بعد إغلاق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق باب تسجيل التحالفات والأحزاب لخوض الانتخابات المحلية (انتخابات مجالس المحافظات)، المنتظرة في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل، بات التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، خارج سباق الانتخابات، إذ لم يلجأ إلى تقديم أي قوائم.
وهو القرار نفسه الذي اتخذه "ائتلاف الوطنية" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، إلى جانب حراك "البيت العراقي" وحزب "وطن"، وحركة "امتداد"، وهي كبرى الحركات المدنية في البلاد.
وبالتالي لم يبق من القوى المدنية في السباق الانتخابي غير تحالف "قيم" الذي يضم الحزب الشيوعي العراقي وأحزاب جديدة وناشئة مثل "البيت الوطني" وحركة "نازل آخذ حقي". ويرى مراقبون أن الفترة المقبلة قد تشهد انسحاب مزيدٍ من الأحزاب المدنية.
مع العلم أن النائب الأول لرئيس مجلس النواب محسن المندلاوي، تمكن من سحب عدد من القوى التي تُقدّم نفسها للشارع على أنها مدنية مثل "الوعد العراقي"، إلى تحالفه الجديد الذي أطلق عليه اسم "الأساس"، ويضم نحو 20 حزباً وحركة سياسية، فيما تعتبره الأوساط المدنية امتداداً للأحزاب التقليدية الدينية.
انتخابات محلية عراقية من دون جدوى
والأسبوع الماضي، اعتبرت جماعة "رفض"، التي تضم مجموعة من الصحافيين والناشطين الليبراليين والمدنيين العراقيين، أنه "لا جدوى" من انتخابات مجالس المحافظات المقبلة في العراق، موضحة في بيان أنها "لن تحقق التغيير المنشود".
ولفتت الجماعة إلى أن "أي ممارسة انتخابية لا بد أن تتوافر فيها عناصر تعزيز الديمقراطية والتعددية السياسية، إلا أن الانتخابات المقبلة التي تعتمد نظام سانت ليغو المحوّر لصالح أحزاب السلطة الحاكمة ستعمق نفوذ تلك الأحزاب".
وانتقدت "الغموض" في تشكيل مجلس المفوضية، منوّهة إلى أنه "لا يؤدي إلى النزاهة والكفاءة المطلوبة لإنجاح الانتخابات، فهي قد تشكلت على أساس المحاصصة وتقاسم المواقع كغيرها من مؤسسات الدولة".
و"سانت ليغو" طريقة حساب رياضية تُتبع في توزيع أصوات الناخبين بالدول التي تعمل بنظام التمثيل النسبي، وتعتمد على تقسيم أصوات التحالفات على الرقم 1.4 تصاعدياً، وفي هذه الحالة، تحصل التحالفات الصغيرة على فرصة للفوز. ويُعتمد وفق هذه الآلية القاسم الانتخابي بواقع 1.7، ما جعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين الأفراد (المستقلين والمدنيين)، وكذلك الكيانات الناشئة والصغيرة.
توقعات بانسحاب أحزاب عراقية مدنية قريباً
وبحسب أعضاء في أحزاب مدنية عراقية، فإن الانسحاب قد يكون أكثر الخيارات القريبة من التحقق خلال الفترة المقبلة، ولا سيما أن الأحزاب التقليدية، وتحديداً المنضوية ضمن تحالف "الإطار التنسيقي"، دخلت مبكراً بثقلها مع نفوذها الحكومي والمالي، مدعومة بعدد من فصائل "الحشد الشعبي"، في سبيل قطع الطريق أمام القوى المدنية، التي تشترك معها في الجغرافيا الانتخابية نفسها، في جنوب العراق ووسطه وبغداد.
عضو في "امتداد": الأحزاب المدنية الفقيرة مادياً أمام تحدٍ غير عادي
وقالت إحدى أعضاء حركة "امتداد"، لـ"العربي الجديد"، من دون الكشف عن اسمها، إن "الانتخابات المحلية المقبلة، ستسفر عن حالة سياسية جديدة، تمثل قمة استخدام المال السياسي في العملية الانتخابية، ما يجعل الأحزاب المدنية الفقيرة مادياً أمام تحدٍّ غير عادي".
وأوضحت أن "إشكاليات بنيوية وسياسية في بعض الأحزاب المدنية التي تحالفت مع قوى سياسية قريبة من الإطار التنسيقي، أدت إلى إرباك الجمهور المدني خلال الفترة الماضية".
وبحسب العضو في "امتداد"، فإن من بين هذه الإشكاليات "العودة إلى تطبيق آلية سانت ليغو في احتساب أصوات الناخبين والمعروفة بأنها تصبّ لصالح الأحزاب الكبيرة دون الصغيرة منها". ولفتت عضو "امتداد" إلى أن "الشارع غير مكترث بالانتخابات، ما يعني أن الجمهور العراقي لن يشارك إلا بنسبة قليلة، والغلبة ستكون لجمهور الأحزاب المؤدلجين سياسياً ودينياً والمنتفعين مالياً".
لا رؤية موحدة بين الأحزاب المدنية في العراق
من جهته، قال العضو المستقل في مجلس النواب العراقي محمد عنوز، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب المدنية والناشئة في العمل السياسي غير متفقة بشأن رؤيتها للانتخابات المقبلة".
وأوضح أن بعض هذه الأحزاب "تجد أهمية التزام أهداف ومبادئ احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، التي ألغت أهمية مجالس المحافظات، في حين أن قوى أخرى تجد أنها قادرة على صناعة الفارق والتغيير في المحافظات العراقية عبر الاشتراك في إدارتها".
محمد عنوز:انسحاب بعض الأحزاب قد يجرّ خلفه انسحابات أخرى
وأضاف عنوز أن "هناك إمكانية للأحزاب المدنية أن تنجح في الانتخابات، رغم الاستهداف الكبير لها، والحرب الإعلامية ضد رموزها والمال السياسي المتدفق لإفشال المدنيين".
ورأى عنوز أن انسحاب بعض الأحزاب قد يجرّ خلفه انسحابات أخرى، "وقد تكون رسالة إلى الناخب العراقي، تفيد بأن احتمالات التغيير في ظل وجود السلاح والأحزاب التقليدية النافذة، ضئيلة". وبالتالي شدّد على أهمية أن "تجمع القوى المدنية شتاتها وتعمل على صناعة بديل، ومنع أي اختراقات لصفوفها، لأن الانهيارات في صفوف المدنيين تخدم التقليديين بكل الأحوال"، بحسب قوله.
السلاح والفساد أهم أسباب انسحاب القوى المدنية
من جانبه، بيَّن رئيس حراك "البيت العراقي" محيي الأنصاري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "القوى المدنية والوطنية شخّصت انحرافاً واضحاً في شكل العملية السياسية، ولا سيما خلال فترة الحكومة الحالية، المتماهية مع تحالف الإطار التنسيقي، التي ساهمت بتعميق الأزمات بين الشارع العراقي والمنظومة الحاكمة".
واعتبر الأنصاري أن "استشراء الفساد واعتماد حاكمية السلاح والمال السياسي مقابل حاكمية الدولة والقانون، بات يمثل شكل النظام الحالي". ورأى أن "بقاء السلاح المنفلت وواجهاته الاقتصادية التي تعمل على تقويض الديمقراطية وتشوه ما بقي من أطلال الديمقراطية الهشة في البلاد، هو السبب الأول لاعتكاف أكثر من 80 بالمائة من الشعب العراقي عن المساهمة في أي ممارسة انتخابية".
ياسر السالم: الانسحاب غير وارد في خيارات تحالف قيم
في غضون ذلك، لفت عضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي العراقي ياسر السالم، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن انسحاب بعض القوى المدنية من المشاركة في الانتخابات له مبرراته. وأضاف: "كنا نرغب في انضمام جميع من يسعون للتغيير في إطار سياسي واحد، وبالتالي الاتفاق على وجهة سياسية واحدة، لكن بعض التحديات الذاتية والموضوعية حالت دون ذلك".
وأشار السالم إلى أن الحزب يتفق مع تبرير المنسحبين باعتبار العملية الانتخابية غير عادلة، قائلاً: "نحن نتفق مع هذا الرأي في ظل توظيف المال السياسي والنفوذ في العملية الانتخابية من قبل قوى السلطة".
وفي السياق، رأى السالم أن الانسحاب من الانتخابات يؤثر بالوضع السياسي عموماً، ويضع أطروحة الاستقرار التي تقدمها السلطة على محك الواقع، معتبراً أن احتكار السلطة لا يبني استقراراً. وأضاف أن "الانسحاب غير وارد في خيارات تحالف قيم، ونأمل أن تسير العملية الانتخابية جيداً".
بدوره، اعتبر رئيس مركز التفكير السياسي في بغداد إحسان الشمري، انسحاب بعض القوى السياسية المدنية من الانتخابات المحلية، بأنه "يهدف إلى عدم الاشتراك في المنظومة المتهمة بالفساد والمحاصصة الطائفية والحزبية، ومنع إعطاء الشرعية للأحزاب التقليدية في التشارك بإدارة ملفات المحافظات العراقية".
وأوضح لـ"العربي الجديد" أن هناك مجموعة أسباب وراء القرار، الذي رأى أنه سيدفع أيضاً بقية القوى المدنية إلى الانسحاب، منها ما يتعلق بالآلية الانتخابية وقانون الانتخابات غير العادل الذي يزيد من سيطرة الأحزاب التقليدية على مؤسسات الدولة، بحسب تعبيره.
وأشار الشمري إلى أن "القوى السياسية المنسحبة من سباق الانتخابات والمقاطعة لها، رصدت حالات استغلال وتوظيف للمال السياسي في الدعاية الانتخابية، واستمرار تجاهل القوانين المانعة لاشتراك الأجنحة المسلحة للأحزاب في الانتخابات، وغياب المساءلة".
وفي وقت اعتبر أن المدنيين لا يعوّلون على الانتخابات المحلية، وأن مساحتهم في العمل السياسي ضيقة، قال الشمري إن "تعويلهم على الشارع العراقي ونقمته المتزايدة، وإن خيار الانسحاب من المشاركة في الانتخابات، سيزيد من رصيدهم الشعبي على المدى المتوسط وليس الحالي".
وفي آخر تعليقات مفوضية الانتخابات العراقية الأحد الماضي، فإن أكثر من 23 مليون مواطن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجالس المحافظات العراقية، من بينهم أكثر من 10 ملايين شخص قاموا بتحديث سجلاتهم الانتخابية حتى الآن، وإنّ 296 حزباً سياسياً انتظموا في 50 تحالفاً سيشاركون في الانتخابات، إلى جانب أكثر من 60 مرشحاً سيشاركون بقوائم منفردة".
ويتنافس المرشحون على 275 مقعداً، هي مجموع مقاعد مجالس المحافظات العراقية، فيما خُصّص 75 منها، ضمن كوتا للنساء، و10 مقاعد للأقليات العرقية والدينية.
وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولها صلاحيات الإقالة والتعيين، وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للدستور العراقي، وستكون هذه أول انتخابات محلية تُجرى في العراق منذ إبريل/ نيسان 2013.