الضغط الميداني في غزة... وتيرة القصف تذكر بأيام الحرب الأولى

06 يناير 2025
دمار في خانيونس، 5 يناير 2025 (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصعيد القصف الإسرائيلي على غزة: شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا كبيرًا في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، مستهدفًا مناطق متعددة، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف واستشهاد 184 شخصًا خلال 72 ساعة، في ظل تهديدات إسرائيلية بتصعيد أكبر.

- التوترات التفاوضية والضغط الميداني: تتزامن العمليات العسكرية مع جولات تفاوضية غير مباشرة، حيث يستغل الاحتلال هذه الجولات لفرض قواعد جديدة، مما يعكس استهتاره بحياة المدنيين ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي.

- استغلال الجرائم لترويع الحاضنة الشعبية: يسعى الاحتلال لترويع السكان في غزة عبر العنف المفرط، محاولًا الضغط على المقاومة الفلسطينية والمفاوضين، بهدف دفع الحاضنة الشعبية للانقلاب على المقاومة.

ارتفعت وتيرة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة بشكل يذكر بالأيام الأولى للحرب. وتركز الضغط الميداني في غزة عبر القصف وعمليات الاستهداف على مدينة غزة ومناطق في المنطقة الوسطى مثل دير البلح والنصيرات والبريج والزوايدة، بالإضافة إلى مناطق مدينة خانيونس، التي يصنف الاحتلال أجزاء كبيرة منها على أنها مناطق إنسانية.

وتتزامن عمليات الضغط الميداني على غزة مع تهديدات أطلقها وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس بتصعيد غير مسبوق في حال لم تفرج حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها. وسط كل ذلك تستمر محاولات الوسطاء المضنية للوصول إلى صفقة تبادل شاملة، قبيل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني الحالي. ويتكدس قرابة 400 ألف فلسطيني في مدينة غزة بعد أن نزح قرابة 200 ألف من مناطق شمال القطاع، مثل مخيم جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، جراء العملية العسكرية الثالثة التي يشنها الاحتلال في المحافظة، والتي يستهدف إخلاءها بالكامل. ووفقاً لبيانات المكتب الإعلامي الحكومي في غزة فقد استشهد 184 فلسطينياً وأُصيب العشرات عبر 94 غارة جوية شنها طيران الاحتلال على القطاع خلال الساعات الـ72 الماضية، فيما كان غالبية الشهداء من مدينة غزة لوحدها التي تصدرت مشهد التصعيد.

إسماعيل الثوابتة: تصعيد الضغط الميداني يعكس حجم الاستهتار الإسرائيلي بحياة المدنيين

ويخشى الفلسطينيون من أن يقدم جيش الاحتلال الإسرائيلي على شن مجموعة من العمليات البرية بالتزامن مع القصف الجوي، ما قد يؤدي إلى ارتفاع غير مسبوق في أعداد الشهداء والجرحى تزامناً مع انهيار شبه تام في المنظومة الصحية. وباتت جولات التفاوض، التي تجرى بشكل غير مباشر بين المقاومة والاحتلال، تشهد مراوغة ومماطلة إسرائيلية للوصول إلى اتفاق بالتزامن مع تصعيد غير مسبوق في الضغط الميداني في غزة حيث يستغل الاحتلال الجولات التفاوضية لترسيخ قواعد جديدة في الميدان. ومنذ نحو شهر بدأت جولة جديدة من المفاوضات شهدت تقدماً في الملفات العالقة، إلا أنها لم تصل حتى الآن لمرحلة الوصول إلى اتفاق يضع حداً للحرب الإسرائيلية المتواصلة للشهر السادس عشر على التوالي.

الهدف من تصعيد الضغط الميداني في غزة

يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة إن تصعيد الضغط الميداني في غزة الذي ينفذه جيش الاحتلال الإسرائيلي باستمرار على القطاع، وعلى محافظة غزة تحديداً، يعكس حجم الاستهتار الإسرائيلي بحياة المدنيين والأطفال والنساء، ويؤكد مجدداً سياسة البطش الممنهجة التي يمارسها جيش الاحتلال دون رادع أو محاسبة. ويضيف الثوابتة، لـ"العربي الجديد"، أن القصف العنيف الذي يتصاعد يوماً بعد يوم، مستهدفاً الأبرياء والمنازل والبنية التحتية، يمثل انتهاكاً صارخاً لكل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، ويُعدّ تحدياً واضحاً لكل الأصوات العالمية المنادية بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة ووقف إطلاق النار. ويؤكد أن "حجم الغارات المكثفة والقصف المتواصل والعدد المتزايد من الشهداء والجرحى، بمن فيهم الأطفال والنساء، يضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لمدى جديته في الوقوف بوجه هذه الجرائم التي ترتقي إلى جرائم حرب وإبادة جماعية، والصمت الدولي إزاء هذا العدوان لا يمكن تفسيره إلا شراكةً ضمنية في هذه الجرائم المستمرة".

ويأمل الفلسطينيون في قطاع غزة بأن ينجح الوسطاء بالوصول إلى اتفاق ينهي الحرب الإسرائيلية قبل وصول ترامب للبيت الأبيض، لا سيما مع تهديدات متكررة وجهها الاحتلال لحركة حماس بشأن الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة. في الأثناء، يقول مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الإستراتيجية أحمد الطناني إن الاحتلال يعمد في كل جولة تفاوضية إلى تصعيد جرائمه وممارسة الضغط الأقصى على المجتمع في قطاع غزة، وزيادة إنهاكه إلى درجة كبيرة بما يشكل ضغطاً مضاعفاً على المفاوض الفلسطيني. ويضيف الطناني، لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال يعمد إلى زيادة غاراته وجرائمه وخطط الإخلاء للمربعات السكنية والأحياء مع كل جولة تفاوضية، في عملية ابتزاز علنية للمقاومة بدماء الصامدين الأبرياء، وتحويل شلال الدماء المستمر إلى أحد أوراق المفاوضات.

ترويع الحاضنة الشعبية في غزة

وبحسب الطناني فإن الاحتلال يسعى إلى استغلال الجرائم البشعة في ترويع الحاضنة الشعبية في مدينة غزة، وهو ما يشمل الحديث أيضاً عن تحديث الاحتلال لبنك أهدافه وتجهيزه لخطط عملياتية جديدة، مترافقة مع تهديد كاتس بأن تشهد الفترة القادمة هجوماً كبيراً جداً لم يشهد قطاع غزة مثيلاً له، وهي تهديدات لا يمكن عدها في إطار التصعيد الإعلامي فقط. ووفقاً للطناني فإنه "من المرجح تحويل هذه التهديدات الإعلامية إلى عملية عسكرية كبرى في إطار دوران الاحتلال ضمن دوائر العدوان المتكرر على ذات المناطق، بعد فشله في تحويل أي عملية عسكرية إلى إنجاز حقيقي يستطيع عبره تفكيك بنى المقاومة، أو تحرير أي من أسرى الاحتلال الذين يبدو وكأن الأرض ابتلعتهم طوال مدة الحرب، ولم يُسجل الاحتلال أي إنجازات ميدانية حقيقية في هذا الإطار".

أحمد الطناني: الاحتلال يسعى إلى استغلال الجرائم البشعة في ترويع الحاضنة الشعبية في مدينة غزة

ويوضح أن الاحتلال في الجوهر يسعى إلى تحويل استمرار احتجاز الأسرى لدى المقاومة باعتباره النقمة المستمرة على الحاضنة الشعبية وجالب الدمار المستمر، وهو ضغط متعدد المستويات، فهو ضغط هائل على المفاوض الفلسطيني الذي يريد الاحتلال أن ينتزع منه موافقة على صفقة تبادل بدون اتفاق شامل يشمل إنهاء الحرب وانسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة، وبمستوى آخر هو ضغط هائل جداً أيضاً على الحاضنة الشعبية التي يحاول الاحتلال مراراً وتكراراً دفعها للانقلاب على المقاومة ولفظها لتقديم التنازلات المطلوبة.

ويبين أنه "لا يمكن إغفال ضغوط اليمين الصهيوني لزيادة الضغط الميداني في غزة وتحويل الرأي العام الإسرائيلي إلى أداة ضغط على جيش الاحتلال لتوسيع عدوانه شمال قطاع غزة ليشمل مدينة غزة، وتطبيق ما يُسمى بخطة الجنرالات بشكل موسع لتضم كل غزة، وتحويل كل منطقة شمال وادي غزة إلى مناطق خالية من السكان، وفي خلفيته الطموحات الاستيطانية لليمين الصهيوني في قطاع غزة".

إلى ذلك، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا أن ما يجري في الفترة الأخيرة يندرج في إطار حملة تصعيد عسكري واسعة في القطاع بالإضافة للحديث الإسرائيلي الواضح عن استهداف منظومة العمل الحكومي. ويقول القرا، لـ"العربي الجديد"، إن الاحتلال لم يتوقف عن الحرب وعمليات القتل والاغتيالات، التي تصاعدت في مراحل مختلفة، نتيجة الفشل الذي يعانيه في القطاع بفعل ضربات المقاومة في مختلف مناطق التوغل شمالي القطاع ومحور نتساريم وصلاح الدين (فيلادلفي) ووسط القطاع. ويلفت إلى أن من بين الأهداف التي يسعى الاحتلال لتحقيقها من وراء تصعيد الضغط الميداني في غزة ما هو مرتبط بالمفاوضات، إذ يسابق الاحتلال الزمن، قبل الوصول إلى أي اتفاق، يمكنه من تحقيق إنجازات ميدانية. ويعتقد القرا أن الاحتلال يريد أن يشكل عوامل ضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة من خلال رفع وتيرة القصف والاغتيالات، بالذات خلال فترة التفاوض الجارية حالياً بوساطة قطرية ومصرية للوصول لصفقة تبادل. ويشير إلى أن الاحتلال يواصل سياسة الضغط العسكري التي يرى أنها تحقق نتائج، رغم أن الواقع كذب ذلك على مدار فترة حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة، فعلى مدار 15 شهراً فشلت كل محاولات الضغط في استعادة الأسرى الإسرائيليين.

المساهمون