أثار تأجيل موعد الانتخابات النيابية في الصومال، قلقاً سياسياً من بروز خلافات جديدة بين الشركاء السياسيين في البلاد، فضلاً عن بروز تكتلات سياسية بين أقطاب المعارضة (اتحاد المرشحين للانتخابات الرئاسية) ورؤساء الولايات الفيدرالية، في ظل غياب الاستعدادات الرسمية من قبل لجان الولايات الفيدرالية في أقاليم عدة. ويُعد إقليم جوبالاند الفيدرالي الوحيد الذي تمكن من إعداد وتسجيل قائمة المرشحين لعضوية مجلس الشيوخ، وأصدر رئيس الإقليم أحمد إسلام مدوبي الثلاثاء قائمة جزئية بالمرشحين المحتملين لعضوية مجلس الشيوخ وهي ثمانية أعضاء للإقليم، قبل أن يُجري الإقليم أمس الخميس انتخابات لحسم 4 مقاعد في مجلس الشيوخ، على أن يستكمل انتخاب 4 أعضاء جدد غداً السبت.
وكان من المقرر حسب الجدول الذي أعلنته اللجنة الفيدرالية المستقلة للانتخابات، أن تنطلق انتخابات أعضاء مجلس الشيوخ (54 عضواً) في 25 يوليو/تموز الحالي، لتبدأ بعدها انتخابات مجلس الشعب (275 عضواً)، ومن ثم الرئاسيات، لكن جهود تنظيم إجراءات الانتخابات النيابية لم تنجح، قبل أن تتمكن الولايات الفيدرالية أخيراً، خصوصاً أقاليم جلمدغ وبونتلاند وجنوب غربي الصومال، من تشكيل اللجان الفنية البرلمانية لتسهيل إجراءات الانتخابات النيابية في عموم البلاد.
حذرت المعارضة السياسية من تأجيل آخر للعملية الانتخابية
وحذرت المعارضة السياسية في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي في مقديشو من تأجيل آخر للعملية الانتخابية. وقال "اتحاد المرشحين للانتخابات الرئاسية" في بيان في 18 يوليو الحالي "إن جميع المؤشرات تدل على عدم إمكانية تنظيم الانتخابات النيابية في موعدها، لأسباب تتعلق بعدم حل أزمة إقليم جدو حتى الآن بين الأطراف الصومالية، إلى جانب الظروف الأمنية والسياسية التي يشهدها إقليم هرشبيلي الفيدرالي خصوصاً مدينة بلدوين، التي أعلنت إحدى القبائل فيها عن عدم اعترافها بجهود حكومة الإقليم تجاه الانتخابات". وأشار أيضاً إلى "عدم توفر الدعم اللوجيستي والمالي لإدارة ملف الانتخابات النيابية والرئاسية في البلاد والإشراف عليه، وتدني مستوى الاستعداد من قبل الحكومة الصومالية لإجراء الانتخابات النيابية، خصوصاً مقاعد مجلس الشيوخ، والخلافات بين رئيس مجلس الشيوخ ونائب رئيس الوزراء بشأن الانقسام حول تشكيل اللجنة الانتخابية المنظمة لانتخاب أعضاء إقليم أرض الصومال".
وعن ذلك، قال الصحافي الصومالي عدنان علي، في حديث مع "العربي الجديد"، "إن من أسباب تأجيل الانتخابات النيابية ما هو إجرائي فني، وما هو سياسي، والأسباب تختلف من ولاية إلى أخرى، ومن الأسباب الفنية بطء الاستعدادات، وضيق الوقت بالنسبة لجدول الانتخابات الذي تم طرحه من قبل لجنة الانتخابات الفيدرالية وأيضاً غياب تمويل الانتخابات من المجتمع الدولي". وأشار أيضاً إلى أسباب أخرى سياسية، منها ما يرتبط برؤساء الولايات الذين يبحثون عن أشخاص موالين لهم لدعمهم بالظفر في الانتخابات النيابة، إلى جانب وجود انقسام بين لجنة إدارة المقاعد النيابية لأرض الصومال وعدم حل تلك الخلافات حتى الآن. ولفت إلى أن تأجيل الانتخابات النيابية قد يؤدي إلى استنزاف الحملات الانتخابية للمرشحين، ومن ثم تراجع حظوظهم، وهذا ما يمكن أن يواجهه السياسيون في هذا التوقيت، خصوصاً الذين يسعون لخوض غمار الانتخابات النيابية، فأي تأجيل آخر سيشكّل بالنسبة لهم عبئاً كبيراً.
وأضاف علي أن عدم حل الخلافات السياسية سريعاً سينعكس سلباً على الاتفاق الأخير حول الانتخابات في 27 من مايو/أيار الماضي، وهو ما قد يتسبّب بعودة حالة الاحتقان بين أطياف المجتمع ويوجد تصدعاً في العلاقات والثقة المتبادلة القائمة بين رئيس الوزراء محمد حسين روبلي الذي يقود مسار المرحلة الانتقالية، ورؤساء الولايات الفيدرالية والمرشحين للانتخابات الرئاسية، فعواقب عدم حل الخلاف السياسي مثل ملف لجان انتخابات أرض الصومال ستكون لها ارتدادات عكسية على العملية الانتخابية برمتها.
وبحسب مراقبين، فإن الانتخابات النيابية ستبدأ بشكل فعلي مع مطلع شهر أغسطس/آب المقبل نتيجة اكتمال الإجراءات الفنية والشكلية لتنظيم العملية الانتخابية، وهو ما يمكن أن يؤجل أيضاً لأيام إجراء الانتخابات الرئاسية والتي من المقرر حصولها في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وعن ذلك، قال الباحث في العلوم السياسية نور جيلي، لـ"العربي الجديد"، إن المعطيات الراهنة تشير إلى إمكانية إجراء الانتخابات من قبل اللجان الانتخابية مع حلول أغسطس المقبل، لأن تقديم بعض الولايات قوائم المرشحين دليل على ذلك، وذلك بعد حل الخلافات السياسية التي كانت عالقة منذ بداية العام الحالي. لكنه أضاف أنه في حال لم يتم حسم الخلافات حول الانتخابات سيكون هناك مزيد من التعقيدات السياسية التي ربما قد تعصف باستقرار البلاد وتعيده إلى مربع الاقتتال الداخلي سياسياً وأمنياً.
أي تأجيل آخر للانتخابات سيسبّب ضغطاً كبيراً من المجتمع الدولي والأطراف المحلية على الحكومة
من جهته، قال مدير تحرير موقع "مقديشو بريس" عبد القادر عثمان، لـ"العربي الجديد"، إن أي تأجيل آخر للانتخابات سيسبّب ضغطاً كبيراً من المجتمع الدولي والأطراف المحلية على الحكومة الصومالية. وأشار إلى أن انتخابات مجلس الشيوخ ستنتهي بحلول نهاية أغسطس/آب، لتبدأ بعدها انتخابات مجلس الشعب، ومن ثم انتخابات الرئيس الصومالي، والتي ستصل كأقصى حد إلى فبراير/شباط 2022، نظراً للظروف السياسية والانتخابية والأمنية التي تمر بها الصومال.
يذكر أن تأجيل عملية الانتخابات فجّر أزمات سياسية وأمنية في الصومال منذ مطلع العام 2021، إذ أثار قرار تمديد السلطتين التشريعية والتنفيذية أزمة دستورية وسياسية في البلاد، والتي دفعت رئيس البلاد محمد عبدالله فرماجو إلى التراجع عن قرار تمديد فترة رئاسته والبرلمان، وهو ما سحب فتيل التوتر من الشارع الصومالي وهدأ الأوضاع في البلاد، وذلك عقب بروز فصائل مسلحة عسكرية انشقت عن الجيش الصومالي وتمركزت في عدة أحياء في مقديشو في إبريل/نيسان الماضي. لكن مع إعلان جدول للانتخابات النيابية عادت الأوضاع السياسية والأمنية إلى نصابها، ما يمكّن الصوماليين أخيراً من إجراء انتخابات تمثل جسراً للانتقال بشكل سلمي وآمن نحو سلطة انتخابية جديدة مع حلول نهاية عام 2021.