للأسبوع الثاني على التوالي، ترفع فصائل مسلحة تتبع "الحشد الشعبي"، في العراق، من وتيرة انتشارها في عشرات القرى والقصبات الواقعة شمال مدينة بعقوبة وشرقها، العاصمة المحلية لمحافظة ديالى، شرقي العراق، على الحدود مع إيران، وسط مخاوف من الأهالي الذين يطالبون بالقوات النظامية وإبعاد الفصائل عن مناطقهم، بسبب ما يصفونه تجارب دموية سابقة لهم مع تلك الجماعات، نفّذت خلالها عمليات قتل وخطف بدوافع طائفية.
واليوم الإثنين، أكد مسؤول محلي في مدينة بعقوبة لـ"العربي الجديد"، أن المئات من أفراد الجماعات المسلحة باتوا ينتشرون في أكثر من 50 قرية شمال بعقوبة وشرقها، ضمن حدود مدن المقدادية والخالص ومناطق أخرى، ونصبوا نقاط تفتيش، واتخذوا من بعض البساتين والمنازل الفارغة مقرات لهم، رغم الوجود الكثيف للشرطة وقوات الجيش.
مبينا أن هذا الانتشار أفقد القرى استقرارها، "وهناك عائلات هجرت منازلها ونزحت من مناطقها، بسبب التجارب السابقة لهم مع المليشيات، التي كانت عموماً مليئة بالانتهاكات". من دون أن يستبعد أن وجودهم في هذا الوقت له صلة بالانتخابات المقررة بعد 20 يوماً من الآن.
عضو مجلس محافظة ديالى المنحل، أحمد القيسي، قال لـ"العربي الجديد"، إن الانتشار الأخير للفصائل المسلحة يأتي ضمن "ملاحقة بقايا وجيوب مسلحي تنظيم داعش"، لكنه أقر في الوقت ذاته بوجود مخاوف لدى السكان القرويين، خاصة بعد عمليات اعتقال عشوائية نفذتها تلك الفصائل من دون غطاء قانوني أو مذكرات قبض صادرة عن المحاكم، رافقتها عمليات شتم وضرب وتحطيم لأثاث المنازل التي داهمتها وحدات مسلحة تتبع لـ"الحشد الشعبي".
ووفقاً للقيسي، فإن تلك القرى تقع شمال مدينة المقدادية، إضافة إلى قرية زاغنية في بلدة العبّارة، وقريتي خرنابات والهويدر في مدينة بعقوبة، وقرية خلوف في منطقة خان بني سعد، وعشرات القرى في حوض العظيم وقرى الخالص وأبرزها قرية زنبور، ومركز بلدة السعدية، ومنطقتي المخيسة وكصيبة في بلدة أبي صيدا.
المتحدث باسم "الحشد الشعبي"، في محافظة ديالى، صادق الحسيني، برر هذا الانتشار الجديد بأنه "توفير الحماية الكاملة في كل مناطق ديالى من دون استثناء، ولدرء أية هجمات إرهابية". مضيفاً أن "أكثر من 50 قرية في ديالى دخلت استراتيجية الأطواق المحصنة، والتي يجري من خلالها نشر نقاط مرابطة مع كاميرات حرارية بهدف منع أية خروقات وإعطاء رسائل طمأنة للأهالي".
لافتاً، في تصريحات أوردتها وسائل إعلام محلية عراقية، إلى أن "الأطواق الأمنية قد تتسع لتشمل مناطق وقرى أخرى وفق الحاجة الأمنية".
لكن زعيماً قبلياً في مدينة المقدادية قال لـ"العربي الجديد" إن الفصائل التي باتت تسيطر على أغلب القرى الواقعة شمالي المحافظة، لها تاريخ سيئ مع الأهالي الذين يطالبون بقوات نظامية تتولى أمنهم".
ويضيف، طالباً عدم الإفصاح عن اسمه، أن السكان المحليين بدؤوا يتخوفون من زيادة وجود عناصر المليشيات في هذه المناطق خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع نصب الحواجز، وتعمّد مضايقة الشباب، والتعامل غير القانوني مع الأهالي عموماً". معتبرا أن هذا الانتشار له عدة نوايا، منها إعاقة عودة سكان القرى النازحة منذ سنوات بالمخيمات، وقطع الطريق أمام جهود الأمم المتحدة ووزارة الهجرة، وأيضاً تحييد تلك القرى في الانتخابات، إذ إنها تشترك في دوائر انتخابية واحدة مع مناطق فيها مرشحون عن تلك الفصائل".
وعبّر عضو البرلمان عن محافظة ديالى، عبد الخالق العزاوي، عن خشيته من احتمال تأثير وجود الفصائل المسلحة على سير العملية الانتخابية في بعض مناطق المحافظة، مشدداً في حديث لـ"العربي الجديد" على ضرورة وضع المراكز الانتخابية تحت إمرة الجيش.
ولفت إلى أن أساليب الترغيب والترهيب ضد السكان انطلقت منذ شهرين، وما زالت تتزايد مع قرب موعد الانتخابات، مبيناً أن الأمن في جميع مناطق ديالى يجب أن يدار من قبل قوات الجيش والشرطة، و"كنا نأمل أن تأتي قوة من بغداد لتدير ملف الأمن في المناطق التي يتعرض فيها الناخبون إلى ضغوط من أجل ضمان سير العملية الانتخابية بشفافية وديمقراطية".
مشيراً إلى أن "الفصائل المسلحة المنفلتة لن تمنح دوراً وحيزاً من الحرية للناخب لاختيار من يمثله بشكل صحيح، وكل ذلك يؤثر على سير العملية الانتخابية".
كما بيّن عضو البرلمان عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي، أن نشاط المليشيات في المحافظة ملحوظ، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن الفصائل المسلحة في ديالى تمارس عمليات تهريب وإدخال للممنوعات إلى البلاد، من أجل توفير موارد اقتصادية.
ولفت إلى أن القوات الأمنية الموجودة في ديالى تحتاج إلى إسناد من الحكومة المركزية في بغداد، مطالباً القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، بدعمها.
ومطلع العام الحالي، أكد مرصد "أفاد" المعني بمتابعة الملفات الإنسانية والحقوقية في العراق، بحصوله على شهادات توثق هيمنة مليشيات متنفذة على الأوضاع في ديالى، كاشفاً عن وجود سجون سرية في المحافظة يحتجز فيها العديد من أبناء المحافظة.
كما دعا المرصد بعثة الأمم المتحدة وبعثة الاتحاد الأوروبي إلى التحقيق في الانتهاكات والمخالفات القانونية التي تسجلها ديالى.