على نحو متسارع تتسع دائرة المقاطعة للانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، المقررة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، مع إصدار "المنبر العراقي"، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي، في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس الأربعاء، قراراً بالانسحاب من الانتخابات، داعياً القوى الأخرى لفعل الشيء ذاته. وسبق أن أعلنت جبهة "الحوار الوطني"، بزعامة نائب رئيس الوزراء الأسبق صالح المطلك، وحزب "التجمع الجمهوري"، بقيادة عاصم الجنابي، مقاطعة الانتخابات وسحب مرشحيهما. ويرتفع بذلك عدد القوى الرئيسية التي قررت المقاطعة إلى خمس، بالإضافة إلى "التيار الصدري"، و"الحزب الشيوعي". وسبق أن أعلنت القوى المدنية مقاطعة الانتخابات منذ أسابيع رداً على استمرار استهداف الناشطين المدنيين، وأبرزها "البيت الوطني"، وحركة "نازل آخذ حقي"، و"اتحاد العمل والحقوق المدنية"، والتيار المدني برئاسة النائب فائق الشيخ علي.
يجري ذلك وسط تسريبات بشأن قرب إعلان كتل أخرى مقاطعة الانتخابات، للأسباب ذاتها التي أوردتها الكتل المقاطعة الخمس الأولى، وهي السلاح المنفلت والمال السياسي، إضافة إلى إصرارها على "عدم وجود ضمانات بنزاهة الانتخابات". في المقابل، ذهب الحزب الشيوعي إلى أبعد من ذلك بالتأكيد على أن إجراء الانتخابات في موعدها لن يجعلها مفتاحاً للتغيير أو تحقيق تطلعات الشارع.
استمرار حالة المقاطعة حتى 15 أغسطس المقبل، يجعل من إمكانية تأجيل الانتخابات كبيرة
وحيال هذه التطورات، علّقت المفوضية العليا للانتخابات في العراق في بيان مقتضب، أمس الخميس، على الانسحابات الجديدة، معتبرة أن "لا قيمة قانونية لها". ونقل البيان عن المتحدثة باسم المفوضية جمانة غلاي قولها: "لا قيمة قانونية للمنسحبين من المشاركة في الانتخابات، بعد إغلاق باب الانسحاب في 20 يونيو/ حزيران الماضي". ويقول أحد أعضاء مجلس أمناء المفوضية لـ"العربي الجديد"، إن المفوضية لم تتلقّ أي إشارات من الحكومة بشأن وقف إجراءات التحضير للانتخابات"، مضيفاً أن "المفوضية وقّعت عقوداً لطباعة أوراق المرشحين والدوائر الانتخابية وتواصل التعاقد مع المتعاونين والمراقبين من دون أن تتأثر بالانسحابات".
ولا يبدو أن الانسحابات ستتوقف عند هذا الحد، مع ترجيح نائب بارز، مرشح في الانتخابات المبكرة، "الإعلان عن انسحاب كتل أخرى من السباق الانتخابي". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "جهود إعادة القوى المنسحبة وعلى رأسها التيار الصدري ما زالت غير واضحة، وهناك قوى سياسية ترفض وضع شروط لقاء عودة الصدريين للانتخابات، وأبرزها تحالف الفتح برئاسة هادي العامري ودولة القانون بقيادة نوري المالكي".
ويرى النائب أن "استمرار حالة المقاطعة حتى 15 أغسطس/ آب المقبل، يجعل من إمكانية تأجيل الانتخابات كبيرة، خصوصاً أن العديد من القوى ترغب ببقاء رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لفترة أطول تلبية لمصالح سياسية وأخرى تتعلق بوضعها الانتخابي، في ظلّ محاولتها ترميم ما فقدته عقب الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في أكتوبر 2019". ويصف المخاوف التي يطرحها المقاطعون بأنها "مبررة"، على غرار "مسألة انتشار الفصائل المسلحة ودخولها ضمن أجنحة سياسية قافزة على قانون الانتخابات الذي يمنع ذلك، فضلاً عن وجود مال سياسي كثير وخطير يجعل الكتل المدنية والصغيرة أمام تحدٍ وجودي".
وتعليقاً على هذه المستجدات، يضع عضو تحالف "القوى العراقية"، النائب أحمد مظهر الجبوري، انسحاب بعض القوى السياسية في سياق "عدم قدرتها على تحقيق ما تطمح إليه خلال الانتخابات". ويعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "تلك القوى استشعرت بخطر موقفها، وأنها لن تحصل على المقاعد التي تريدها بالانتخابات، فلجأت إلى الانسحاب". وبرأيه، فإن "الموضوع قد يكون أخطر من الانسحابات، فهناك أصوات تريد التأجيل لتحقيق مكاسب، وهناك من يريد تخريب الانتخابات أساساً، ومن ثم تخريب البلاد، بسبب وجود أجندات دولية تعمل بشكل دائم".
ويتفق تحالف "الفتح" مع تحليل الجبوري، في ظلّ تردده بإعلان موقف واضح رافض لإجراء الانتخابات بموعدها، وسط توقعه بأن العراق مقبل على سيناريوهات عدة، وأزمات خطيرة، في ظل هذا التجاذب السياسي. ويبدي النائب عن "الفتح" عباس الزاملي، اعتقاده في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الخائفين من نتائج الانتخابات، خصوصاً الكتل الصغيرة التي لا تريد انتخابات، تعرف أن النتائج لا تناسب طموحاتها"، متطرقاً إلى تأييد مرجعية النجف لإجراء الانتخابات في موعدها.
بدأ الخلل مع السماح بمشاركة 10 فصائل مسلحة في الانتخابات
ويشير إلى أن "الجهة السياسية المؤثرة بالانسحاب هي التيار الصدري، وإذا ما التحقت بعض الكتل الكبيرة بالمنسحبين كتحالف الفتح، أو دولة القانون، أو تيار الحكمة، أو النصر، أو تقدم، أو عزم، فبالتأكيد لن تكون هناك انتخابات، لأنها قوى مؤثرة". ويشدّد على أن "كل الاحتمالات والسيناريوهات واردة في ما يتعلق بإجراء الانتخابات".
بدوره، حمّل المالكي الحكومة مسؤولية تهيئة الظرف الأمني المناسب لإجراء الانتخابات. وذكر في تغريدة له على موقع "تويتر"، أن "الانتخابات ستجرى في موعدها المقرر، وموقف القوى التي أعلنت عدم مشاركتها محترم، لكنه موقف خاص بها ولا يجوز فرضه على رأي الأغلبية المتفاعلة مع الانتخابات المبكرة في موعدها المحدد". وأكد أن "الانتخابات المبكرة مطلب مرجعي وشعبي"، وأن "على الحكومة تهيئة الظروف الأمنية لإنجاحها".
في السياق، يقول عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي إن إعلانات المقاطعة من قبل قوى عدة، "تأتي لعدم وجود ضمان والخشية من أن تكون الانتخابات المبكرة مجرد تجديد ترخيص لعملية محاصصة طائفية تشبه نسخاً أخرى بلا أي تغيير". ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "القوى المدنية الجديدة لا تمتلك ثمن أجور عمال تعليق يافطاتها وصور مرشحيها حتى، بينما الكتل التقليدية التي تمسك بزمام السلطة منذ عام 2003، صارت توزع أموالاً ومنحاً وهبات على شيوخ العشائر ورجال الدين والوجهاء لكسب الأصوات، وآخرين يعبّدون الطرق ويوفرون مولدات كهرباء، وكتل أخرى تفرض وجودها بالسلاح أو الخطاب الطائفي الذي ما زال يجد صدى عند شرائح معينة، للأسف". ويعتبر حقي أن "الخلل برز في بداية إجراءات المفوضية بالسماح لأكثر من 10 فصائل مسلحة بالمشاركة في الانتخابات، أو تقديم مرشحين منها داخل كتل معينة، رغم أن القانون واضح ويحظر مشاركة العسكريين وقادة الأمن وأي جناح مسلح داخل الحشد الشعبي أو خارجه بالانتخابات". ويرى أن "كل شيء مطروح حالياً، وخلال أسبوعين قد يُحسم جدل الانتخابات بشكل نهائي، إما تأجيلها أو إجراؤها بعد عودة جزئية للمقاطعين الحاليين".