وجّه مجلس القضاء الأعلى في العراق، أربع مذكرات قبض إلى الشرطة الدولية "الإنتربول" لاعتقال مسؤولين كبار في الحكومة العراقية السابقة، التي كان يترأسها مصطفى الكاظمي، بتهم تتعلق بقضية "سرقة الأمانات الضريبية"، وما يُعرف محلياً بـ"سرقة القرن"، البالغة أكثر من ملياري ونصف مليار دولار.
يأتي ذلك فيما أشار مراقبون ومحللون إلى أنّ اتفاقات وضغوطاً سياسية أفضت أخيراً إلى المضي بهذا القرار، في سبيل "تصفية الحسابات" مع الكاظمي وفريقه، الذين عرفوا بمعاداتهم للمليشيات والفصائل المسلحة الموالية لإيران.
ووفقاً للمذكرات الأربع المذيلة بتوقيع رئيس الادعاء العام القاضي نجم عبد الله أحمد، بتاريخ 8 أغسطس/ آب الجاري، فإنّ المتهمين هم "رئيس جهاز المخابرات الوطني السابق القاضي رائد جوحي، ومدير المكتب الخاص لرئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، ومستشاره مشرق عباس، ووزير المالية السابق عبد الأمير حسون علي طه".
وطالبت المذكرات الشرطة الدولية بتأييد الاستلام، وإشعار القضاء العراقي في حالة جرى إلقاء القبض عليهم، ليتسنى له توجيه إجراءاته وفقاً للقانون، على اعتبار أنّ التهم المسندة للمسؤولين السابقين، تقع وفق أحكام المادة 316 من قانون العقوبات العراقي.
وتشير هذه المادة من قانون العقوبات إلى استغلال الموظف وظيفته، والاستيلاء على الأموال بغير حق، وأن العقوبة هي السجن لمدة لا تزيد عن 10 سنين.
المتهم الأول خارج أسوار السجن
ورغم هذه الإجراءات بحق المسؤولين السابقين في حكومة الكاظمي، فإن المتهم الأول بجريمة "سرقة القرن" وهو التاجر نور زهير، خارج أسوار السجن، بل تداول ناشطون خلال الأيام الماضية، صوراً له مع زعيم مليشيا "بدر" هادي العامري، فيما تشير مصادر إلى أنه يمارس أعماله التجارية في مجال بيع وشراء العقارات بصورة طبيعية في العاصمة بغداد.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، جرى الكشف لأول مرة عن قضية "سرقة القرن" التي تورط فيها مسؤولون سابقون كبار ورجال أعمال، وأثارت سخطاً واسعاً في العراق الذي شهد في السنوات الماضية احتجاجات واسعة تطالب بوضع حد للفساد.
وتتعلق القضية باختفاء مبلغ 3.7 تريليونات دينار عراقي (نحو مليارين ونصف مليار دولار) من أموال الأمانات الضريبية في وزارة المالية، وجرى الكشف عنها من قبل جهات معنية عدة قبل نحو شهرين من انتهاء فترة حكم الحكومة السابقة، برئاسة مصطفى الكاظمي.
وسبق أن دعا رئيس هيئة النزاهة العراقي القاضي حيدر حنون، الأسبوع الماضي، الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، إلى تسليم مدير مكتب رئيس مجلس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، ورئيس جهاز المخابرات، ووزير المالية السابقين، لتورطهم في قضية سرقة الأمانات الضريبية، مشيراً إلى "تنظيم النشرات الحمراء للمطلوبين، الذين يحملون الجنسية الأميركية، وكذلك وزير المالية السابق، وهو يحمل الجنسية البريطانية"، مؤكداً أن هؤلاء "من كبار المتهمين بالقضية".
كما دعا رئيس هيئة النزاهة، دولة الإمارات العربية المتحدة إلى تسليم المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء في الحكومة السابقة المقيم حالياً على أراضيها (مشرق عباس)، قائلاً: "لم يثبت لنا حصوله على جنسية أجنبية. وطالب تركيا بتسليم مطلوب وزوجته، وهما موظفان سابقان في هيئة النزاهة الاتحادية، وهما يحملان الجنسية التركية".
"خداع العراقيين"
لكن وزير المالية العراقي السابق عبد الأمير علاوي، هاجم الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، بالقول إنها "تخدع العراقيين وتصرف النظر عن الفساد العارم بين الطبقة السياسية وسوء الإدارة والإهمال"، مشيراً، في تصريحات صحافية، إلى أنّ "محاميه أكد له أن لا إنذار مسجل في الإنتربول بحقه، ولم يجر تسليم أي خطاب أو إخطار فعلي إليه أو إلى فريقه القانوني، وأن الحكومة لم تستطع محاسبة الكاظمي، فأصدرت إشارة ضد الرجل الثاني في حكومته".
من جهته، قال عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي علي تركي، إن "الشخصيات المتورطة بالسرقات الكبيرة في البلاد خلال فترة حكم مصطفى الكاظمي لن تفلت من العدالة، وأن الموظفين الكبار والمستشارين السابقين وبعض الوزراء، والمتورطين في سرقة القرن سيُحاسبون جميعهم، لذلك نطلب من جميع الدول التي تستضيف المتهمين بأن تقوم بتسليمهم إلى العراق".
وبين تركي لـ"العربي الجديد"، أنّ "قرارات خاطئة وأخرى كارثية، وبعضها مضرة بالوضع المالي للعراق، صدرت في حكومة الكاظمي، ولم يجر الكشف عنها لأسباب، منها التظاهرات الشعبية، ثم جائحة كورونا".
وأضاف أن "حكومة السوداني عازمة على التوصل إلى المتهمين، من خلال المساعدة التي تقدمها الدول الأوروبية والخليجية وغيرها، وجهود الإنتربول في ذلك"، مؤكداً أن "الفترة القادمة ستشهد صدور مذكرة قبض واعتقال بحق رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، بعد أن تبيّن أنه متورط في أكثر من ملف فساد".
"الانتقام" من الكاظمي
بدوره، أشار الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي، إلى أن "القوى السياسية القريبة من إيران، والفصائل المسلحة، تريد الانتقام من الكاظمي وفريقه الحكومي المقرّب منه، وأن القرارات الأخيرة ما هي إلا عملية لتصفية الحسابات معه، وفي الوقت نفسه هناك أحزاب وقوى سياسية تخشى من محاسبة فريق الكاظمي، حتى لا يتحول هذا الأمر إلى سلوك يواجهه رؤساء الحكومات العراقية سواءً من السابقين أو اللاحقين".
وأكمل الركابي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "جميع الحكومات العراقية بعد عام 2003، متهمة بالفساد، والانتهاكات الحقوقية وكوارث ألحقت بحياتهم ومستقبلهم، ولعل حكومة نوري المالكي كانت الأكثر فظاعة من ناحية الفساد والانتهاكات ولا تزال شاهدة على ضياع المحافظات العراقية بيد تنظيم داعش وتهجير العراقيين ومقتل عشرات الآلاف، لكن الواضح أن ما يجري مع حكومة الكاظمي السابقة، هو استهداف سياسي وتصفية حسابات وعمليات انتقامية".