العزلة الدبلوماسية العابرة للقارات... استراتيجية الصين لاستعادة تايوان

12 ديسمبر 2021
جنود تايوانيون في مرفأ بنيكاراغوا عام 2018 (إينتي أوكون/فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت الصين ونيكاراغوا، أول من أمس الجمعة، استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد ثلاث ساعات فقط من إعلان الدولة الواقعة في أميركا الوسطى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع جزيرة تايوان، في اختراق جديد للاستراتيجية التي تعتمدها الصين لاستعادة تايوان. 

وكانت ماناغوا قد أعلنت في أعقاب زيارة لوفد حكومي إلى الصين، أنها تعترف بوجود صين واحدة في العالم، وأن جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة، وتايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية.
ووصفت بكين الخطوة بأنها الخيار الصحيح الذي يتماشى مع التوجه الدولي، كما انتقدت تعليق الولايات المتحدة، وتوقعت أن يحذو المزيد من حلفاء تايوان حذو نيكاراغوا.

وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال اجتماع افتراضي مع نظيره في نيكاراغوا دينيس مونكادا، إن استئناف العلاقات مع بلاده هو اتجاه عالمي لا يقاوم، وإن دخول دول أخرى في هذا المسار مسألة وقت فقط، لافتاً إلى أن هناك دولاً تحافظ على علاقات دبلوماسية مع جزيرة تايوان بسبب "الدبلوماسية النقدية".


الصين: أميركا أقامت علاقات معنا وترفض هذا الحق لدول أخرى

وأضاف أن ما تفعله الولايات المتحدة هو ازدواجية في المعايير، كونها أقامت بنفسها علاقات دبلوماسية مع الصين منذ أكثر من أربعين عاماً، بينما تمنع دولاً أخرى ذات سيادة من ممارسة هذا الحق.

من جهتها، قالت واشنطن إن قرار حكومة نيكاراغوا لا يمكن أن يعكس إرادة الشعب، كما انتقد مشرعون أميركيون القرار ووصفوه بالمحبط. وقال السيناتور الجمهوري ريك سكوت، إن التأثير المتزايد للصين الشيوعية هو سرطان في أميركا اللاتينية. وأضاف أنه يجب على الولايات المتحدة معارضة هذا التدخل بالوقوف إلى جانب تايوان، ومواصلة الكفاح من أجل الديمقراطية في المنطقة.


استراتيجية الصين لاستعادة تايوان 

وتكثف بكين ضغوطها على تايوان منذ أن أصبحت زعيمة الحزب التقدمي الديمقراطي المؤيد للاستقلال، تساي إنغ ـ وين، رئيسة للجزيرة في عام 2016. وخلال فترة ولايتها فقدت تايبيه ثمانية حلفاء، وتضاءلت قائمة الدول المعترفة بها من 22 إلى 14 دولة.

ويعتقد مراقبون أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين نيكاراغوا والصين سيساعد الأخيرة في زيادة نفوذها في جزء يعدّ فناءً خلفياً للولايات المتحدة، معتبرين الخطوة صفعة مضادة من بكين لاستراتيجية واشنطن في المحيطين الهادئ والهندي. كما تثبت الخطوة نجاح استراتيجية الصين لاستعادة تايوان.

في المقابل، يرى محللون اقتصاديون أن خطوة نيكاراغوا تندرج في سياق خطة ممنهجة اتبعتها الصين خلال السنوات الأخيرة لخنق ومحاصرة تايوان سياسياً واقتصادياً، إذ جرى الحديث عن اشتراطات اقتصادية مرتبطة باستئناف العلاقات بين البلدين.

يشار إلى أن نيكاراغوا واحدة من أفقر البلدان في أميركا اللاتينية، ويعتمد اقتصادها بشكل كبير على المساعدات الخارجية، وقد تسبب وباء كورونا أخيراً في رفع معدلات الفقر والبطالة.

وتزامن ذلك مع فرض عقوبات أميركية على ماناغوا، بعد فشل واشنطن في منع دانيال أورتيغا، من استعادة السلطة كرئيس للبلاد من خلال الانتخابات، ما أدى إلى تدهور العلاقات بين البلدين.

استغلال صيني للثغرات الأميركية

وبرأي الخبير في الشؤون الدولية بمعهد شيامن للدراسات والأبحاث، لي وان تسي، في حديثه مع "العربي الجديد"، فإن تزامن إعلان استئناف العلاقات بين بكين وماناغوا مع انعقاد قمة بايدن للديمقراطية (عُقدت يومي الخميس والجمعة الماضيين)، يشير، على ما يبدو، إلى أنها صفعة مقصودة في هذا التوقيت للجهود الأميركية الرامية إلى احتواء صعود الصين من خلال حشد المجتمع الدولي ضدها.

وأرجع لي الفضل في ذلك إلى الاستراتيجية التي اتبعتها الصين خلال السنوات الماضية، من خلال استخدام نفوذها السياسي والاقتصادي واستغلال الثغرات التي خلفتها السياسة الخارجية الأميركية.

وأشار  الخبير في الشؤون الدولية بمعهد شيامن للدراسات والأبحاث إلى أن عدداً كبيراً من الدول الأميركية والأفريقية والأوقيانية، قطعت علاقاتها بتايوان وأقامت علاقات دبلوماسية مع الصين، مثل: كوستاريكا، وجمهورية الدومينيكان، وبوركينا فاسو، والسلفادور، وجزر سليمان.

ولفت لي إلى أن هذه الدول شهدت انتعاشاً اقتصادياً كبيراً بمجرد تصويب علاقاتها مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم. واعتبر أنه بحسب هذه الاستراتيجية، فإن بكين ليست في حاجة لشن حرب في المستقبل من أجل استعادة الجزيرة التي تطالب بالانفصال، لأنه من شأن هذه الإجراءات أن تعزز عزلة تايبيه الدولية، ما قد يجعلها تعيد النظر في فكرة التوحيد بصيغة مشتركة على غرار هونغ كونغ.

من جهته، قال المحلل الاقتصادي شيانغ لو جيه، في حديث مع "العربي الجديد"، إن خفض الولايات المتحدة مساعدتها لنيكاراغوا التي واجهت عقوبات اقتصادية، كان محركاً أساسياً نحو استعادة العلاقات مع الصين.

وأضاف شيانغ أن ذلك سيتيح للدولة الفقيرة، الاستفادة من فرصة المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق"، مما يوفر أساساً لتطوير بنيتها الاقتصادية وتحسين تجارتها الدولية.

وتوقع الخبير الصيني أن تلحق العديد من دول المنطقة نيكاراغوا، للغاية نفسها، معتبراً أن الأمر أشبه بثمار ناضجة تقطفها الصين بفضل سياستها الاقتصادية غير المشروطة، على خلاف الولايات المتحدة التي تتدخل في شؤون تلك الدول، وتضع اشتراطات مسبقة مقابل أي دعم اقتصادي أو سياسي.

هذا وكانت دائرة الجمارك الصينية قد أعلنت في وقت سابق، أن حجم التجارة بين الصين وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بلغ في النصف الأول من العام الحالي، 203 مليارات دولار، بواقع زيادة 45 في المائة على أساس سنوي.


سيناتور أميركي: التأثير المتزايد للصين الشيوعية هو سرطان في أميركا اللاتينية

تايبيه عاجزة عن منافسة بكين

في المقابل، اعتبر أستاذ الدراسات السياسية في جامعة سوتشو، ليو بينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن استمرار فقدان الحلفاء بهذه الطريقة، يحتم على الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في تايوان، إعادة النظر في سبل حشد الدعم الدولي بعيداً عن المظلة الأميركية.

واعتبر ليو أن انحسار حلفاء تايوان في 14 دولة على مستوى العالم، يطرح تساؤلات حول مصداقية الولايات المتحدة ومدى قدرتها على التأثير في فنائها الخلفي.

وأضاف ليو أن من شأن هذه الخطوة أن تدفع باتجاه اليأس لدى السكان، خصوصاً أنه بعد كل خسارة تنطلق نقاشات حزبية وشعبية حول فكرة التوحيد مع البر الرئيسي الصيني، ومدى جدية واشنطن في حماية الجزيرة والعمل من أجل ضمان مستقبلها.

ولفت الأستاذ المقيم في تايوان، إلى أن الواقع والأرقام والحقائق تقول إن تايبيه عاجزة عن منافسة بكين إلى ما لا نهاية، وإن كان الجانبان اتبعا نفس الاستراتيجية في حشد الحلفاء.

وعلّل ذلك، بأن الصين قوة اقتصادية عظمى ولديها القدرة على تقديم دعم لشركائها أكثر تنوعاً من قدرات تايوان المحدودة، لافتاً إلى أن اقتصاد الصين يمثل أكثر من عشرين ضعف اقتصاد الجزيرة.

هذا وكانت رئيسة تايوان تساي إنغ ـ وين، قد صرحت بأن تحول نيكاراغوا ينطوي على ظروف دولية معقدة. وأشارت إلى أنه كلما كانت ديمقراطية تايوان أكثر نجاحاً وكلما كان الدعم الذي تحظى به من المجتمع الدولي أقوى، زادت الضغوط التي يمارسها النظام الاستبدادي في إشارة إلى الصين.

وشدّدت تساي على أنه بغض النظر عن الضغوط الدبلوماسية والتهديدات العسكرية من بكين، فإن ذلك لن يغير تصميم حزبها وجهوده لدعم الديمقراطية والحرية.