العراق: حراك أممي لمنع تكرار التصعيد في الشارع

11 سبتمبر 2022
بلاسخارت في كربلاء، يونيو 2021 (محمد صواف/فرانس برس)
+ الخط -

تستعد المبعوثة الأممية في بغداد، جنين بلاسخارت، وفقاً لمصادر سياسية عراقية تحدثت مع "العربي الجديد"، للبدء بحراك جديد وواسع، الأسبوع المقبل (بعد انتهاء مراسم زيارة الأربعينية في 17 سبتمبر/أيلول الحالي).

ويهدف هذا الحراك بالدرجة الأولى إلى الحفاظ على الهدوء الذي شهده العراق في الأيام الأخيرة. كما تسعى بلاسخارت إلى منع تكرار أي مواجهات أو تصعيد في الشارع، والإبقاء على الأزمة السياسية ضمن نطاق القوى السياسية، وكذلك التهيئة لجولة ثالثة من الحوار الذي يرعاه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

الحراك الأممي في العراق

الحراك الأممي لا يعد الأول من نوعه على خط الأزمة السياسية العراقية التي دخلت شهرها الـ11 منذ الانتهاء من الانتخابات النيابية المبكرة التي أُجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

لكن بحسب مسؤولين عراقيين، فإن الحراك الجديد يأتي مرافقاً لمخاوف سياسية وشعبية، أثّرت على حركة التجارة والاقتصاد في بغداد، من تكرار الصدام المسلح بين أنصار التيار الصدري والفصائل المسلحة القريبة من طهران، بعد انتهاء مراسم الأربعين الدينية.

وتتضاعف تلك المخاوف مع معاودة قوى "الإطار التنسيقي" تأكيدها السعي إلى عقد جلسة برلمانية وجمع تواقيع تُلزم رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بإلغاء تعليق عمل البرلمان. كما تتحدث عن مفاوضات أيضاً مع الكتل السنية والكردية بشأن الحكومة الجديدة التي يصرّ التحالف المدعوم من إيران على المضي بها.


مصدر عراقي: الأمم المتحدة تميل إلى فكرة الحل التدريجي للأزمة عبر حكومة مؤقتة تدوم لمدة سنة

وأكد مصدران، أحدهما نائب والثاني سياسي ضمن "تحالف النصر" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، لـ"العربي الجديد"، أن بلاسخارت تجري منذ أيام لقاءات واتصالات غير معلنة مع عدد من القوى السياسية، بما في ذلك التيار الصدري.

وأوضحا أن الهدف منها الحفاظ على تهدئة الأوضاع ومنع أي صدام مسلح قد يحصل خلال الأيام المقبلة بعد انتهاء مراسم الزيارة الدينية، خصوصاً مع تلميح أعضاء في التيار الصدري إلى إمكانية النزول من جديد إلى الشارع، لمواجهة ما أسموه "محاولات سرقة الدولة".

وقال أحدهما إن "الأميركيين ومن خلال زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف، أكدوا أهمية الحفاظ على الأوضاع المستقرة في العراق ومنع الانزلاق لأي صدام، مع التأكيد على الاحتكام للحوار والتوافق".

وأشار إلى أن الأميركيين يدعمون حالياً جهود الأمم المتحدة في هذا الإطار، مع سعي بلاسخارت للتواصل مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وإقناعه بأهمية إبعاد أنصاره عن الشارع، وأن هناك مخاوف من استغلال ذلك لموجة عنف جديدة.

ولفت إلى أن "الأمم المتحدة تميل إلى فكرة الحل التدريجي للأزمة عبر حكومة مؤقتة تدوم لمدة سنة يجري الاتفاق عليها سياسياً، على أن ترأسها شخصية لا تنتمي لأي من طرفي الأزمة تتولى الذهاب بالبلاد إلى انتخابات مبكرة جديدة".

وأضاف "لكن هذا المقترح لا يزال مرفوضاً من الطرفين، مع إصرار الإطار التنسيقي على تشكيل حكومة وفق الاستحقاقات الدستورية له لما يملك من مقاعد برلمانية". ورأى أن "زعيم التيار الصدري يبالغ بموقفه في حل البرلمان وتحديد موعد الانتخابات المبكرة وإجرائها بإشراف حكومة مصطفى الكاظمي الحالية".

وزارت المبعوثة الأممية في العراق مدينة النجف، مطلع شهر أغسطس/آب الماضي، وعقدت اجتماعاً مغلقاً مع زعيم التيار الصدري، دام نحو ساعة، من دون أن يسفر عن أي نتائج. بل على العكس تفاقمت الأزمة بشكل أكبر وصولاً إلى الاشتباكات المسلحة في المنطقة الخضراء ببغداد والبصرة جنوبي البلاد، بين التيار الصدري وفصائل مسلحة تتبنى موقف "الإطار التنسيقي"، في الأزمة الحالية.

القيادي في "الإطار التنسيقي"، عائد الهلالي، أكد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "مساعي المبعوثة الأممية متواصلة منذ أيام، وتندرج تحت محورين. المحور الأول يتعلق بالحفاظ على الهدوء ومنع أي تصعيد في الشارع، أما المحور الثاني فيرتبط بإيجاد تسوية قبل إنهاء الأزمة عامها الأول، لكن بلاسخارت لم تحقق نجاحاً بعد".

ولفت الهلالي إلى أن "حل الأزمة السياسية متوقف بسبب انعدام الثقة الكبير بين مختلف الأطراف العراقية، ولهذا السبب تعمل المبعوثة الأممية على أن تكون ضامنة في أي اتفاق يتم التوصل إليه بين تلك الأطراف، لكن لا تجاوب معها حتى الساعة".

وأقرّ بوجود "مخاوف من عودة الصدام المسلح، واستخدام ورقة الشارع مجدداً سيعمّق الصراع، وقد يدفع إلى ما لا تحمد عقباه، ولهذا على السيد مقتدى الصدر الركون إلى طاولة الحوار لحل الأزمة".

في المقابل، قال القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم لـ"العربي الجديد"، إن "من مهام البعثة الأممية العمل على الاستقرار السياسي، الذي هو العامل المهم للاستقرار الأمني. ولهذا، فإن بلاسخارت تعمل على تهدئة الأوضاع من خلال إطلاق مبادرة جديدة لها، خلال الأيام المقبلة، لمنع أي تصعيد جديد في الشارع العراقي".

وذكر عبد الكريم أن "هناك مخاوف حقيقية من عودة الصدام المسلح، سواء في العاصمة بغداد أو مدن عراقية أخرى، ولهذا بلاسخارت تتحرك من الآن لمنع أي اقتتال جديد قد يحصل في الشارع العراقي، بسبب الخلافات السياسية، ونحن أيضاً نعمل مع الشركاء السياسيين على تهدئة الأوضاع ودعم أي مبادرة أممية لحل الخلاف".

وأكد أن "أي صدام مسلح جديد قد يدفع إلى توسيع مساحة الاشتباك ولن يكون محدوداً كما حصل سابقاً في المنطقة الخضراء، ولهذا الكثير من الأطراف الداخلية والخارجية تعمل على إيجاد حل سياسي لمنع أي صدام مسلح قد يكون مرتقبا خلال الأيام المقبلة".


عائد الهلالي: تعمل بلاسخارت على أن تكون ضامنة في أي اتفاق

بدوره، وصف المحلل السياسي ماهر جودة، مساعي بلاسخارت لحل الأزمة السياسية بأنها "مكررة وبنفس محاور التهدئة وحل وسط". وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "المبعوثة الأممية تعمل على ذلك منذ أشهر طويلة، لكنها لم تحقق أي نجاح في هذه المساعي مع تصاعد حدة الخلاف بين التيار الصدري والإطار التنسيقي".

ورأى جودة أن "هناك أطرافا داخلية وخارجية تعمل حالياً، ليس على حل الأزمة السياسية في العراق، بل على منع أي صدام مسلح جديد قد يحصل خلال الفترة المقبلة، ومساعي الأمم المتحدة الحالية تأتي في هذا الصدد، خصوصاً أن رأي المجتمع الدولي مع التهدئة وليس التصعيد، فهذا التصعيد يضر حتى بمصالح إقليمية ودولية".

وأضاف أنه "لا توجد أي ضمانات على نجاح مساعي بلاسخارت لمنع أي تصعيد سياسي مقبل قد يدفع إلى الصدام المسلح، خصوصاً أن هناك توجهاً واضحاً لأنصار التيار الصدري للنزول إلى الشارع من جديد للضغط بحل البرلمان وتحديد موعد للانتخابات المبكرة".

محاور الأزمة السياسية في العراق

وتتلخص محاور الأزمة السياسية العراقية حالياً في إصرار قوى "الإطار التنسيقي"، الذي يضم القوى السياسية القريبة من طهران، على استئناف جلسات البرلمان العراقي ومعاودة عمله بشكل كامل، وانتخاب رئيس جمهورية ورئيس حكومة كاملة الصلاحيات بدلاً عن حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي. على أن يعقب ذلك الذهاب نحو تعديل قانون الانتخابات الحالي، الذي تراه قوى "الإطار التنسيقي"، سبباً في تراجع مقاعدها البرلمانية بالانتخابات الأخيرة، كما تصر على تغيير مفوضية الانتخابات، قبل الذهاب إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.

في المقابل، يرفض التيار الصدري ذلك، ويصر على حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة خلال 9 أشهر. كما يطرح تعديل الفقرة 76 من الدستور المتعلقة بالكتلة الأكبر التي يحق لها تشكيل الحكومة.

كذلك يرفع مطلباً آخر وهو تعديل قانون المحكمة الاتحادية لتكون أكثر استقلالية عن الأحزاب السياسية التي تولت فعلياً منذ عام 2005 اختيار أعضاء هذه المحكمة وعددهم 11 عضواً، بطريقة المحاصصة الطائفية والحزبية.

إلى جانب ذلك، يرفض التيار الصدري تعديل قانون الانتخابات ويصر على بقائه، وهو القانون الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة والفوز للنائب الأعلى أصواتاً، على خلاف القانون السابق المعروف بقانون "سانت ليغو" الذي منح أغلبية عددية للقوى السياسية الكبيرة على حساب القوى السياسية الناشئة والصغيرة، بسبب بند القاسم العددي في توزيع أصوات الدوائر الانتخابية.

كما يرفع التيار الفيتو أمام أي حكومة تتشكل سواء كانت مؤقتة أو دائمة، من خلال مشاركة كتلتي "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، و"صادقون" بزعامة قيس الخزعلي.