الصواريخ الأميركية لأوكرانيا... لا أزمة كاريبي في أوروبا

06 يونيو 2022
راجمات "هيمارس" في المغرب، يونيو 2021 (فاضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من تأكيدات واشنطن وكييف أن راجمات "هيمارس" الأميركية المزمع إرسالها إلى أوكرانيا لن تُستخدم لاستهداف الأراضي الروسية، إلا أن هذه الخطوة أثارت خيبة أمل موسكو، وسط تحذيرات من تكرار أزمة الكاريبي عام 1962، حين كان العالم على حافة حرب عالمية ثالثة.

واندلعت أزمة الكاريبي في خريف عام 1962، بعد شروع موسكو بإرسال صواريخ باليستية إلى كوبا رداً على نشر حلف شمال الأطلسي صواريخ أميركية في تركيا. ولم يتم احتواء الأزمة إلا بعد موافقة الزعيم السوفييتي آنذاك، نيكيتا خروتشيف، على سحب الصواريخ من "جزيرة الحرية" مقابل سحب الصواريخ الأميركية من تركيا.

هدد بوتين بقصف مواقع لم تستهدفها روسيا سابقاً من دون تسميتها

وتطرق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ملف الأسلحة الأميركية الجديدة، معتبراً أنها "تهدف إلى إطالة أمد النزاع في أوكرانيا". وتوعّد بوتين في حوار مع برنامج "موسكو. الكرملين. بوتين" المذاع على قناة "روسيا 1" الحكومية، أمس الأحد، بـ"ضرب مواقع لم تستهدفها القوات الروسية من قبل (من دون أن يحدد ما إذا كانت في أوكرانيا أم لا) في حال استمر توريد الصواريخ الأميركية إلى أوكرانيا".

واعتبر بوتين أن توريد الراجمات الأميركية إلى أوكرانيا لا يغير شيئاً في جوهر الأمر، لأن "كييف كانت تملك سابقاً صواريخ مماثلة، وكل ما حصل هو تعويض خسائرها"، في إشارة إلى صواريخ "توتشكا ـ أو" السوفييتية التي استخدمتها أوكرانيا لاستهداف الأراضي الروسية في المناطق الحدودية بحسب الرواية الروسية.

مقارنة الكاريبي بأوكرانيا ليست في محلها

مع ذلك، اعتبر الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، أن الحرب الإقليمية في أوكرانيا لا يمكن مقارنة نطاقها بأي حال من الأحوال مع أزمة الكاريبي، في ظل عدم استعداد الولايات المتحدة للدخول في حرب عالمية نووية من أجل أوكرانيا.

وقال بلوخين في حديث مع "العربي الجديد" إن "المقارنة بين إرسال الراجمات الأميركية إلى أوكرانيا مع أزمة الكاريبي ليست في محلها، لأن النزاع في أوكرانيا محلي، شأنه في ذلك شأن الحربين في فيتنام وأفغانستان في حقبة الحرب الباردة (1947 ـ 1991). الولايات المتحدة غير جاهزة لبدء حرب عالمية ثالثة باستخدام السلاح النووي من أجل أوكرانيا، والراجمات التي ترسلها إليها ليست استراتيجية أو حتى مزودة بعناصر نووية، ولن تكون مؤثرة على المستوى الميداني".

وذكّر بأنه وقت اندلاع أزمة الكاريبي كان العالم على حافة حرب نووية والصدام المباشر بين أكبر قوتين عسكريتين، بينما يكتفي الغرب اليوم بتوريد الأسلحة إلى أوكرانيا بلا نيّة للقتال.

وحول رؤيته لتعامل روسيا مع الراجمات الأميركية بعد وصولها إلى أوكرانيا، قال: "ستعتبر موسكو عبور الراجمات الحدود الأوكرانية بمثابة الضوء الأخضر لشن ضربة استباقية لتحييدها. وفي حال استخدمت هذه الصواريخ لاستهداف الأراضي الروسية، لن تعود أيدي روسيا مكبلة لتكثيف عملياتها".

وتابع: "تسعى أوكرانيا لشن ضربات في العمق الروسي وحتى من دون الراجمات الأميركية، وقد شنت عمليات قصف متكررة على مقاطعة بيلغورود بواسطة صواريخ (توتشكا – أو) التكتيكية السوفييتية، وقد تسعى لاستهداف جسر القرم الرابط بين شبه الجزيرة وروسيا القارية، كونها تعتبره رمزاً لعودة القرم إلى روسيا".

ومن اللافت أن التصريحات الأميركية والأوكرانية بعدم مهاجمة الأراضي الروسية، لم تتضمن أي إشارة واضحة إلى ما إذا كان هذا التعهد ينطبق على شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها روسيا في عام 2014 وجسر القرم الرابط بين شبه الجزيرة وباقي أقاليم روسيا.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يوم الأربعاء الماضي، إن أوكرانيا وعدت الولايات المتحدة بأنها لن تستخدم الأسلحة الجديدة بعيدة المدى ضد أهداف داخل روسيا.

وأوضح في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ: "قدم الأوكرانيون لنا تأكيدات بأنهم لن يستخدموا هذه الأنظمة ضد أهداف في الأراضي الروسية". وأضاف "هناك علاقة ثقة قوية بين أوكرانيا والولايات المتحدة وكذلك مع حلفائنا وشركائنا".

وسبق للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن أكد في حوار مع قناة "نيوزماكس" الأميركية، يوم الأربعاء الماضي، أن أوكرانيا لا تنوي مهاجمة روسيا بعد حصولها على الراجمات الأميركية بعيدة المدى.

ويندرج توريد راجمات "هيمارس" إلى أوكرانيا ضمن الحزمة الجديدة من المساعدات العسكرية الأميركية لكييف بقيمة 700 مليون دولار والتي أعلن عنها الرئيس جو بايدن وبلينكن، مطلع شهر يونيو/حزيران الحالي.

الصواريخ الأميركية تهدّد الأراضي الروسية

من جهته، رأى الباحث في مركز بحوث أميركا الشمالية في معهد "بريماكوف" للاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، الخبير العسكري إيليا كرامنيك، أن راجمات "هيمارس" تشكل تهديداً مباشراً للمقاطعات الحدودية الروسية، لا سيما في حال زودت أوكرانيا بالنسخ عالية الدقة من الصواريخ البالغ مداها 300 كيلومتر.

وقال كرامنيك في حديث لمجلة "بروفيل" الروسية: "تكمن مشكلة هيمارس في أنها منظومة متعددة الأغراض يمكن استخدام بضع فئات من الذخيرة فيها. يصل مدى بعض الذخائر النفاثة إلى 70 كيلومتراً، وهناك نسخة موجهة. لكن هناك أيضاً صواريخ عملياتية تكتيكية يتراوح مداها بين 150 و300 كيلومتر، وتوجد أيضاً نسخة عالية الدقة تشكل تهديداً مباشراً لمدن المقاطعات الروسية الواقعة على الحدود مع أوكرانيا".


سبق أن قصفت أوكرانيا الأراضي الروسية في بيلغورود

وحول تأثير توريد الراجمات على الوضع الميداني، لفت كرامنيك إلى أن "الرئيس الأميركي أعلن أنه لن يتم توريد الصواريخ ذات مدى أكبر، ولكن هذا كلام بلا ضمانات فعلية، وسيكشف الزمن ما إذا كان سيتم توريد مثل هذه الذخيرة. المنظومة الصاروخية الأوكرانية (توتشكا ـ أو) قادرة اليوم على إصابة الأهداف على مسافة تصل إلى 120 كيلومتراً، وبالطبع، قد يؤدي الظهور المحتمل لصواريخ ذات مدى أبعد إلى تغيير الوضع".

وكان المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، قد قال منذ أكثر من أسبوع إن موسكو لا تصدق زيلينسكي، الذي أكد أن كييف لا تنوي مهاجمة الأراضي الروسية في حال حصولها على الراجمات الأميركية، مرجعاً موقف بلاده إلى انعدام الثقة بين البلدين.

وحمّل بيسكوف الرئيس الأوكراني المسؤولية عن عدم الوفاء بأهم وعوده الانتخابية بإنهاء الحرب في جنوب شرقي أوكرانيا إلى الأبد وتحقيق اتفاقات مينسك للتسوية في منطقة دونباس.

وبدوره، حذر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، الرئيس الروسي السابق، دميتري مدفيديف، من مهاجمة المدن الروسية، متوعداً في حال وقوع ذلك بشن ضربات على مراكز اتخاذ القرار التي يقع قسم منها "خارج كييف"، في تلميح إلى إمكانية اتساع رقعة الحرب إلى دول ثالثة داعمة عسكرياً لأوكرانيا.