العدوان على غزة: إنجازات سياسية مؤقتة ومشروطة لنتنياهو

18 مايو 2023
نجح نتنياهو بتحقيق غالبية أهدافه السياسية (مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور أيام على انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي سمي باسم "الدرع والسهم"، بدأت تتضح دوافع ومسببات ونتائج هذا العدوان في تحليلات الصحافة ومراكز الأبحاث الإسرائيلية.

وتبين أن الدوافع السياسية كانت أهم بكثير من العسكرية لدى صناع القرار في إسرائيل، خصوصاً لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

هناك إجماع لدى المحللين العسكريين والأمنيين في إسرائيل على أن الحرب الأخيرة على غزة كانت ناجحة عسكرياً، كونها بدأت بمبادرة من الجيش الإسرائيلي، وكانت قصيرة، ونجحت إسرائيل في اغتيال عدد من القيادات الميدانية لحركة الجهاد الإسلامي، من دون أن تقع إصابات جدية موجعة في صفوف الجيش والمدنيين.

"إنجازات" مؤقتة للعدوان على غزة

لكن بالمقابل، هناك شبه إجماع على أن "إنجازات" العدوان على القطاع ستكون مؤقتة، ولن تؤدي إلى تغيير استراتيجي جدي أمام غزة، ولم تخلق واقعاً جديداً على الحدود الجنوبية. كما لم تتغير جذرياً معادلات الردع أمام حركتي الجهاد الإسلامي وحماس.

هدف نتنياهو من العدوان ترميم حالته في استطلاعات الرأي العام

بعد يوم من انتهاء العدوان، قالت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها، الأحد الماضي، إن "الحقيقة المرة هي أن الحملة الحالية بين إسرائيل والجهاد، مثل كثير من قبلها، كانت حرباً اختيارية لا جدوى منها ولا منفعة ولا حكمة سياسية. ما كان ينبغي أن تبدأ في المقام الأول".

رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق غيورا أيلاند أوضح، في مقالة بموقع "واينت"، أن الحملة على غزة لم تهدف إلى تحقيق أي تغيير استراتيجي، وإنما الحفاظ على الوضع القائم وترميمه، وبذلك كانت أهدافها ونتائجها متواضعة.

كذلك قال المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل إن "الحقيقة البسيطة هي أن إسرائيل ليس لديها حل حقيقي لمحنة غزة، أو للمخاطر الأمنية التي يشكلها القطاع تحت حكم حماس. تشير معظم التحركات الإسرائيلية، العسكرية والاقتصادية، إلى إدارة الصراع وتأجيل الانفجار التالي على الأكثر. في أحسن الأحوال، يتوقعون أن تعيد الضربة العسكرية التي تلقتها المنظمات الفلسطينية توازن الردع، وأن تزيد من فرص الهدوء على الحدود لبضعة أشهر".

فإذا كانت أهداف الحرب العسكرية محدودة للغاية، ولم ترم إلى تحقيق تغيير استراتيجي أمام غزة، إذاً لماذا كل هذا التهليل من قبل صناع القرار والحكومة، خصوصاً من قبل رئيس الحكومة الذي ما فتئ يتباهى بإنجازاتها، وتصريحه بأن الهجوم خلق واقعاً جديداً.

نشوة نتنياهو توضح أن الأهداف الأساسية للهجوم على غزة كانت سياسية بامتياز. صحيح أن العوامل السياسية ومصالح رؤساء الوزراء لم تكن غريبة عن قرارات الحرب والعمليات العسكرية لدى صناّع القرار في إسرائيل في السابق، إلا أنه يبدو أنها كانت الأبرز في العدوان الأخير على غزة.

نتنياهو نجح بتحقيق غالبية أهدافه السياسية

أهداف نتنياهو السياسية كانت شفافة في هذه الحالة، ونجح في تحقيق غالبيتها. وفي مقدمة هذه الأهداف:
أولاً: صيانة التحالف الحكومي وردع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير رئيس حزب "المنعة اليهودية"، الذي أعلن قبل أيام من بدء العدوان أن الحزب لن يصوت في الكنيست مع اقتراحات الحكومة، لغاية اتخاذ خطوات جديدة جدية تعكس أهداف حكومة اليمين تجاه الفلسطينيين.

كذلك طالبت الأحزاب الحريدية بتنفيذ بنود اتفاق التحالف بموضوع إعفاء الشباب المتدين من التجنيد، وسن قانون بهذا الشأن، وطالبت بالميزانيات التي وعدت بها. كل هذا قبيل أقل من شهر على الموعد الأخير لتمرير قانون الميزانية العامة في الكنيست.

فعلاً، بعد بدء العدوان، فجر 9 مايو/أيار الحالي، أنهى بن غفير القطيعة مع الحكومة وعاد للتصويت مع الحكومة في الكنيست. وقال إن الهجوم هو خطوة بالاتجاه الصحيح لفرض سياسة حكومة يمينية محضة.

ثانياً: هدف نتنياهو إلى ترميم حالته في استطلاعات الرأي العام، بعد التراجع المؤلم في الأشهر الأخيرة، إذ تراجعت شعبية نتنياهو وحزب الليكود بشدة في استطلاعات الرأي العام. وتوقعت كافة الاستطلاعات تراجع حصة حزب الليكود إلى قرابة 25 مقعداً، وانهيار قوة أحزاب التحالف إلى نحو 52 مقعداً، مقابل تصاعد قوة حزب "المعسكر الرسمي" وشعبية رئيسه بني غانتس وحصوله على 27-28 مقعداً، أي أكثر من عدد المقاعد المتوقعة لليكود، وحصول أحزاب المعارضة على قرابة 56 مقعداً.

خفض لهيب الاحتجاجات

ثالثاً: أراد نتنياهو وحكومته خفض لهيب الاحتجاج السياسي ضد خطة تغيير مكانة السلطة القضائية في المجتمع الإسرائيلي، وحجب الأنظار عن الاحتجاجات، عن طريق إشغال المجتمع في حرب ضد غزة، خصوصاً بعد انتهاء فترة الأعياد والتوقعات بعودة الاحتجاجات إلى الشارع الإسرائيلي، وعدم حصول أي تقدم في المحادثات القائمة بين حزب الليكود وأحزاب المعارضة في منزل الرئيس إسحاق هرتسوغ.

كان نتنياهو الرابح الأبرز بهذا العدوان، وحقق إنجازات سياسية وإعلامية

قبل العدوان على غزة، كانت العوامل السياسية تتطور باتجاه سلبي من جهة نتنياهو وتعمل لصالح المعارضة. من هنا كان نتنياهو الرابح الأبرز بهذا العدوان، وحقق إنجازات سياسية وإعلامية ورمم من صورته، على الأقل أمام ناخبيه وأمام أحزاب التحالف اليمينية. نتائج استطلاعات الرأي العام إبان العدوان وبعده توضّح أن مكانة نتنياهو تحسنت.

وتوقع استطلاع لصحيفة "معاريف"، نشر في 12 مايو/أيار الحالي، ارتفاع مقاعد الليكود، مقارنة باستطلاعات سابقة، من 25 إلى 27، مقابل 27 مقعداً لـ"المعسكر الرسمي". وقال 55 في المائة من المستطلعين إنهم يثقون باعتبارات نتنياهو في إدارة العدوان. وأشار استطلاع للقناة 11، نشر في 14 مايو الحالي، إلى أن 67 في المائة من المستطلعين راضون على أداء الحكومة إبان العدوان.

وكتب المحلل السياسي شالوم يروشلمي، في موقع "وقت إسرائيل"، أن "الهجوم على غزة أعاد الدماء لوجه نتنياهو لأول مرة منذ إعلان خطة وزير القضاء ياريف ليفين في يناير/كانون الثاني الماضي. فمنذ إطلاق خطة وزير القضاء يعاني نتنياهو من تراجع في مكانته السياسية، محلياً ودولياً، وبات رئيس وزراء ضعيفا ومنبوذا إلى حد ما".

من السابق لأوانه نعي نتنياهو

العدوان على غزة أظهر مرة أخرى أنه من السابق لأوانه نعي نتنياهو أو الحكم عليه بالفشل، أو التكهن بالأحداث المستقبلية في السياسة الإسرائيلية.
فدرجة السيولة والتقلبات في السياسة الإسرائيلية والمزاج العام كبيرة جداً، ومتعلقة بتطور الأحداث، ويمكن لأحداث فجائية أن تغيّر الواقع وتقلب الموازين. فقبل شهر من العدوان كان نتنياهو في صراع للبقاء سياسياً، وجاء العدوان على غزة ليغيّر المعادلات.

وظهر قبل بضعة أشهر أن وزير الأمن السابق ورئيس حزب "المعسكر الرسمي" بني غانتس مقبل على هاوية نهايته السياسية، وها هو يعود لواجهة المعارضة، وربما لأن يكون الند والبديل الجدي لنتنياهو في انتخابات مقبلة. وبات يئير لبيد، على الرغم من اشتغاله منصب رئيس المعارضة الرسمي، غير مؤثر على المشهد السياسي بشكل قوي في إسرائيل بعد موجة الاحتجاجات والتوترات الأمنية الأخيرة.

طبعا كافة هذه التغيرات مؤقتة ومشروطة، وتتعلق بالتطورات في المشهد السياسي الداخلي والأمني العسكري. نتنياهو يعود الآن، وبعد انتهاء العدوان، إلى الصراعات السياسية الروتينية مع الشركاء ومع المعارضة، بدءاً من خطة تغيير مكانة السلطة القضائية، واستمراراً في إقرار ميزانية الحكومة والمشاكل التي يعاني الاقتصاد الإسرائيلي منها، من غلاء معيشة وارتفاع الفائدة البنكية، وتوقعات وزارة المالية بتراجع كبير في مداخيل الدولة من الضرائب هذا العام.

فإذا استمر الهدوء الأمني ستعود هذه المواضيع إلى واجهة المشهد السياسي، بالتوازي لحركة الاحتجاج التي تعطلت بشكل مؤقت إبان العدوان على غزة، وسيعود نتنياهو إلى إدارة الأزمات. إذاً، النتائج السياسية الإيجابية التي حققها نتنياهو من العدوان على غزة، كانت مؤقتة، وستكون مشروطة بالتطورات السياسية والأمنية في الأشهر القريبة.