الصين تراقب الانتخابات الأوروبية: توجس من انعكاسات سياسية واقتصادية

08 يونيو 2024
من منتدى اقتصادي صيني أوروبي في بكين، يونيو 2018 (جايسون لي/رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بكين تراقب الانتخابات الأوروبية عن كثب، والتي تأتي في ظل انقسامات حول قضايا مثل الهجرة والأمن، مع تغطية إعلامية صينية مكثفة تشير إلى تأثير نتائجها على العلاقات مع الصين.
- العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي تواجه تحديات بسبب قضايا مثل الحرب الأوكرانية والحمائية، لكن هناك إمكانية لحل الخلافات من خلال الحوار، مع محافظة الصين على علاقات وطيدة مع معظم الدول الأوروبية.
- الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى الصين كشريك تجاري رئيسي، وعلى الرغم من الانتقادات، فإن الأحزاب الأوروبية لديها مصالح اقتصادية تجعل من الصعب اتخاذ مواقف متطرفة تجاه الصين، مما يعقد من السياسات الأوروبية المستقبلية.

تتابع بكين باهتمام بالغ الانتخابات الأوروبية التي بدأت الخميس الماضي وتنتهي غداً الأحد، في 27 دولة منضوية في الاتحاد الأوروبي، من أجل انتخاب برلمان جديد لخمس سنوات مقبلة. وتأتي هذه الانتخابات في وقت يشهد فيه الاتحاد انقسامات كبيرة، في ظل تصاعد الجدل حول ملفات عديدة، من بينها: قضايا الهجرة والأمن، والحرب على غزة، وكذلك الحرب الأوكرانية.

الانتخابات الأوروبية واهتمام الصين

أفردت وسائل إعلام صينية رسمية مساحة كبيرة للحديث عن الانتخابات الأوروبية ومنها صحيفة غلوبال تايمز الحكومية الصينية الناطقة باللغة الإنكليزية، التي اعتبرت في افتتاحيتها، أمس الجمعة، أن نتائج تشكيل البرلمان الأوروبي للسنوات الخمس المقبلة يمكن أن تحمل آثاراً عميقة على الاتجاه السياسي للاتحاد الأوروبي وسياسته تجاه الصين. وأضافت الصحيفة أنه عندما تفشل قوى المؤسسة التقليدية في معالجة المشكلات البارزة بشكل فعال مثل: أزمة المهاجرين وسبل العيش وأزمة الطاقة، فإن الأحزاب الشعبوية التي تعطي الأولوية للقضايا الداخلية والمصالح الوطنية تأخذ مسرح السلطة. وتوقع محللون صينيون أن تتم إعادة انتخاب رئيسة المفوضية الأوروبية الحالية أورسولا فون ديرلاين، واعتبروا ذلك أمراً مفضّلاً لواشنطن، لأن المسؤولة الأوروبية اتخذت مواقف مؤيدة تماماً للولايات المتحدة بشأن مجموعة من المواضيع في مقدمتها الصين. وقالوا إذا أُعيد انتخاب فون ديرلاين، فإن العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي قد تواجه اضطرابات كبيرة، وأن نتيجة الانتخابات الأوروبية ستعكس مشهداً سياسياً مشرذماً يميل إلى اليمين في القارة الأوروبية.


لي تشونغ: الصين تتعامل مع كل دولة أوروبية على حدة

هذا ويعتبر حزب الشعب الأوروبي الذي ينتمي إلى يمين الوسط، والتحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين الذي ينتمي إلى يسار الوسط، أكبر حزبين في البرلمان الأوروبي، كما أن مجموعة تجديد أوروبا الليبرالية وحزب الخضر/ التحالف الحر الأوروبي، كانا ثاني أكبر حزبين في البرلمان الأخير. وتنقسم هذه الأحزاب فيما بينها حول قضايا عديدة، لكنها تتفق إلى حد كبير حول ضرورة اتخاذ موقف متشدد من الصين وممارسة مزيد من الضغوط عليها لتحقيق التطلعات الغربية. وشهدت العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي اضطرابات وتجاذبات شديدة بشأن العديد من الملفات والقضايا، من بينها: موقف الصين من الحرب الأوكرانية، إذ لم تدن بكين الهجوم العسكري الذي شنته القوات الروسية على الأراضي الأوكرانية، بل احتفظت بعلاقات وطيدة مع موسكو وكسرت محاولات عزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الساحة الدولية. ومن هذه القضايا أيضاً مسألة الحمائية والإجراءات التمييزية ضد الشركات الصينية العاملة في دول الاتحاد، واتهام بكين بإغراق الأسواق الأوروبية من خلال دعم شركاتها العاملة في سوق السيارات الكهربائية، مما منحها ميزة غير عادلة مقارنة بالمنافسين المحليين، والتسبب في عجز الميزان التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين لصالح الأخيرة. كذلك حضر الملف الأمني وقضايا التجسس في سياق الاضطرابات بين بكين وبروكسل، بالإضافة إلى سجل حقوق الإنسان السلبي في الصين. وهي ملفات لطالما كانت حاضرة في المحادثات الثنائية بين الطرفين.

العلاقة الأوروبية ـ الصينية

حول تداخل وتأثير نتائج الانتخابات الأوروبية على العلاقة مع الصين، قال الباحث في الشؤون الدولية لي تشونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه يكفي الاستدلال بتأجيل إعلان الاتحاد الأوروبي عن قرار بشأن التعريفات المقررة على السيارات الكهربائية الصينية حتى 10 يونيو/حزيران الحالي، لإبقاء القضية خارج مرحلة الحملة الانتخابية، لندرك حجم تأثير الصين باعتبارها عنواناً بارزاً في حملات الأحزاب الأوروبية. كما لفت إلى أن بعض المناصب الرئيسية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي سيتم تحديدها بحلول نهاية العام الحالي، عندما يصبح من الواضح كيف ستتطور العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي.

شياو لونغ: على الرغم خلاف الاتحاد الأوروبي مع الصين إلا أنه في حاجة ماسة إليها

وحول مخاوف بكين حول ما ستُسفر عنه الانتخابات الأوروبية أوضح لي أن الصين تتعامل مع كل دولة أوروبية على حدة، ولديها علاقات وطيدة مع معظم دول الاتحاد، وإن كانت هناك تباينات مختلفة حول قضايا خلافية، يبقى حلها ممكناً من خلال المحادثات والحفاظ على قنوات الاتصال. وتابع: من خلال تجارب سابقة، كانت هناك أحزاب متطرفة تدعو إلى مواقف عدائية تجاه الصين، وبكين تدرك أن ذلك يندرج ضمن الحملات الانتخابية لكسب أصوات اليمين، ولكن ما إن يصل هؤلاء إلى السلطة حتى يتبنوا نهجاً واقعياً يواكب التطورات والعلاقات الحديثة القائمة على المصالح والمنفعة المتبادلة. وأضاف أن الصين تعول على الشخصيات الأوروبية البراغماتية في دوائر صنع القرار، من أجل دفع العلاقات بينها وبين الاتحاد الأوروبي بما يخدم مصالح الطرفين.

من جهته، رأى الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في جامعة جينان، شياو لونغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاتحاد الأوروبي وعلى الرغم من خلافاته مع بكين، يظل في حاجة ماسة إلى الصين التي تعتبر الشريك التجاري الأول لعدد كبير من الدول الأوروبية، مثل فرنسا (بلغت قيمة التجارة بين بكين وباريس خلال العام الماضي 78.9 مليار دولار) وألمانيا وبلجيكا، وإيطاليا. ولفت شياو إلى أنه حتى الأحزاب التي تدعو إلى مناهضة الصين لديها مصالح معها لا يمكن تجاوزها، مثل حزب الخضر الأوروبي الذي يحتاج في حملته لخفض الكربون إلى المركبات الكهربائية الصينية التي تخدم هذا التوجه. وقال إن المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين هم الأكثر تشدداً تجاه الصين، متوقعاً أن يقوم هؤلاء في حال فوزهم بالانتخابات بفرض تعريفات جمركية على المركبات الكهربائية الصينية بذريعة دعم الصناعات المحلية، لكنه عاد وأكد أن التداخل التجاري والاقتصادي بين الصين والاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يخضع لأي حسابات أمنية أو سياسية. تجدر الإشارة إلى أن البرلمان الأوروبي يحدد اتجاهات قوانين وسياسات الاتحاد الأوروبي من خلال تعديل القوانين وتمريرها، واتخاذ القرار بشأن الاتفاقيات الدولية. ويتعيّن على البرلمان الأوروبي أن يؤيّد الميزانية السنوية للاتحاد الأوروبي، وبوسعه الطلب من المفوضية اقتراح التشريعات. ولكن بما أن الدول الأعضاء لا تزال تتعامل مع قضايا الدفاع والأمن والدبلوماسية بشكل مستقل، فإن التحول في البرلمان الأوروبي لن ينعكس بشكل فوري على السياسات الداخلية والخارجية.