يواصل العراق منذ نحو عامين مهمة إغلاق حدوده الغربية والشمالية مع سورية، والتي تعرضت بمعظمها لتجريف وخرق بعد اجتياح مسلحي تنظيم "داعش" مساحات واسعة من شمال وغرب البلاد قادمين من الأراضي السورية المجاورة.
وتعتمد بغداد على وحدات هندسية بالجيش العراقي لشق خنادق يمتد لعشرات الكيلومترات، وأسوار إسمنتية عالية وأسلاك شائكة إلى جانب كاميرات المراقبة وأبراج الرصد في مشروع غير مسبوق من حيث امتداده، حيث يؤكد مسؤولون عراقيون عدم جدية قوات النظام السوري والمليشيات الحليفة له، وكذلك مليشيات (قسد) في مسك الحدود بالجانب الثاني ومنع التسلل إلى داخل العراق.
وأمس الأحد، أعلن مدير العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية العراقية اللواء سعد معن، عن إنجاز المرحلة الثانية من الجدار الكونكريتي في المثلث الحدودي بين العراق وسورية وتركيا والمعروف بمثلث (فيشخابور) الواقع بمحاذاة محافظة نينوى شمالي العراق وعاصمتها المحلية الموصل.
وقال معن في تصريح للقناة العراقية الرسمية، إن "العمل مستمر بالجدار الكونكريتي ولمسافات كبيرة تصل إلى 15 كيلومتراً، والمرحلة الثانية من الجدار في المثلث الحدودي بين العراق وتركيا وسورية".
وأشار إلى أن "هناك اهتماماً حكومياً وتوجيهاً من القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء) مصطفى الكاظمي بالاهتمام بالوضع الحدودي من جميع الجوانب، وأن الهدف من الزيارة الأخيرة للوفد الأمني برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي هو الاطلاع على الوضع الحدودي والتحصينات الجارية".
وأضاف المتحدث العراقي أن "الوفد اطلع على الشريط الحدودي باتجاه منطقة فيشخابور المثلث العراقي التركي السوري، ومتابعة التحصينات من حيث الجدار الكونكريتي أو الأسلاك والخنادق والكاميرات والاطلاع أيضاً على الجهد الاستخباري والميداني".
وكان وزير الداخلية عثمان الغانمي ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق أول ركن عبد الأمير الشمري، مع وفدٍ أمني، قد زاروا الحدود السورية العراقية. وذكر بيان لقيادة العمليات المشتركة أن "وفداً أمنياً كبيراً برئاسة الغانمي وصل إلى قيادة حدود المنطقة السادسة غرب سنجار، للاطلاع على تأمين الحدود العراقية السورية".
في السياق، قال ضابط من قوات حرس الحدود العراقية، إن "اتفاقاً أمنياً جرى مع أنقرة العام الماضي، قضى بأن يتم تأمين الحدود بين البلدين من المتسللين من عناصر من تنظيم "داعش" ومسلحي حزب العمال الكردستاني، ومنع أي حالات عبور غير رسمية من الأراضي السورية إلى العراق وتركيا، وقد وافقت دمشق على ذلك"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "قيادة حرس حدود (المنطقة السادسة) هي المسؤولة عن الإشراف على الجدار الذي يهدف إلى منع أي محاولة لاختراق الحدود".
ووفق للمسؤول ذاته، فإن "المثلث الحدودي يستخدمه مسلحو حزب العمال الكردستاني ومهربون متعاونون مع قسد، وإنشاء السور سيعزز فرص فرض الاستقرار في مدينة سنجار القريبة من الحدود العراقية السورية والتي ينشط بها عناصر حزب العمال".
وفي الثاني من أغسطس/ آب الجاري، أعلن مجلس الوزراء العراقي، إقرار تخصيص مالي يبلغ 20 مليار دينار عراقي(الدينار الواحد يساوي 0.01 دولار أميركي) لبناء المخافر، و10 مليارات دينار للآليات العسكرية، لتأمين الحدود العراقية مع تركيا، وجاء القرار بعد أيام من هجوم على محافظة دهوك شمالي العراق، الذي راح ضحيته نحو 9 مدنيين بقصفٍ جوي، اتهمت بغداد أنقرة بالوقوف وراءه.
وجاء في بيان رسمي أن "لجنة التقييم الأمني للحدود العراقية - التركية، أوصت بتخصيص تمويل بـ30 مليار دينار، وهذا التمويل سيسحب من المخصصات المالية التي جاء بها قانون "الأمن الطارئ" الذي صادق عليه البرلمان العراقي في يونيو/حزيران الماضي.
ولفت البيان إلى أن "وزارة المالية ستقوم بتمويل قيادة قوات الحدود بمبلغ 42 مليار دينار"، وذلك بتحويل المبلغ إلى "قيادة العمليات المشتركة".
من جهته، قال ضابط برتبة عقيد من قوات البيشمركة في مدينة دهوك، صاحب كوجر، إن "مناطق شمال العراق تعاني من مشاكل أمنية كثيرة، مصدرها مسلحو حزب العمال وتنظيم من داعش، وتسعى القيادة العراقية بالتنسيق مع وزارة البيشمركة في إقليم كردستان إلى سد الثغرات التي يتسرب منها المسلحون إلى المناطق العراقية"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "هناك تعاملا خاصا مع ملف الحدود، وتحديداً في المثلث الحدودي الخطير بالنسبة لحكومتي أربيل وبغداد".
وأكمل كوجر أن "هناك تقدما ملموسا في إنجاز الجدار العازل الأمني مع الحدود التركية والسورية، لكن هناك ثغرات أمنية في مناطق وعرة لا يزال بعض الإرهابيين من "داعش" ومن مسلحي العمال يستخدمونها للتهريب والتجارة والتسلل إلى مناطق عراقية"، مؤكداً أن "القوات الكردية تمكنت خلال الأشهر الماضية من القبض على العشرات من المتسللين".
ومنذ منتصف عام 2018 بدأ العراق مشروع إنشاء السور الأمني على طول الحدود مع سورية، والبالغ نحو 620 كيلومتراً، إلا أن مسؤولين عسكريين وأمنيين يؤكدون أن ما تم إنجازه من التحصين للحدود لا يتجاوز فعلياً نصف المساحة الحدودية.
وخلال السنوات الماضية نقلت السلطات العراقية عشرات الآلاف من العوارض الإسمنتية التي كانت داخل المدن، مستغلة التحسن الأمني فيها، إلى الشريط الحدودي مع سورية، من ناحية الغرب تحديداً، مع إشراك وحدات الجيش وحرس الحدود في مهام التحصين.
من جانبه، أشار عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، مهدي تقي، إلى أن "كل دول العالم تسعى إلى حماية نفسها من التسلل الإرهابي أو عمليات التهريب التجاري، أو حتى المتاجرة بالبشر الذي عادة ما يحصل على الحدود، بالتالي فإن العراق وبعد التجربة المريرة مع تنظيم "داعش" الذي جاءنا من وراء الحدود، بات لا بد من حماية نفسه".
واعتبر في اتصالٍ بـ"العربي الجديد"، أن "العراق يشهد تقدماً في ملف التحصينات الأمنية، وتظهر نتائجه الاستقرار الأمني الحالي، لكننا نحتاج إلى إرادة حكومية قوية وحازمة مع بعض الدول في سبيل المساعدة في ضبط حدودها مع العراق".
من جهته، بيَّن الخبير الأمني طارق العسل، أن "الجدار الأمني والعوازل الخراسانية، تعد من أكثر المصدات التي تمنع استمرار التهريب وتسلل الإرهابيين، لكن الأمر أيضاً يعتمد على نوعية القوات الماسكة للمناطق الحدودية، لذلك لا بد من استقدام قوات مدربة وغير خاضعة لبعض الجهات السياسية والفصائل المسلحة في سبيل ضبط الأمن"، مؤكداً أن "الجانب التركي جاد في تأمين المنطقة الحدودية مع بغداد، لكن الموقف السوري غير واضح، لأن النظام في سورية لا يزال فاقداً السيطرة على أجزاء من أراضيه".
ويتخوف مراقبون من عودة حالات تسلل عناصر تنظيم "داعش"، وتغلغلهم في المناطق الصحراوية، التي تمتاز بها محافظتا الأنبار ونينوى، وافدين من الأراضي السورية، لا سيما أنهم عادة ما يسلكون طرقاً نائية على الشريط الحدودي مع سورية، ثم إلى المناطق الصحراوية عبر بادية الجزيرة.