العقل الباطني لنظام دمشق

العقل الباطني لنظام دمشق

11 اغسطس 2023
سوريون رافضون للتطبيع مع النظام، إبريل الماضي (عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -

من دون أن يرف جفن رأس النظام السوري، بشار الأسد، خرجت مكنوناته في مقابلة تلفزيونية أخيرة. أعاد الرجل السوريين والعرب إلى خطاب "المؤامرة"، والضغوط على "الدولة" (إذ يخلط بين نظامه والدولة) من دون تسمية أضلاعها وأهدافها. حالة الإنكار تواصل التحكم بالعقل الباطني لنظام أحال البلد أمام شعبه إلى ما صار عليه اليوم من تفكك وانهيار.

فتحت شعار "الصمود"، أي التمنع عن تقديم تنازلات لشعبه، يُحال الشعب إلى "مؤيد" تارة و"متآمر" في أخرى، وقد كرر سابقاً أن "حاضنة الإرهاب بالملايين"، معتبراً أن عشرات آلاف من المحتجين فقط خرجوا على حكمه.

ولأن الرواية المنطلقة في ربيع 2011 تفقد حلقات ترابطها، فقد نسي الرجل أنه أخبر الناس سابقاً أن الأشهر الأولى لم يكن فيها مسلحون في الاحتجاجات، إلا من في نماذج مثل "تصادف وجود كاميرا التلفزيون مع انتشار مسلحين في درعا".

ما يراد تسويقه في الرواية الحالية هو أن الدمار في سورية قام به "الإرهابيون"، المسلحون ببنادق وأسلحة متوسطة. فلا صواريخ ولا براميل ولا طائرات "ميغ" ولا سلاح كيميائي استخدمها النظام. ولم يجر قصف ومحاصرة الناس حتى الجوع والترحيل. وتلك بالأصل رواية تستدعي نهاية نظام فاشل حتى في حماية بلده بوجه "عصابات مسلحة"، كتلك التي سوقت على ألسنة معدي دعايته منذ أولى الاحتجاجات في حوران.

على كل، استعصاء الحالة السورية ناجم بالأساس عن إمعان النظام، القائم على أسس الأجهزة الأمنية ومليشيات إيران وقصف وحشي روسي، في الاستهتار بعقل شعبه. وذلك لا يثير وحده الاشمئزاز، إذ يُحول هذا الشعب تارة إلى "شعب المؤامرة" وفي أخرى "شعب صامد" وداعم للحكم، بل لعودة نغمة "المؤامرة الكونية" كناظم لحالة ابتزاز لمحيطه العربي والدولي.

الكلام عن العرب لا يقل عن مستوى تحميلهم مثل ملايين المُهجرين واللاجئين مسؤولية دمار سورية. وتلك لم تعد تحتمل بقاء حقائق تواصل المحيط العربي والإقليمي مع نظام دمشق منذ بداية انطلاق الاحتجاجات بعيدا عن الإعلام. فما يجري اليوم هو اختطاف بلد وشعب باسم "مقاومة المؤامرة".

أما فلسطين، فيبقى نظام دمشق مثلما كان دوماً بطل الشعارات، "محبا" لها وكارها لشعبها. تهجير مخيم اليرموك شاهد، مثلما هم آلاف المعتقلين من فلسطينيين في سجونه. والزج بمنظمات تحمل اسم القدس وفلسطين، وحتى "جيش التحرير الفلسطيني" (خدمة إلزامية) في مواجهة النظام لشعبه، بعيداً عن حدود فلسطين فضح منذ زمن حقيقة "النظام الممانع".

المساهمون