لا يبدو أن أياً من التحالفات السياسية العراقية الحالية في مأمن من التفكك، قبل إجراء الانتخابات المحلية لمجالس المحافظات المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، حتى تلك التي توصف بأنها الأكثر تماسكاً، في ظل عوامل عديدة قد تخلط خريطة التحالفات السياسية، منها الخلافات على توزيع المناصب في الحكومة الجديدة، داخل التحالف الواحد.
وشهدت الأيام الأخيرة تطورات سياسية لافتة، تمثلت بفصل النائب في البرلمان العراقي ليث الدليمي من كتلة "تقدم"، التي يتزعمها رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، من دون أن يتحدث أي طرف عن أسباب ذلك. لكن الدليمي وصف استبعاده بـ"السلوك الديكتاتوري".
حيدر الملا: المتوقع حصول مزيد من المشاكل بين الأحزاب وداخل الحزب الواحد نفسه
عقب ذلك، انسحب النائب رعد الدهلكي من تحالف "السيادة"، الذي يقدّم نفسه كممثل سياسي عن العرب السنّة في العراق، فيما أكدت أطراف سياسية من محافظتي الأنبار وديالى أن "خلافات كبيرة تحدث داخل التحالفات السياسية السنّية، وغالبيتها ترتبط بمشاكل بسبب توزيع المكاسب بعد تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، والتضارب في المصالح"، مشيرة إلى أن "حدة الخلاف قد تتسع، وقد نشهد إعلان انشقاق أعضاء جدد".
خلافات كبيرة داخل "الإطار التنسيقي"
وذكرت وسائل إعلام عراقية أن خلافات كبيرة وتهديدات بالانسحابات شهدها تحالف "الإطار التنسيقي"، وقد بلغت بعض الخلافات ذروتها بين ائتلاف "دولة القانون" بقيادة نوري المالكي، وجماعة "عصائب أهل الحق" التي يتزعمها قيس الخزعلي، بسبب صلاحيات السوداني، إضافة إلى توزيع الوزارات والمناصب الأمنية، لا سيما أجهزة المخابرات والأمن الوطني.
وبيَّنت المعلومات أن "الخلافات وصلت إلى مرحلة تهدد استمرار تماسك التحالف لغاية انتخابات مجالس المحافظات في أكتوبر/تشرين الأول المقبل".
وتواصلت "العربي الجديد"، مع ثلاثة مصادر سياسية مختلفة، أكدت جميعها أن مسألة استمرار تحالفات انتخابات 2021 لغاية أكتوبر المقبل، على حالها "أمر مستبعد".
الخلافات مرتبطة بالمكاسب داخل حكومة السوداني
واعتبر عضو في كتلة "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الخلافات الحالية مرتبطة بالمكاسب داخل حكومة السوداني في الغالب".
وأضاف أن "الخلافات بين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وأعضاء تحالفه في بغداد وديالى خير مثال، إضافة لخلافات الشيخ قيس الخزعلي ونوري المالكي، ولا تنتهي عند ذلك، بل تنسحب الخلافات إلى إقليم كردستان، بين القوى الكردية ذاتها".
وذكر نائب في البرلمان عن حركة "امتداد" المدنية، طلب عدم ذكر اسمه أيضاً، لـ"العربي الجديد"، أن "حدة الخلافات غير المعلنة أكبر بكثير مما يتسرب منها، وكلها مرتبطة بآلية المحاصصة داخل الحكومة، والتي ارتبطت بداية بالوزارات، ثم وكلاء الوزراء والمديرين العامين وصولاً إلى رئاسة الهيئات والمؤسسات الحكومية الأخرى. ولا يوجد خلاف متعلق بالعراق، أو مسألة تتعلق بفكر الحزب أو الكتلة"، وفقاً لقوله. واعتبر أن "تلك التحالفات تأسست على مصالح، وتفككها مرهون بزوال تلك المصالح".
خريطة التحالفات ستتغير خلال الانتخابات
ولفت إلى أن "خطوة تشكيل لجنة التقييم الخاصة بالمحافظين من قبل السوداني، أزعجت بعض الأطراف السياسية. فهذه الفقرة لم تُطرح في الاجتماعات التي ضمت قادة الإطار التنسيقي وباقي قادة التحالفات ضمن ائتلاف إدارة الدولة"، مبيناً أن "خريطة التحالفات ستتغير بشكل كبير خلال الانتخابات المحلية المقبلة".
في السياق، قال عضو البرلمان العراقي السابق حيدر الملا إن "الخلافات داخل التحالفات الحالية، سواء السيادة أو الإطار التنسيقي، أو أي جهة كانت، في ظل هذه الظروف، عادة ما تكون بسبب المصالح والمناصب والامتيازات والوعود التي يتم الوفاء بها ما بين الأعضاء ورئيسهم".
واعتبر، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "المتوقع هو حصول مزيد من المشاكل بين الأحزاب وداخل الحزب الواحد نفسه، وأنها ستزداد كلما اقترب موعد انتخابات مجالس المحافظات، لأن الذين خسروا الامتيازات سيحاولون الفوز بها مرة ثانية من خلال مجالس المحافظات. وهكذا، فإن الأوضاع السياسية قد تتوتر خلال الأشهر المقبلة".
الخلافات بين الأحزاب أمر طبيعي
من جهته، قال القيادي في حزب الدعوة الإسلامية جاسم محمد جعفر، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات بين الأحزاب أمر طبيعي جداً"، مستغرباً ما وصفها بـ"المبالغة في الحديث عن اختلاف وجهات النظر بين "عصائب أهل الحق" وائتلاف "دولة القانون". ونفس الحالة تنطبق على بقية مكونات الإطار التنسيقي، سواء منظمة بدر أو تيار الحكمة أو ائتلاف النصر".
وأوضح أن "الانسحابات أو الانشقاقات هي أيضاً جزء من العمل السياسي، إذ إن التاريخ السياسي يشير إلى أن التحالفات تتعرض إلى انسحابات، جرّاء اختلاف وجهات النظر باتجاه قضايا معينة، أو المصالح السياسية، وحتى الشخصية".
وأضاف جعفر أن "هناك حالة من عدم الإنصاف في التناول الإعلامي والشعبي للخلافات داخل تحالف الإطار التنسيقي، وكأن التحالفات السنّية والكردية خالية من الخلافات أو التبدلات، وهي حالة كانت ستظهر حتى لو تأخر موعدها، نظراً لكون السوداني ينتمي إلى الإطار". واعتبر أن "الحديث هو عن دخول مكونات الإطار الحالية في الانتخابات المحلية ككتلة واحدة، لأن التحالف قد يتأثر قليلاً بالمستجدات السياسية".
التحالفات وقتية
وعن هذه التطورات، أشار الباحث في الشأن السياسي العراقي عبد الله الركابي، إلى أن "كل التحالفات السياسية في العراق لا تبنى على الأهداف الاستراتيجية المشتركة، بل إنها تمثل حاجة وقتية للاتفاق على توزيع المناصب الهامة ومواقع المسؤولية وفق مبدأ المحاصصة الحزبية والطائفية".
عبد الله الركابي: المرحلة الحالية هي الأصعب على التحالفات السياسية
وأوضح أنه "منذ العام 2003 (الاحتلال الأميركي للعراق)، تعمل الأحزاب جميعها وفق هذه الطريقة. وقد فشلت معظم محاولات التجديد في طريقة التحالف، وأبرزها تحالف الحزب الشيوعي العراقي مع التيار الصدري، لتعود مرة أخرى التحالفات للاعتماد على الطائفة والمصالح".
وأضاف الركابي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المرحلة الحالية هي أصعب مرحلة على التحالفات السياسية، لا سيما أن هناك بروزاً لحالة تدل على عدم الثقة بين الأحزاب، مثل الإطار التنسيقي الذي يمثل نفسه طرفاً في تحالف إدارة الدولة، ونفس الواقع مع تحالف السيادة. أما التحالف الكردستاني، فلا تنطبق عليه هذه الحالة، لأنه تفكك منذ سنوات، وتحولت علاقة أطرافه البارزة (الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني) إلى علاقة متوترة وقريبة من التصادم".
وبين أن "التحالف المدني الحالي (قوى التغيير الديمقراطية) أمام تحدّ وفرصة لاستثمار الظروف الصعبة للأحزاب التقليدية، لتحقيق نتائج جيدة في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة".