الثوري الإيراني.

القرار الذي يُعتبر الثالث من نوعه خلال إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، السابع منذ عام 2018، يتزامن مع ترقب في بغداد من رد أميركي على الجماعات الحليفة لطهران في العراق، على هجمات مؤثرة وقعت أخيراً على القوات الأميركية في العراق وسورية نفذتها تلك الفصائل وأوقعت أضراراً بينها إصابات بين الجنود الأميركيين.

تفاصيل العقوبات الأميركية الجديدة

وبحسب بيان صدر مساء الاثنين عن وزارة الخزانة في واشنطن حول العقوبات الأميركية فإن "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) أدرج شركة طيران فلاي بغداد، ورئيسها التنفيذي في لائحة العقوبات لتقديم المساعدة إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري والمجموعات الوكيلة له في العراق وسورية ولبنان".

ونوّه البيان إلى أن "فلاي بغداد" دعمت "عمليات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ووكلاءه من خلال تسليم العتاد والأفراد في جميع أنحاء المنطقة"، مشيراً إلى أنها "قامت بتسليم شحنات أسلحة إلى مطار دمشق الدولي في سورية"، لنقلها إلى "الحرس الثوري الإيراني، فيلق القدس والمليشيات المتحالفة مع إيران على الأرض في سورية، بما في ذلك الحرس الجمهوري السوري وحزب الله اللبناني وكتائب حزب الله". وحدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية طائرتين تابعتين للشركة كـ"ممتلكات محظورة".

اتهمت واشنطن "فلاي بغداد" بدعم عمليات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ووكلائه

كما أدرجت الخزانة الأميركية، 3 من أعضاء "كتائب حزب الله" وصفتهم بأنهم من "البارزين"، في لائحة العقوبات، وهم حسين مؤنس العبودي المعروف بـ"حسين مؤنس"، الذي يعد بحسب البيان عضواً بارزاً في "كتائب حزب الله"، وهو عضو حالي في البرلمان العراقي.

وأدرجت أيضاً كلاً من، إياد علي حسين العزاوي، الذي قالت إنه متخصص في الطائرات المسيّرة ويعمل في مديرية المُعدات الفنية التابعة لـ"الحشد الشعبي"، وكذلك عقاد محسن فرج المحمداوي، الذي أشار البيان إلى أنه "الأخ الأصغر للأمين العام لكتائب حزب الله أحمد المحمداوي، ويدير أعمال كتائب حزب الله والجوانب المرتبطة بالمحفظة المالية له، ويجمع الأموال للجماعة من خلال الأعمال التجارية".

كما وضعت وزارة الخزانة الأميركية شركة "الأرض" للسفر والسياحة في لائحتها للعقوبات بسبب استخدامها من قبل "كتائب حزب الله" لـ"تحقيق الإيرادات وغسل الأموال".

وشنّت فصائل "المقاومة الإسلامية"، وهي مظلة تجمع عدداً من الفصائل المسلحة بالعراق أبرزها "كتائب حزب الله"، و"حركة النجباء"، هجوماً صاروخياً وصفه البنتاغون بـ"غير المسبوق"، عصر السبت الماضي، على قاعدة "عين الأسد" غربي العراق، أدى إلى إصابات بين عدد من العسكريين الأميركيين، كما أعلنت بغداد إصابة جندي عراقي بالهجوم ذاته من اللواء السابع عشر بالجيش العراقي.

وبشأن ذلك، قال موظف بارز في وزارة الخارجية العراقية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنهم يتوقعون إجراءات أخرى من واشنطن غير تلك المتعلقة بوضع كيانات على لائحة العقوبات أو حتى تصنيفها بإرهابية كما فعلت مع جماعة الحوثيين في اليمن.

مسؤول عراقي: نتوقع ضربات جوية جديدة لمواقع الفصائل، قد لا تكون بعيدة عن استهداف قيادات بعينها

وأضاف، طالباً عدم الكشف عن هويته: "نتوقع ضربات جوية جديدة لمواقع الفصائل داخل العراق، قد لا تكون بعيدة عن استهداف قيادات بعينها، على غرار عملية اغتيال أبو تقوى الموسوي، القيادي في النجباء، بضربة جوية شرقي بغداد في الرابع من يناير الحالي". وأشار إلى أن "التسريبات تؤكد أن هناك قائمة عقوبات أخرى، ستشمل تصنيف جماعات وأفراد على لوائح الإرهاب، وهذا ما يعني فرض عقوبات على الحكومة العراقية في حال تعاطيها معها".

حزم من العقوبات الأميركية على فصائل عراقية

تاريخ العقوبات الأميركية على الأفراد والكيانات المسلحة والشركات التي تُصنفها واشنطن على أنها داعمة أو متعاونة مع إيران ومتورطة بعمليات عنف ضد قواتها أو انتهاكات حقوقية داخل العراق، لا يعتبر قديماً، إذ بدأت واشنطن تُصدر قرارات إدراج جماعية منتظمة منذ منتصف العام 2018 تحديداً، حيث تم إدراج مصرف البلاد الإسلامي، وصاحبه آراس حبيب، على لائحة العقوبات، إلى جانب مكي كاظم الأسدي، ومحمد حسين صالح، وهما رجلا أعمال مقربان من فصائل مسلحة بتهمة تهريب السلاح بطرق مختلفة إلى فصائل مسلحة حليفة لإيران.

أعقب ذلك صدور عدة قوائم أميركية، على مراحل زمنية متقاربة نوعاً ما، بحق شركات وبنوك وأعضاء بفصائل مسلحة، ورجال أعمال، كما طاولت شخصيات عربية سنّية. وفي العام 2019، أصدرت واشنطن لائحتي عقوبات بالتتابع بحق كل من رئيس "هيئة الحشد الشعبي" فالح الفياض، ورئيس أركان "الحشد" أبو فدك المحمداوي، بتهمة قمع التظاهرات العراقية، أعقبتها عقوبات على كل من قيس الخزعلي، زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، إضافة إلى شقيقه ليث، وقالت إنهما متورطان بجرائم وانتهاكات وبإدارة مجموعات مناهضة للمتظاهرين والاتجار بالسلاح، فضلاً عن حسين اللامي، الملقب بأبو زينب اللامي، وهو مسؤول ما يعرف بـ"أمنية الحشد".

كما فرضت العقوبات على زعيم مليشيا "حشد الشبك" وعد القدو، وزعيم مليشيا "النجباء" أكرم الكعبي، وزعيم مليشيا "بابليون" ريان الكلداني. كما صدرت عقوبات مماثلة بحق محافظ صلاح الدين السابق والنائب الحالي أحمد الجبوري الملقب (أبو مازن) ومحافظ الموصل الأسبق نوفل العاكوب، والسياسي المقرب من الفصائل أوراس حبيب.

وفي العام 2021 فرضت عقوبات على عدنان الحميداوي، القيادي في جماعة "كتائب حزب الله"، ومحمد الغريفي من "منظمة إعادة إعمار الأضرحة المقدسة في العراق"، الذي قالت إنه متورط بـ"استغلال الواجهة الدينية لإدارة نشاط المخابرات الإيرانية في العراق، ونقل أسلحة ايرانية للعراق وسورية"، ومحمد البهادلي مدير شركة "الخمائل" للخدمات البحرية، ونائب مدير الشركة علي حسين المنصوري، للسبب ذاته.

فرضت واشنطن العام الماضي عقوبات على 14 مصرفاً عراقياً ترتبط بشخصيات سياسية نافذة

كما أدرجت العام الماضي، وتحديداً في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، عدة قادة في فصائل مسلحة على قائمة العقوبات، أبرزهم أبو آلاء الولائي، وهو قائد مليشيا "كتائب سيد الشهداء"، وعماد البهادلي، عضو مجلس شورى "كتائب سيد الجهاد". سبقت ذلك بشهر واحد عقوبات على 14 مصرفاً عراقياً أغلبها تحمل طابعاً إسلامياً وترتبط بشخصيات سياسية نافذة في البلاد، وهي، مصرف المستشار الإسلامي، ومصرف القرطاس الإسلامي، ومصرف الطيف الإسلامي، مصرف إيلاف الإسلامي، ومصرف أربيل للاستثمار، والبنك الإسلامي الدولي، ومصرف عبر العراق، ومصرف الموصل للتنمية، ومصرف الراجح الإسلامي، ومصرف سومر التجاري، ومصرف الثقة الدولي الإسلامي، ومصرف أور الإسلامي، ومصرف العالم الإسلامي، ومصرف زين العراق الإسلامي للاستثمار. وعملت إدارة البنك المركزي على إيقاف كل التعاملات بالدولار مع تلك المصارف ومنعها من دخول مزاد العملة، وفقا لبيان صدر عقب ذلك من البنك المركزي العراقي.

وحتى مساء أمس الثلاثاء، لم يصدر عن السلطات العراقية أي موقف رسمي حيال العقوبات الجديدة، لكن بعضاً ممن شملتهم العقوبات استنكروها، وأبرزهم شركة "فلاي بغداد"، وهي شركة طيران محدودة تعمل على نطاق العراق وبعض الدول أبرزها تركيا وسورية ولبنان والإمارات. وقالت في بيان لها إن القرار "بلا أي أدلة مادية"، وإن جميع عملياتها تتم بإشراف سلطة الطيران المدني ووزارة النقل العراقيتين. وطالبت "فلاي بغداد" الخزانة الأميركية بـ"أي دليل مادي بإمكانه أن يدين الشركة أو إدارتها". وهذه ثاني شركة طيران عراقية تضعها واشنطن على لائحة العقوبات بعد إدراج شركة "الناصر"، عام 2015، بتهمة بيع أجزاء من طائرات طراز "إيرباص" لإيران.

كما نددت اللجنة المالية في البرلمان في بيان لها بإدراج النائب والعضو في اللجنة حسين مؤنس على لائحة العقوبات معتبرة أنه "تجاوز أميركي فاضح".

وكتبت السفيرة الأميركية لدى العراق، ألينا رومانوسكي، تعليقاً على العقوبات الجديدة، في تدوينة لها على منصة إكس، أول من أمس الاثنين: "اليوم، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية تصنيف شركة الطيران العراقية (فلاي بغداد)، وثلاثة أعضاء من كتائب حزب الله، على قائمة الجهات الداعمة للحرس الثوري الإيراني ومجموعاته الموالية في العراق وسورية ولبنان".

وأضافت أن "هذا القرار يؤكد عزم الولايات المتحدة على التصدي للتهديد المستمر الذي يمثله الحرس الثوري الإيراني، وشبكته الموالية في العراق"، مشيرة إلى أن "استخدام إيران لشركة طيران عراقية لتهريب الأسلحة والمقاتلين والدولار الأميركي يمثل انتهاكاً صارخاً لسيادة العراق".

أي تأثير للعقوبات الأميركية؟

الخبير والباحث في شؤون الجماعات العراقية المسلحة، علي الموسوي، قال إن العقوبات على الأشخاص التي تفرضها واشنطن ذات تأثير محدود للغاية، على عكس عقوبات الشركات والمصارف العراقية. وأضاف الموسوي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "نحو 100 شخصية عراقية منذ عام 2015 مدرجة على قائمة العقوبات الأميركية، معظمها من الجماعات المسلحة المصنفة ضمن المعسكر الإيراني، لم تؤد إلى نفس التأثير الذي قد تُحدثه العقوبات في دول أخرى في العالم".

علي الموسوي: العقوبات على الأشخاص التي تفرضها واشنطن ذات تأثير محدود للغاية

وعزا الموسوي ذلك إلى أن "القيادات والأعضاء العراقيين ليست لديهم أي أصول أو منافع مالية في الولايات المتحدة أو الدول الأخرى، وأنشطتهم محصورة داخل العراق وفي نطاق دول تدخل ضمن التأثير الإيراني مثل سورية ولبنان إلى جانب إيران". وأكد أن "المسألة العالقة هي جدية واشنطن في تطبيق العقوبات داخل العراق، إذ ما زالت شخصيات معاقبة، على رأس عملها السياسي وحتى الحكومي، مثل فالح الفياض وقيس الخزعلي وأحمد الجبوري وآخرين كثر، إلى جانب أن الدولة ما زالت تخصص ما مقداره نحو مليار دولار سنوياً كموازنة مالية للحشد الشعبي، الذي تضع واشنطن رئيسه فالح الفياض والرجل الثاني فيه أبو فدك المحمداوي على لائحة العقوبات".

لكن المستشار في سوق بغداد للأوراق المالية، رياض العباسي، قال لـ"العربي الجديد"، إن التأثير على المصارف التي تمت معاقبتها سابقاً كان سريعاً عبر منع تعاملها خارجياً وكذلك حظر تداولها بالدولار، والمتوقع أن يكون تأثير العقوبات على الشركات والجهات التجارية المُعاقبة أخيراً سريعاً أيضاً. ولفت إلى أن "واشنطن وظّفت عقوبات وزارة الخزانة كورقة ضغط على العراق، لكنها في النهاية قليلة التأثير على الأشخاص ولا يُمكن أن تحد من نشاطهم، بقدر ما هي عقوبات يمكن اعتبارها معنوية وسياسية، وحتى على مستوى الحد من تسلمهم مستقبلاً مناصب وزارية أو تنفيذية مهمة".

المساهمون