تختصر جملة المحلل السياسي في صحيفة "أفتون بلاديت" السويدية، فولفانغ هانسون التي قال فيها إن "قفازات حريرية استخدمت في مواجهة أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب"، لشرح أجواء السجال الأوروبي والأميركي حول فارق تعامل الأمن الأميركي مع مقتحمي الكونغرس، أول من أمس الأربعاء، ومع تظاهرات "حياة السود مهمة".
لكن ليس ذلك التعاطي الأمني "المتراخي" مع من بات يطلق عليهم "الترامبيون" وحده ما أثير في تغطية بعض الصحافة الأوروبية الشمالية. فقد ذهبت "دير شبيغل" الألمانية إلى انتقاد قناتي "آرد" و"زد إف (ARD و ZDF التلفزيونيتين) لتأخرهما عن تغطية ما كان يجري في واشنطن).
"شبيغل"، شأنها شأن صحف أوروبية أخرى، اهتمت بالمشهد الأميركي في عددها الصادر، اليوم الجمعة، مقتبسة قول الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن عن أن "هذه الأيام هي الأكثر حلكة في التاريخ الأميركي"، لتطرح سؤالاً يشغل الأوروبيين: هل يمكن لهذا أن يحدث هنا؟.
ترى "شبيغل" أن "الرعب الذي عاشه الكابيتول الأميركي، يوم الأربعاء، متعاظم أيضاً في هذا البلد". وبعد استعراض عديد المواقف، وبأن البلد يدين لأميركا في تحقيق الديمقراطية والحرية، رأت أنه "موقف شجاع وغير مسبوق من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تجنبت سابقاً انتقادا علنيا لترامب، بتحميله هذه المرة مسؤولية ما يدور".
لسنا محصنين
مخاوف الصحف الأوروبية من إمكانية حدوث ذلك في بلادهم، أجابت عنه "شبيغل" بعنوان فرعي "نحن لسنا محصنين"، مع إشارة إلى أن رئيس البوندستاغ (البرلمان الألماني)، وولفغانغ شوبل، قد طالب بإعادة فحص المفهوم الأمني للبوندستاغ وأن التحالف الحاكم سيتعمد بسرعة قانوناً ضد التحريض اليميني على الإنترنت "وهم لا يستبعدون تصعيداً مثل الذي حدث في واشنطن".
واستعرضت في سبيل تأكيد التأثيرات "الترامبية" على أوروبا ما جرى في عاصمة ألمانيا برلين قبل بضعة أشهر (أغسطس/آب 2020) "عندما احتل عدة مئات ممن يسمون بالمتظاهرين الدرج المؤدي إلى مبنى الرايخستاغ على هامش تظاهرة ضد إجراءات كورونا، وتلك الصورة في وقت مبكر تذكر حتماً بما جرى في واشنطن".
وأضافت في السياق أنه "لم يكن هناك قوات شرطة ألمانية كبيرة في مواجهة المحتجين على أدراج الرايخستاغ، ولو أراد الغوغاء تجاوز قوات الأمن لفعلوا ذلك، وبعد فترة قصيرة قام حزب البديل من أجل ألمانيا (يمين قومي متشدد) بتهريب نشطاء يمينيين إلى البرلمان لترهيب بعض النواب".
"شبيغل" ورغم اعترافها، اليوم الجمعة، بأنه "قد لا تكون الفجوات في المجتمع الألماني عميقة كما هو الحال في الولايات المتحدة، لكن يخطئ من يعتقد أننا محصنون ضد إرادة أعداء الديمقراطية الساعون لتدميرها".
وتستشهد "شبيغل" بسياسات حزب "البديل" الذي يتقدم في الاستطلاعات "بحيث يحصل على خمس المقاعد في بعض الأحيان، ويقوم ذلك على الكراهية والتحريض من خلال تربة خصبة يقدمها من يصنفون أنفسهم مفكرين جانبيين ومنظرين لنظريات المؤامرة وكارهي ميركل".
وتختم "شبيغل" مخاوفها بالقول إنه "كما كان الحال مع عاصفة اقتحام مبنى الكابيتول (الكونغرس) في واشنطن، يتواجد النازيون الجدد دائماً بانتظار أن تسنح لهم الفرصة لاستخدام الجماهير لتحقيق أهدافهم".
لم تبتعد "أفتون بلاديت" السويدية، بدورها، عن حالة القلق التي تعتري الديمقراطية الأوروبية من آثار ما جرى الأربعاء الماضي. واستحضرت صورة الجمهوري المنتخب حديثاً جوش هاولي، رافعاً قبضته "كإشارة إلى أنه قادم للكونغرس لإحداث أو انقلاب، وهو ليس استثناء، بل يشبه الآخرين ممن يجمعون بين عملهم الأكاديمي ورغبتهم بإحداث انقلاب، فالرجل مؤيد بشدة لترامب وذاهب للكونغرس من أجل محاولة إلغاء الدستور والديمقراطية التي تعهد بالدفاع عنهما".
بالنسبة لصحيفة سويدية ليبرالية فإن "هاولي كغيره من الذين يحاولون تقليد ترامب جسدياً ولفظياً، يجتمعون حول الادعاء بأن الانتخابات سرقت وأن ترامب هو الفائز، وأن أي شخص يقول خلاف ذلك، أي من مسؤولي الانتخابات في جميع أنحاء البلاد، ومراقبي آلات الانتخابات ورعاة وزارة الأمن الداخلي - هم مشاركون في مؤامرة".
نظرية المؤامرة إذ تعتبر أساس تحرك اليمين المتطرف على ضفتي الأطلسي تثير مخاوف الصحافة الأوروبية، وتصف الصحيفة السويدية المشهد الترامبي على النحو التالي "منذ أربع سنوات كان العالم مبتسماً وخائفاً من دونالد ترامب. أنانيته، نرجسيته، أكاذيبه، فساده، فظاظته، كراهيته للمرأة، عنصريته، وعدم استقراره العقلي، كلها مغرية للشعبوية وللناس الذين يرون أنفسهم ضحايا تشويه العالم لأفكارهم".
من هتلر وستالين وبول بوت إلى أوربان
وحذرت "أفتون بلاديت" من أن "الثورات كان يقودها دوماً رجال مثقفون، وغالباً ما يكونون جيدين، بيد أن ما نراه من استغلال لطبقات الفقراء والبائسين، بوعود تأسيس مجتمعات جديدة وتحقيق العدالة، أو أمة عرقية نظيفة، أنتجت لنا بول بوت (قائد الخمير الحمر في كمبوديا سابقاً الذي قتل الملايين من الناس) وماو وهتلر وستالين وفيكتور أوربان (المجر) و ياروسلاف كاتشينسكي (بولندا)، رغم أن الحالتين الأخيرتين لم يرتكبا كالآخرين جرائم". وعود الشعبويين بالنسبة للصحيفة السويدية "تفسر ما يدفع الحشود لتتجمع تكريماً لرجل يسخر ويكره ويكذب، وهم مستعدون للخضوع له، فهو يلعب على خوفهم، وترامب نموذج حي لسنوات أربع ادعى أنه لم يتلقَ راتب وأنه متبرع للجمعيات الخيرية، فالديكتاتور يجب أن يظهر زاهداً، ويضحي من أجل الشعب، يعمل مجاناً لصالح رعاياه، ويظهر بزي رسمي بسيط، جندي كالآخرين. لقد جمع ترامب بين الظهور كزاهد، بيد أن الاستبداد في داخله ويفاخر الأميركيين بثروته وملاعب الغولف ومنتجع مار إيه لاغو، يظهر الجشع والفساد الفظ في فلورديا، رغم أنه ظل يظهر ببدلته الزرقاء الداكنة وربطة العنق الحمراء، رغم ذلك فأنانيته وإرادته الوحشية ونرجسيته أعطته القدرة على إلحاق ضرر جسيم بالديمقراطية الأميركية".
في مقاربة الواقع الأميركي بالأوروبي، التقت "بوليتيكن" وإنفورماسيون" و"بيرلنغسكا" و"بي تي" في الدنمارك مع جارتها في الشمال الأوروبي عن أن ما جرى "محاولة انقلاب بدائية وخطيرة"، وعلى "ضرورة "طرد ترامب ومواجهة الترامبية والشعبوية في الغرب". وحذرت تلك الصحافة من "قوة الدعاية المستمرة خلال السنوات الماضية، ولنتذكر ما فعله سلوبودان ميلوسيفيتش في تدمير يوغوسلافيا وإرساء أسس الإبادة الجماعية في وسط أوروبا بفضل تلك الدعاية، وكيف جعل فيكتور أوربان نفسه حامياً لشعبه المسيحي ضد بروكسل والمسلمين". كما اتفقت عديد الافتتاحيات على أنه وبغض النظر "ما إذا كان سيعتبر الترامبيون أن الرجل تعرض لمؤامرة واضطهاد فمن الضروري للديمقراطيات أن تقف بوجه هذا المد الجنوني"، كما ذهبت "إنفورماسيون" بتسمية الأربعاء الماضي "يوم العار".
وحملت الصحيفة وسائل التواصل مسؤولية "إعلاء شأن الترامبية والهجوم الذي سماه المحللون السياسيون هجوماً إرهابياً، وعلى تلك الوسائل تحمل مسؤوليتها، فهي شاهدت كيف أنه حرض الجمهور للهجوم على الكونغرس، ومنحته طلية سنوات منصة بث ما يريد تحت مسمى لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، وهي وسائل جنت الملايين من وراء كل ذلك، ومن المحزن أن قادة السياسة في العالم الحر يستغلون تلك الوسائل".
صحيفة "إل باييس" الإسبانية قرأت أيضاً المشهد وتأثيراته على الديمقراطية الغربية. واعتبرت الصحيفة أن "نظرية المؤامرة وجماعة كيو أنون (نظرية مؤامرة من ابتداع اليمين الأميركي المتطرّف) والأولاد الفخورون هم جيوش معسكر الترامبية الباقون، وإن خسر الحزب الجمهوري بسبب الكلام الخبيث لدونالد ترامب". وحملت "إل باييس" مواقع التواصل والإنترنت مسؤولية ما "فلأسابيع كان المتطرفون يعلنون عن خططهم لمهاجمة الكونغرس، وظهر بعضهم مسلحاً على وسائل التواصل يهدد ويتوعد دون تدخل من تلك الوسائل".
واتفقت معظم الصحف الأوروبية على أن مهمة ليست سهلة تنتظر الرئيس الجديد جو بايدن، سواء فيما خص المجتمع الأميركي أو دور أميركا العالمي في العلاقة بالديمقراطية، وخصوصاً في أوروبا.