في شوارع وادي النحلة (قضاء طرابلس في محافظة شمال لبنان) وأحيائها الضيقة يلهو الأطفال على الطريق، معرضين حياتهم لخطر الصدم من السيارات المسرعة، وهم المحرومون من ارتياد المدارس، سواء بسبب استمرار التعطيل نتيجة الإضرابات وفيروس كورونا أو لضيق حال ذويهم.
أما كبار السن فيجلسون إلى جانب بيوتهم الأرضية يتحدثون في السياسة والأخبار، التي تحولت بلدتهم إلى عنوان رئيسي لها في الآونة الأخيرة، بعد تسلّل تنظيم "داعش" إلى صفوف عدد من أبنائها وتجنيدهم للقتال في العراق.
ويسارع أحدهم لدى سؤاله عن مواقع منازل الشباب الذين فقدوا من أهل البلدة، وقتلوا في العراق أخيراً، إلى القول: "رجالنا شرفاء وأبرياء. شبابنا مظلومون، وطرابلس كلها ضحية مرجعيات سياسية وحزبية، وحتى دينية".
أهالي طرابلس يرفضون إلباس المدينة "ثوب الإرهاب"
وشأن هذا المواطن، الذي رفض ذكر اسمه، شأن أهالي طرابلس الذين يرفضون إلباس المدينة "ثوب الإرهاب"، وهي التي ارتدت في "انتفاضة 17 أكتوبر" (تشرين الأول 2019) معطف الثورة، وأحبطت محاولات دفعها نحو انزلاقات أمنية، عادت لتطلّ برأسها اليوم مجدداً، من بوابة الروايات عن تجنيد "داعش" عشرات الشبان فيها.
القاسم المشترك بين الكثير من هؤلاء الشبان أنهم كانوا موقوفين سابقاً بتهم عدة
أما النساء، اللواتي يتفادى معظمهن عدسات الكاميرا ويفضّلن عدم الحديث العلني، يهمسن بأنهن يخفن على أولادهن الذين تتجاوز أعمارهم الـ15 سنة، مع ارتفاع حالات الاختفاء في البلدة، في ظل تردّي الأوضاع الاقتصادية، ومعظمهم عاطل عن العمل أو يعمل بأجر يومي.
وتقول إحداهنّ، لـ"العربي الجديد"، رافضة ذكر اسمها، لدى المرور جانب منزلها القريب من بيت أحد الشبان الذين ترددت أنباء عن مقتلهم في العراق، "أخاف على ابني من ألا يعود. أصبحت أهاتفه مرات عدة في اليوم الواحد، وعندما يتأخر حتى ساعات المساء أنتظره، وأسهر في الخارج حتى أطمئن إلى عودته". تسكت المرأة قليلاً، من ثم تكرّر جملة واحدة: "الله يحمي شباب طرابلس والشمال".
سيناريو شبه موحّد لاختفاء الشبان من طرابلس
منذ نحو ثلاثة أشهر، بدأ الحديث عن اختفاء شبّان من طرابلس في ظروف غامضة، ترتبط بسيناريو شبه موحّد، يتكئ عليه الأهالي، بتلقّي أولادهم تحذيرات من ملفات إرهاب ستطاولهم، فنصائح بالفرار من لبنان.
وتعززت فرضية انتقال الشبان إلى العراق مع اتصال بعضهم بذويهم للتأكيد أنهم في العراق، وطلب غالبيتهم "النجدة"، قبل أن تُعلن وزارة الداخلية اللبنانية رسمياً، في يناير/ كانون الثاني الماضي، التحاق 37 شاباً من طرابلس بتنظيم "داعش".
يأتي هذا وسط تضارب كبير في المعلومات حول أعداد المختفين، الذين تُثار شكوك حول انضمامهم إلى "داعش" بعد اختفائهم.
ومع أواخر يناير، توالت الأخبار حول مقتل عدد من هؤلاء الشباب. آخرها الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء العراقية "واع" مساء 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، ويفيد بتوجيه مقاتلات تابعة لسلاح الجو العراقي ضربة جوية في محافظة ديالى شرق البلاد، قالت إنها استهدفت الخلية الإرهابية المسؤولة عن تنفيذ هجوم حوض العظيم، في 21 من الشهر ذاته، وأدى إلى مقتل 11 عسكرياً.
ثم نشرت الوكالة تفاصيل جديدة، نقلاً عن مصدر أمني عراقي، لم تسمه، أكد فيه أن 3 لبنانيين قتلوا في الضربة الجوية، وكانوا ضمن أعضاء الخلية التابعة إلى "داعش".
وبحسب الوكالة فإن "الإرهابيين الثلاثة من وادي النحلة شمال لبنان، وهم عمر سيف، وبكر سيف، وأنس سيف، الملقب بـ الجزار". لكن حتى الآن لم يصدر بيان رسمي عراقي بذلك، باستثناء تصريح خلية الإعلام الأمني العراقي، الذي أقرّ بوجود مقاتلين أجانب بين قتلى الضربة الجوية من دون أن يسمّي جنسياتهم.
وأعقب ذلك بيان آخر لجهاز الأمن الوطني تحدّث عن مقتل عناصر آخرين بتنظيم "داعش"، في بلدة الطارمية شمال بغداد، قال إن من بينهم شخصاً يدعى عدوان فرحان جفال، ويعرف باسم "شيخ سعد"، وإنه جرى نقل جثته لأخذ عينة من مادة ادي أن إي (الحمض النووي)، وذكر أنه يشغل منصب نائب والي بغداد في "داعش".
السؤال الموحّد لدى الأهالي: كيف عبر أولادنا كل هذه الحدود، ووصلوا إلى العراق؟ من سهّل وأمّن عبورهم؟ من هرّبهم؟
وحول ذلك قال مصدر أمني عراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن السلطات العراقية تتواصل مع مسؤولين في الأمن العام اللبناني بشأن الملف.
وبيّن أن "المعلومات المتوفرة عندي هو أن الشبان اللبنانيين لم يدخلوا العراق تهريباً أو تسللاً عبر الحدود، لكن يجب انتظار صدور التقرير الرسمي العراقي الذي سيتم تسليمه إلى اللبنانيين". ولفت إلى أن "الموضوع الأخطر في قصة اللبنانيين هو أنه يؤكد وجود عمليات تجنيد، ما يعني أن هناك خلايا متخصصة تخطط وتسهّل النقل إلى العراق. وأعتقد أن السلطات العراقية مهتمّة بذلك جداً".
وتُضاف أسماء الشبان الذين ترددت أنباء عن مقتلهم إلى لائحة غير رسمية وردت إلى الأهالي، لم تؤكَّد أمنياً "لانتفاء الدليل"، تضم أخوين من آل شخيدم، وشاباً من آل السيد، والشابين زكريا العدل وأحمد الكيال.
غالبية الشبان سجنوا لفترات وتعرّضوا للتضييق
والقاسم المشترك بين عدد من هؤلاء الشبان، تبعاً للإفادات التي حصل عليها "العربي الجديد" بعد الالتقاء بذويهم، أنهم كانوا موقوفين سابقاً بتهم عدة، وسجنوا لفترات وتعرضوا للتضييق ربطاً بـ"وثائق اتصال" (الخاصة بالجيش، وهي أشبه ببلاغ بحث وتحرٍ جرى إلغاؤه في عام 2014 رسمياً، لكن يستمر العمل به).
وقد جعل هذا الأمر الشبان عرضة للملاحقة والتحقيق مرات عدة، فيما لا يستبعد تعرضهم للابتزاز والتخويف وأخيراً التهديد بهدف تجنيدهم في "داعش". ويبقى السؤال الموحّد لدى الأهالي "كيف عبر أولادنا كل هذه الحدود، ووصلوا إلى العراق؟ من سهّل وأمّن عبورهم؟ من هرّبهم؟ ومن هددهم؟".
تردِّد أم بكر سيف، التي التقاها "العربي الجديد" داخل منزل العائلة، عبارة "ابني مظلوم" باستمرار. تحمّل الوالدة الدولة والأجهزة الأمنية اللبنانية مسؤولية اختفاء ولدها ومقتله.
وقالت: "كل شاب يخرج من السجن يُدمَّر ويُظلَم. ممنوع عليه العمل أو العيش، أو الانخراط في المجتمع. ابني عند الدولة. هي أخذته. ابني ليس إرهابياً، وشبابنا يتعرضون للخطف. شبان طرابلس معترون، وهم بعمر الورد يُخطَفون. لماذا يريدون إلباس طرابلس قميصاً لم ترتده، ويعتروها أكثر ما هي معترة".
وتوضح أم بكر أن "آخر ما طرحه عليّ (بكر) في ديسمبر/ كانون الأول الماضي كان متى تنتهي الطبخة؟ فأجبته عند الساعة الثانية عشرة ظهراً. أخبرني بأنه سينزل إلى خطيبته، فعرسهما كان بعد أسبوعين، في 25 ديسمبر، ويعود لتناول الطعام، ومنذ تلك اللحظة خرج ولم يعد".
وأشارت إلى أنه "بعد مرور وقت على فقدانه، اتصلنا بالأمن العام الذي أكد لنا أحد عناصره أن بكر موقوف عندهم، بموجب المادة 303 (متعلقة بوثائق الاتصال الخاصة بالجيش)، وبمجرد أن ينتهي التحقيق سيخرج". وأضافت: "لكن انتظرنا يوماً واثنين وأكثر، وكل نهار تتكرر وعودهم بإخراجه. بيد أن الأجوبة بدأت تتقاطع لاحقاً، منها نفي وجوده لديهم، إلى أن اتصل بنا بكر منذ أيام، وقال لنا إنه في العراق، والله يظلم اللي ظلمنا"، قبل أن يأتي خبر مقتله.
في المقابل، لا تخفي أم بكر أن شباناً أتوا وأخبروا ابنها أن يجهز نفسه "فالدولة تسأل عنك" واستغرب حديثهم. وأشارت إلى أن ابنها دخل السجن 2014 ظلماً بعدما أدين بتهمة "إرهاب ومخالفة أنظمة الإدارية" (الحديث كان يدور عن تجنيد أطفال من أجل القتال في سورية لصالح تنظيمات متشددة)، بينما كان عمره 17 سنة. وتؤكد أنهم "لم يخرجوا بأي دليل ضدّه، ومع ذلك سجن وعُذِّبَ"، على حد تعبيرها.
وتسأل: "النملة لا يمكنها تخطي كل هذه الحدود والمعابر. كيف غادروا إذاً؟ من أخفاهم، ومن أخذهم؟ ابني ما كان (لم يكن) يخطط للذهاب، فهو يحضّر لزفافه وجهز منزله".
الأمن العام اللبناني يرفض التعليق
واتصل "العربي الجديد" بالرقم الذي تواصل معه الأهل للسؤال عن ابنهم، والعائد لأحد عناصر الأمن العام، لكن صاحبه رفض الإجابة عن الأسئلة وطلب مراجعة المديرية.
وحاول "العربي الجديد" التواصل رسمياً مع الأمن العام للحصول على توضيح حول كلام أم بكر، والسبب وراء تقاطع المعلومات التي قدمت لها من جانبهم، والتي تفيد بأن نجلها كان لدى الجهاز الأمني، بيد أنهم رفضوا التعليق.
محمد صبلوح: لا أرقام دقيقة حول عدد الشبان الذين غادروا طرابلس، لكنها تتراوح بين 70 و120
كما تم إرسال كتاب رسمي بالسؤال نفسه للحصول على جواب من المديرية، لكن لم يتم الحصول على جواب. وكان قسم الإعلام في المديرية قد أوضح، عندما تواصل معه "العربي الجديد" أنهم قد لا يجيبون.
هل تلقى عمر سيف تهديداً من جهاز أمني؟
من جهتها، فقدت أم علاء ابنها عمر سيف (اعتقل أيضاً بين 2014 و2019 وسبق أن ذهب إلى سورية للقتال) قبل يوم من عيد رأس السنة. اتصلت بشقيقه للسؤال عنه، فطلب منها الانتظار، وبعدما "طالت غيبته"، اتصلوا بمخابرات الجيش، حيث تم التأكيد لهم أنه ليس عندهم، وأبلغوهم بأن هناك شباناً لبنانيين يذهبون إلى العراق للالتحاق بـ"داعش" وقد يكون ضمنهم.
وبعد 4 أيام، تلقت أم علاء اتصالاً من ابنها من رقم غير لبناني. "الحوار كان قصيراً" تقول، لـ"العربي الجديد"، وأضافت: "طمأنني أنه بخير وأقفل الخط، عندها أبلغت المخابرات بذلك، وأعطيتهم الرقم الذي اتصل منه، ولم يتواصلوا معنا مجدداً".
وأشارت إلى أن ابنها عاود الاتصال في 19 يناير الماضي من رقم آخر. تضيف: "حاولت أن أحدثه بهدوء لمعرفة بعض التفاصيل، فكان جوابه أنه بخير ويسأل عن أحوالنا. عندها أخبرته أنني اتصلت بالأجهزة الأمنية والصحافة بحثاً عنه فردّ: إعملي اللي بريحك".
الفاجعة كانت مع تلقي أم علاء اتصالاً بعدها بنحو خمسة أيام من الرقم نفسه، فأجابت سريعاً "حبيبي"، لتلقى الردّ "حبيبك مات". وعندما سألت "كيف، من يتحدث معي؟"، أتتها الإجابة: "الداعشي قُتِل، والهاتف كان في جيبه"، ومن ثم أقفل الخط.
وأضافت: "حاولت معاودة الاتصال بيد أن أحداً لم يجب". فسارعت بعدها لإبلاغ مخابرات الجيش، لكنهم قالوا لها "إذا لم تكن هناك صور لوفاته يعني لا إثبات بذلك"، قبل أن ترد العائلة أنباء ورسائل عبر "واتساب" بأن عمر توفي إلى جانب شبان آخرين على الحدود العراقية.
وتسأل أم علاء: "كيف قطع الشباب الحدود اللبنانية والسورية والعراقية؟ هناك يد أعلى من يد ابني، وأعلى من يد الدولة اللبنانية عملت على تسهيل مرورهم. من له مصلحة بقتل شبابنا في العراق؟".
وقالت أم علاء: "ابني قبل أن يختفي بـ15 يوماً حدثني عن أنه تلقى تهديداً من جهاز أمني، وكان خائفاً كثيراً، لدرجة أنه لم يعد قادراً على النوم. حاولت تطمينه، لكنه كان يردّ: يريدونني حياً أو ميتاً". وتسأل: "هل هذا افتراء؟ إذا كان كذلك أخبروني بالحقيقة".
وتوقفت أم علاء عند فترات توقيف ابنها (بين 2014 و2019)، والتعذيب الذي تقول إنه تعرض له في مراكز التوقيف، وسجن رومية، ومحطات كان لها تأثيرات سلبية كبيرة عليه، قبل أن يخرج مجرّداً من كل حقوقه المدنية.
حالة إبراهيم مغربي
وسام مغربي، من سكان بلدة القبة الشمالية، اختفى ابنه إبراهيم، البالغ من العمر 19 سنة، مع صديقه، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في ظروف غامضة، ولا يعرف عنه شيء، فاسمه لم يرد في لائحة الذين قتلوا في العراق حتى اللحظة.
وقال مغربي، لـ"العربي الجديد"، إنه تحدّث مع ابنه مرة واحدة خلال هذه الفترة، إذ اتصل به من رقم غريب خارجي، وأكد له أنه موجود في العراق، من دون أن يطلعه على أية معلومات إضافية. عندها حلّت الصدمة عليه، فهو لم يلاحظ أي شيء على إبراهيم قبل رحيله، لا تغييرات أو حتى أسباباً تدفعه للفرار. وأشار إلى أنه كان يذهب معه يومياً إلى العمل في مجال تصليح البرادات والغسالات.
إلّا أن مغربي ردد في حديثه أن هناك قطبة مخفية لا يعلم بها، وولده قد يكون تلقى اتصالاً أرعبه، وأوحى إليه بأنه مطلوب. وقال: "لا نعرف من أخذهم، وشبان طرابلس أصبحوا كلهم بمثابة مطلوبين. صورة أو فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي تؤدي إلى توقيفهم وحبسهم لسنين قبل أن تظهر لاحقاً براءتهم".
ولا يخفي وسام، الأب لخمسة أولاد، خوفه، الذي زاد عندما سمع أخيراً بمقتل الشبان اللبنانيين في العراق. وقال: "صرنا مزعزعين، ونسأل الله أن يعيده إلينا سالماً".
تراخي الأجهزة الأمنية اللبنانية
وقال مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس المحامي محمد صبلوح، لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ نحو ثلاثة أشهر لجأ إليه عدد من الأهالي يشكون من فقدان أولادهم، وبأنه وصل إلى مسامعهم أن أبناءهم أصبحوا خارج لبنان، وقد أبلغوا الأجهزة الأمنية بذلك، بيد أن التعاطي لم يكن بالجدية المطلوبة".
وأضاف: "بعد 10 أيام ألقى مدير مخابرات الشمال (نزيه بقاعي) القبض على خمسة شبان، تتراوح أعمارهم بين 15 و19 سنة، وقام بتسليمهم إلى مفتي طرابلس (الشيخ محمد إمام)، وأقروا بأنهم كانوا ذاهبين إلى العراق. وهو ما يدل على أن الأجهزة الأمنية قادرة على معرفة من يتواصل مع هؤلاء عبر داتا الاتصالات".
واستغرب صبلوح كيفية عبور هؤلاء الشبان بأكثر من نظام أمني، سواء في لبنان أو سورية، التي داخلها روسيا وإيران و"حزب الله"، فالعراق. وتساءل: "من يعمل على تسهيل عبورهم؟ ومن المستفيد من تشويه سمعة طرابلس؟".
خالد الحج: ما نراه اليوم من عودة داعش مرتبط في الجزء الأكبر منه بالأزمة الاقتصادية في لبنان
ولفت إلى أن "لا أرقام دقيقة حول عدد الشبان الذين غادروا، لكنها تتراوح بين 70 و120، ومن الضروري أن تصدر أرقام رسمية عن الأجهزة الأمنية اللبنانية، ولا سيما لوضع حد للأعداد المضخّمة التي تنتشر وتقلق الأهالي".
وتوقف صبلوح عند وثائق الاتصال، التي يفوق عددها الـ11 ألفاً، وهي عبارة عن تقرير يقدم من مخبرين سريين يظهر فيه اسم الشخص وارتباطه بملفات إرهاب، وعندها يصبح عرضة للتوقيف والتعرض لانتهاكات وانتزاع الاعترافات بالقوة، ويحول إلى المحكمة لمجرد وقوفه عند حاجز أمني، أو طلبه سجلاً عدلياً، وغير ذلك.
وأشار إلى أن مجلس الوزراء كان قد أصدر مرسوماً باعتبار هذه الوثائق بحكم الملغاة، كونها ليست صادرة عن القضاء، ولكن حتى اليوم ما تزال سارية المفعول.
ولفت إلى أن "هؤلاء الشبان، وعند خروجهم من السجن، وانخراطهم في المجتمع من جديد، يصار إلى توقيفهم وسوقهم إلى وزارة الدفاع وأجهزة أمنية أخرى ربطاً بهذه الوثيقة، ما يضيق الخناق عليهم، ويجعلهم يشعرون بشكل مستمر بأنهم منبوذون من المجتمع".
تبعاً لذلك، أشار صبلوح إلى "وجود غرف سوداء تتحكم بطرابلس، وتعمد إلى تشويه سمعتها، وتخويف الشبان من الملفات والملاحقات الأمنية، من بوابة وثائق الاتصال، وتدفع بهم للذهاب إلى العراق".
وناشد صبلوح قائد الجيش جوزيف عون إلغاء وثائق الاتصال، فـ"هي السبب وراء شيطنة الشبان"، لافتاً، في المقابل، إلى أن "بعضهم ذهب بحجة أن هناك فرصة عمل في العراق، وكانوا يجهلون أنهم سيلتحقون بداعش".
ورأى أن الأجهزة الأمنية أمام اختبار، فإما أن تكشف من وراء هذه الغرف السوداء، أو تؤكد الهواجس الموجودة بأنها مشاركة في هذه المؤامرة على طرابلس، ونتمنى في القريب العاجل كشف الحقيقة للرأي العام.
في المقابل، أكّد مصدر عسكري مسؤول في الجيش اللبناني، لـ"العربي الجديد"، أن التعامل مع الموقوفين يحترم كل المعايير القانونية والحقوقية العالمية.
وأوضح المصدر أن الـ303 هي برقية محصورة فقط بـ"جرائم العمالة والإرهاب"، وبالتالي يصار إلى متابعة هؤلاء الأشخاص المرتبطة أسماؤهم بملفات كهذه، على اعتبار أن هذه الجرائم تمسّ الأمن القومي والوطني، لكنها لا تمنع الأشخاص من أداء عملهم بشكل عادي، وقد يخضعون للمراجعة فقط في حال السفر خارج البلاد.
الجيش يوقف مهربين اثنين ساهما بإخراج شبان إلى العراق
ولفت المصدر إلى أن العدد التقريبي لدى الجيش للذين هربوا إلى العراق يصل إلى 40، وجرى توقيف مهربين اثنين من الذين ساهموا بإخراج الشباب والتحقيق يجرى معهما.
وأشار إلى صعوبة ضبط الحدود، كما أن المهربين قد يستخدمون كل وسائل الترهيب والتخويف لحمل الشباب على مغادرة لبنان. ولكن على هؤلاء، في حال وصلت إليهم تهديدات من بوابة ملفاتهم الأمنية السابقة، أو توقيفهم لأي سبب كان، أن يلجأوا إلى الأجهزة الأمنية، ويبلغوا عن ذلك، بدل الفرار إلى العراق وتعريض حياتهم للخطر هناك.
من جهته، قال الباحث اللبناني خالد الحج، لـ"العربي الجديد"، إن "الحركة الجهادية المعاصرة بدأت فعلياً منذ احتلال أميركا للعراق وأفغانستان، إذ إنه عندما دعا تنظيم القاعدة للجهاد اعتبر الساحة اللبنانية ساحة نصرة لا جهاد. ورغم ذلك اعتبرت أعداد اللبنانيين والشماليين والطرابلسيين ضئيلة جداً على صعيد تلبية النداء".
وأوضح أنه في "عام 2011، مع بداية الحرب السورية، مال السُنة والشماليون والطرابلسيون إلى الثورة السورية، وهم الذين يحملون ذكريات أليمة وصعبة مع الجيش السوري، من جراء مجزرة عام 1986 التي ارتكبها في طرابلس، فناصر هؤلاء الثورة السورية".
وأضاف: "في عامي 2013 و2014، في ظل معركة حزب الله في القصير ويبرود، رأينا الانعكاس في طرابلس مع انضمام مجموعات من الطرابلسيين والشماليين إلى داعش والنصرة. وعلى الرغم من ذلك أثبتت طرابلس مرة أخرى بأن الحالات كانت فردية، وأنها ليست حاضنة شعبية للحركات الجهادية والإرهاب".
ورأى الباحث اللبناني أن "ما نراه اليوم من عودة داعش مرتبط في الجزء الأكبر منه بالأزمة الاقتصادية، وتردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية في البلاد، والأعداد مرشحة حتماً للارتفاع، إذا لم تتحرك الدولة لمساعدة طرابلس وتوقف سياستها التهميشية بحق المدينة".