- الخلافات داخل التحالف تعكس صراعات داخلية وتوجهات مختلفة بين القوى السياسية، مع تحديات في تحقيق توافق حول شكل القانون الجديد، مما يسلط الضوء على التحديات الكبيرة في العملية الانتخابية.
- يبرز دور الحوار والتفاوض بين الأطراف المختلفة للوصول إلى توافق حول تعديل القانون، مما يؤكد على أهمية الحوار السياسي في تشكيل مستقبل العملية الانتخابية ودعم الاستقرار السياسي في العراق.
يشهد تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم في العراق، والذي يضم حلفاء إيران في بلاد الرافدين، تباينات وصفت بالكبيرة بين أطرافه السياسية، بخصوص مشروع جديد لتعديل قانون الانتخابات التشريعية العامة في البلاد، بعد أقل من عامين على تعديله وإجراء الانتخابات العراقية الأخيرة في العام 2021 على أساسه.
المشاورات الجديدة كشفت عنها أطراف عديدة، أبرزها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي قال في مقابلة مع وكالة الأنباء العراقية (واع)، في الثامن من شهر مارس/آذار الحالي، إن "هناك قراءات لدى كتل وقوى سياسية بأن الدوائر المتعددة هي الخيار الأفضل فيما يرى آخرون أن الدائرة الواحدة هي الأفضل". وأكد المالكي عدم وجود قرار نهائي داخل "الإطار التنسيقي" بتعديل قانون الانتخابات، إنما "أفكار طُرحت وهي قيد المناقشة والحوار، بعضها يتعلق بالعودة إلى الدوائر المتعددة وأخرى دوائر متعددة مع اعتماد الفائز الأعلى، فيما يفضّل آخرون البقاء على الدائرة الواحدة"، وفقاً لقوله.
نائب عن الإطار التنسيقي: مسألة حرمان الوزير ورئيس الوزراء من الترشح ستكون أول بنود التعديل
ولفت المالكي إلى أن "من الأفكار الأخرى المطروحة ما تتعلق بالمسؤولين التنفيذيين وبعدم مشاركتهم في الانتخابات إلا بعد تقديم استقالتهم قبل 6 أشهر من الانتخابات لعدم السماح باستثمار إمكانات الدولة"، لافتاً إلى أن "هذه الأفكار غير متفق عليها لا في داخل الإطار التنسيقي ولا في ائتلاف دولة القانون ولا مع بقية القوى السياسية".
الانتخابات العراقية: 3 قوانين بانتظار التعديل الرابع
ومنذ الغزو الأميركي، عرف العراق ثلاثة قوانين انتخابية خضعت اثنتان من نسخها لتغييرات جذرية، مع استحداث فقرات أو إضافة عليها في النسخة الثالثة. وفي حال الذهاب إلى تعديل القانون الحالي، فستكون هذه الخطوة الرابعة من نوعها، والتي عادة ما تتم بناءً على توافق سياسي يكون في الغالب للقوى الرئيسة الدور الأكبر فيه، بحثاً عن مكاسب سياسية أو مساعٍ للإبقاء على أوزانها الانتخابية.
وفي هذا السياق، تحدثت مصادر سياسية في العاصمة بغداد، عن انعقاد جلستي مناقشات بين قوى "الإطار التنسيقي" خلال الأيام الأخيرة بشأن قانون الانتخابات وتعديله ضمن تصورات تطرحها بعض القوى السياسية مبنية بالغالب على أساس حزبي وطائفي أو مكوناتي.
وقال نائب عن تحالف "الإطار التنسيقي"، لـ"العربي الجديد"، إن هناك "قبولاً بالتعديل (القانون) لكن كيف ومتى وما هي الصيغة؟ فهذا ما لم ينضج حوله أي شيء حتى الآن". ولفت في هذا السياق إلى أن "مسألة حرمان الوزير ورئيس الوزراء من الترشح ستكون أول بنود التعديل، وكذلك إعادة السماح لعراقيي الخارج بالمشاركة في الانتخابات".
دوائر متعددة في تعديل قانون الانتخابات
ووفقاً للمصدر ذاته، فإن "كتلة دولة القانون بزعامة نوري المالكي، تسعى إلى العودة لنظام الدوائر المتعددة بدل الدائرة الواحدة لكل محافظة، بعد تراجع أصواتها في الانتخابات العراقية الأخيرة وهذا ما ترفضه قوى أخرى داخل الإطار، حصلت على مكاسب من الدائرة الواحدة في قانون الانتخابات". وبيّن أن "قوى في الإطار التنسيقي تخشى العودة إلى نظام الدوائر المتعددة، خوفاً من فقدانها المقاعد البرلمانية مجدداً، كونها غير قادرة بشكل تام على تنظيم قواعدها الشعبية، وهي لا تريد فقدان الأصوات وتشتتها كما حصل خلال الانتخابات البرلمانية عام 2021، ولهذا السبب فإن هناك خلافات حادة ما بين قوى الإطار".
من جهته، تحدث مصدر سياسي آخر لـ"العربي الجديد"، بأن هناك "قوى أخرى في الإطار التنسيقي تريد استغلال غياب التيار الصدري (بزعامة مقتدى الصدر) عن البرلمان، لتمرّر قانون انتخابات يضمن لها الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان في حال قرّر الصدريون المشاركة في الانتخابات المقبلة، وعودتهم للمنافسة على مقعد رئاسة الوزراء، إذا ما حصل على أغلبية المقاعد مجدداً". علماً أن "التيار الصدري" كان تصدر نتائج الانتخابات العراقية التشريعية التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2021، ما أثار خلافات عدة مع القوى المتحالفة اليوم في ما يُعرف بـ"الإطار التنسيقي"، وصولاً إلى سحب الصدر نوابه من البرلمان.
عضو تحالف "الإطار التنسيقي"، علي الفتلاوي، قال لـ"العربي الجديد" إن "هناك اختلافات في وجهات النظر بين قوى الإطار التنسيقي بشأن كيفية تعديل قانون انتخابات البرلمان، وهذا أمر طبيعي، كون التحالف يضم مجموعة من الكتل والأحزاب، ولكل جهة رأيها السياسي، والإطار ليس حزباً سياسياً حتى يكون موحداً، بل هو إطار لتنسيق المواقف". وبيّن الفتلاوي أن "الإطار التنسيقي مستمر في الحوار بين قواه للاتفاق على شكل قانون الانتخابات التشريعية، كما ستكون هناك مشاركة في الملف مع القوى السياسية الأخرى السنية والكردية، وحتى التيار الصدري". وقال حول ذلك إن "الأبواب مفتوحة لهم للحوار بهذا الخصوص، فلا نية بتهميش أو إقصاء أي جهة سياسية".
الشمري: التحالف المرتقب بين السوداني وعصائب أهل الحق لا يحبذ نظام الدوائر المتعددة
ولفت عضو "الإطار التنسيقي" إلى أن "الإطار شهد خلال الفترات الماضية اختلافات في وجهات النظر حول عدد من الملفات، لكن في النهاية كان الاتفاق حاصلاً، ولهذا سيكون هناك اتفاق قريب بشأن القانون"، معتبراً أن "الانقسام في الرأي هو حالة صحية، وأمر طبيعي في العمل السياسي، لكن الخلافات لا تصل إلى حد القطيعة أو التشظي".
عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفاء محمد كريم، أوضح لـ"العربي الجديد" أن التحالف الحاكم في بغداد "لم يطرح علينا أو على القوى السياسية السنية بشكل رسمي قضية تعديل قانون الانتخابات البرلمانية، ونعتبر أن أي تعديل على القانون الحالي يحتاج إلى تفاهم كل الأطراف السياسية، وليس من حق أي جهة مصادرة آراء وتوجهات باقي الأطراف السياسية".
وبيّن كريم أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يتأثر بأي قانون انتخابات سواء كان ضمن الدوائر المتعددة أو الدائرة الواحدة لكل محافظة، فجمهور الحزب ثابت، لكن يبقى هناك موقف من أي تعديل، خصوصاً في ما يتعلق بقضية إعادة السماح للعراقيين في الخارج بالمشاركة في الانتخابات، أو عدم السماح لهم مجدداً، فكل هذه الفقرات يجب أن تناقش ويكون حولها توافق سياسي".
ورأى عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني أن "الخلاف السياسي داخل الإطار التنسيقي بشأن شكل قانون انتخابات مجلس النواب، هو الذي منع الإطار من مفاتحة باقي الأطراف حول القانون، فالإطار يريد أن يوحد موقفه قبل دخوله في أي حوارات مع الأطراف السنية والكردية".
في المقابل، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، إن "أغلبية قوى الإطار التنسيقي مع التوجه نحو إعادة تقييم قانون الانتخابات البرلمانية، خصوصاً ما يتعلق بالدائرة الواحدة والذهاب نحو تعديله إلى الدوائر المتعددة، بهدف سياسي يرتبط بشكل كبير بمحاولة هذه الأطراف الاستحواذ على أغلبية المقاعد، خصوصاً أنها كانت متصدرة على أساس هذا القانون، وأوّلها ائتلاف دولة القانون".
وبيّن الشمري أن "بعض قوى الإطار التنسيقي ترى في المقابل أن الذهاب نحو الدوائر المتعددة سوف يخفض مستوى ثقلها البرلماني وأيضاً السياسي، ولهذا فهي تعارض هذا التعديل، وهناك خلاف وانقسام داخل الإطار التنسيقي بشأن تعديل هذا القانون".
وأضاف رئيس مركز التفكير السياسي أن "التحالف السياسي المرتقب بين كتلة محمد شيّاع السوداني وكتلة عصائب أهل الحق (بزعامة قيس الخزعلي)، يرى أن الدوائر المتعددة تقوض مشروعهم السياسي بشكل كبير جداً، وهذا الرفض ممكن أن يلتحق به عمار الحكيم، ولهذا السبب فإن هذا الثلاثي داخل الإطار (السوداني، الخزعلي، الحكيم) يرفض مشروع التعديل الذي يصر عليه ائتلاف دولة القانون، لأنه يقوّض نفوذهم ويؤثر على تحالفهم السياسي الانتخابي المرتقب".
ورأى الشمري أن "بعض أطراف الإطار التنسيقي ترى أن الذهاب نحو الدوائر المتعددة سيعيد خصمهم السياسي التيار الصدري، الذي يمكن أن يحصد ذات المقاعد التي حصل عليها سابقاً، بل أكثر من ذلك بكثير، ولهذا فإن هناك رفضاً لتعديل القانون، خصوصاً أن هناك محاولة من المالكي للتقرب من الصدر مجدداً، لاستمرار الثنائية الشيعية (المالكي، الصدر) المهيمنة على القرار السياسي".
وختم رئيس مركز التفكير السياسي بقوله إن "تعديل قانون انتخابات مجلس النواب من جديد لا يرتبط برغبة الناخبين، بل بمصالح القوى التقليدية التي تعمل على تغيير هذا القانون لغرض فرض نفوذهم السياسي، وهذا التعديل يكرّس المصالح السياسية"، لافتاً إلى أن "هكذا قوانين لا تقرّ عادة إلا بعد توافق بين مصالح القوى التقليدية".
وشهد العراق بعد سنة 2003 خمسة انتخابات تشريعية أولها في العام 2005 (قبلها أجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقل من عام)، وآخرها في أكتوبر 2021، حيث اعتمدت كل الدورات الانتخابية قانون الدائرة الواحدة لكل محافظة، وفق آلية (سانت ليغو) باختلاف فارق القاسم الانتخابي للأصوات بين 1.7 و1.9، وهي طريقة حساب رياضية تتبع في توزيع أصوات الناخبين، تجعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين الأفراد والكيانات الناشئة والصغيرة، وهو ما يدفع تلك الكيانات إلى السعي للتجمع وتشكيل تحالفات كبيرة تضمن الفوز.
إلا أن الانتخابات البرلمانية المبكرة في العام 2021 أُجريت وفق الدوائر المتعددة، بعد ضغط كبير من الشارع و"التيار الصدري" لهذا التعديل، الذي كان يعارضه الإطار التنسيقي. وفي مارس/آذار 2023، صوّت البرلمان العراقي على قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات، الذي أعاد اعتماد نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة، مع بصيغة سانت ليغو النسبية (بفارق 1.7).