السيسي وبايدن: اتصالات مصرية باردة تحسباً لفوزٍ ديمقراطي

31 أكتوبر 2020
وصف بايدن السيسي بأنه "الديكتاتور المفضل لترامب" (Getty)
+ الخط -

قبل أيام من انتخابات الرئاسة الأميركية التي يأمل النظام المصري أن تنتهي بنجاح الرئيس الحالي دونالد ترامب في الحفاظ على منصبه لفترة رئاسية ثانية، تحاول وزارة الخارجية المصرية مد جسور الحوار والتواصل مع الحملة الرئاسية لمنافسه الديمقراطي جو بايدن، الذي ترجح استطلاعات الرأي الأخيرة فوزه. يأتي ذلك بعد شهور من الجفاء وعدم التواصل، بل والرسائل السلبية المباشرة وغير المباشرة بين الطرفين.
ورغم عدم الموثوقية الكبيرة لاستطلاعات الرأي في الانتخابات الأميركية بصفة عامة، ومع ترامب بصفة خاصة، بعد معركته السابقة الناجحة مع هيلاري كلينتون، رغم خسارته في التصويت الشعبي، إلا أن التحرك المصري لفتح قنوات اتصال مع حملة بايدن له العديد من الأسباب البعيدة عن مراقبة تلك الاستطلاعات.
فتقارير تقدير الموقف المعروضة على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حتى الآن، من المخابرات العامة ووزارة الخارجية تتوقع قدرة ترامب على البقاء في البيت الأبيض، وهو ما يتسبب في حالة من الارتياح في قصر الاتحادية. لكن على جانب آخر هناك مؤشرات لضعف موقف ترامب الانتخابي هذه المرة في عدد من الولايات المهمة التي ربحها أمام كلينتون، والولايات المتأرجحة في الغرب الأوسط، فضلاً عما أعلنته بعض المراكز البحثية الكبرى عن تعديل معايير اختيار العينات في الاستطلاعات المختلفة، ورفع نسبة الفئات التي تبين من استطلاعات ما بعد التصويت في العام 2016 أنهم انتخبوا ترامب.

الاتصالات بحملة بايدن تزامنت مع اتصالات بدائرة ترامب

وإلى جانب هذه الاعتبارات الأميركية السياسية والفنية، فإن النظام المصري يحركه قلق شديد من فوز بايدن، الذي لم تجمعه من قبل أي علاقة ودية مع السيسي. وعلى عكس ما حدث عام 2016 مع كلينتون، فإن السيسي لم تُتح له فرصة الالتقاء ببايدن، وربما لن يلتقيه حتى إذا فاز بالرئاسة، في ظل الازدراء الذي عامله به المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية سابقاً، عندما وجه له نقداً علنياً في يوليو/تموز الماضي، بوصفه "الديكتاتور المفضل لترامب"، في إشارة للوصف الذي أطلقه ترامب على السيسي خلال مشاركتهما في اجتماع قمة السبع الكبار في فرنسا في سبتمبر/أيلول 2019.
وسبق لبايدن أن انتقد وفاة المواطن الأميركي من أصل مصري مصطفى قاسم في سجنه المصري مطلع العام الحالي. كما انتقد تخاذل إدارة ترامب في التعامل مع تلك القضية. لكنه في تغريدته الشهيرة شن هجوماً مزدوجاً على ترامب والسيسي، فمن جهة حمل الأول مسؤولية اعتقال الشاب محمد عماشة لمدة 468 يوماً في السجون المصرية، قبل الإفراج عنه بضغط أميركي، ومن جهة ثانية هدد بالتعامل بشكل مختلف مع السيسي حال فوزه بالرئاسة، بقوله "لا مزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل".

هذه الخلفية غير التقليدية للعلاقة بعيدة الصلة بين الرجلين ألقت بظلالها على الاتصالات التي بدأها بالفعل منذ أسبوعين، دبلوماسيون مصريون في واشنطن، بحسب مصادر دبلوماسية بالقاهرة. وكشفت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن الاتصالات اكتست بطابع رسمي يفتقر للودية، لكنها تضمنت تمنيات القاهرة بالتوفيق، وبأن يكون التنسيق مع مصر في ملفات الأمن ومكافحة الإرهاب والعنف والقضايا الإقليمية نصب أعين أعضاء فريق بايدن، الذين سبق وتعامل بعضهم مع المصريين، وفي الشأن المصري في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
وأوضحت المصادر أن الاتصالات، التي تكررت بضع مرات، تطرقت إلى "تحديد" بعض المسائل التي تعتبرها حملة بايدن حيوية في العلاقة مع مصر، مثل حقوق الإنسان وتحرير المجال العام وأوضاع السجناء، وخصوصا حاملي الجنسية الأميركية، ومنظمات المجتمع المدني، والقضية العالقة لتمويل تلك المنظمات، والمتهم فيها عدد من الشخصيات الديمقراطية والمصرية المقربة من الحزب الديمقراطي. لكن لم تجر نقاشات متطورة حول أي من هذه الملفات.
وتوازت الاتصالات الجديدة بحملة بايدن مع اتصالات أخرى أجراها المسؤولون أنفسهم مع شخصيات معتادة في البيت الأبيض ودائرة ترامب، للتأكيد على دعم السيسي له، وامتدت للنقاش حول ملفات مفتوحة حالياً، كالقضية الليبية التي يرى ترامب ضرورة تصفيتها قبل نهاية العام الحالي، وقضية سد النهضة، وجهود السيسي للمشاركة في دفع الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، خصوصاً بعد مساهمته في التطور الذي تحقق على هذا الصعيد في السودان، بعد مشاركته في الوساطات، وحمله مطالبات مجلس السيادة السوداني إلى واشنطن ابتداء من مارس/آذار الماضي، قبل بضعة أشهر من دخول الإمارات على هذا الخط.

بذل الديمقراطيون مساعي عديدة ضد القاهرة في قضايا أساسية
 

ومنذ فوز ترامب بذل الديمقراطيون مساعي عديدة ضد النظام المصري في القضايا الأساسية، من حقوق وحريات وتعاون عسكري، وكذلك مسألة المعونات الاجتماعية والعسكرية. لكن الأمر كان يختلف بين عناصر تنتمي للفريق المحافظ من الحزب، والذي لا يجد مشاكل في التعاون مع السيسي في القضايا محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية وتصفية القضية الفلسطينية، وبين عناصر تنتمي للفريق اليساري من الحزب. والفريق الأخير أكثر شباباً وتمثيلاً للحزب في الكونغرس حالياً، وكان ممثلاً أيضاً على نحو مكثف في إدارات البيت الأبيض ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، وغيرها من المؤسسات في عهد أوباما، والذي كان له موقف مبدئي ضد السيسي ونظام حكمه.
ولم تنجح أذرع السيسي في كواليس السياسة الأميركية، من ممثلين للمخابرات العامة ودبلوماسيين، في تحقيق أي اختراق في صفوف الحزب الديمقراطي طوال السنوات الماضية، رغم تعدد الدعوات التي وجهها السيسي لمجموعات نيابية، بعضها ينتمي للحزب خلال زياراته المتكررة للولايات المتحدة، وزيارة بعضهم للقاهرة، وكذلك اللقاءات التي يعقدها ممثلو النظام مع نواب ومسؤولين في مختلف المؤسسات الأميركية طوال الوقت. وسبق أن بررت مصادر دبلوماسية مصرية هذا الفشل بعدم تمتع المفاوضين المصريين بالمساحات التي كانت متاحة لممثلي نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، طوال فترة حكمه، التي مرت علاقاتها مع الإدارات الأميركية المتعاقبة بمراحل مختلفة ومتنوعة.
ففي أسوأ الأوضاع، كما كان في عهد جورج بوش الابن، الذي شهد الترويج لأفكار لم يرحب بها مبارك يوماً، كان ممثلو النظام في الولايات المتحدة يتمتعون بالحرية في التواصل مع أطراف مختلفة. وكان هؤلاء يملكون إعطاء تعهدات وتسجيل ملاحظات والمطالبة بتغييرات، وما إلى ذلك من أدوات سياسية ودبلوماسية يمكن التعامل بها مع الولايات المتحدة، بما تحويه أجهزتها من تناقضات كبيرة وخلافات واسعة على خلفيات حزبية وفكرية واجتماعية، تجعل من الضروري محاولة الدول المحتاجة للدعم الأميركي كمصر، أن تقيم علاقات جيدة مع كل قوى التأثير المحتملة.
وأشارت المصادر إلى عدم تناسب هذا الوضع مع المجهودات الكبيرة التي بذلت (صُورياً)، ودفعت من أجلها مئات الملايين من الدولارات لشركات علاقات عامة وصحف ومراكز بحثية وجماعات تأثير لتحسين صورة السيسي في الولايات المتحدة. وكان الهدف الأساسي من تلك الجهود عدم الوصول للحظة كهذه، قبل إقناع ترامب أو وزرائه بتطوير العلاقات مع مصر، خصوصاً وأن السيسي عانى سابقاً من قرار تعليق مساعدات للقاهرة بقيمة 95.7 مليون دولار، إلى جانب تأجيل صرف 195 مليون دولار أخرى في أغسطس /آب 2017 بضغوط كبيرة من نواب الحزب الديمقراطي، الأمر الذي تغلب عليه السيسي في يوليو/تموز 2018. ثم ثار جدل مشابه من قبل نواب الحزب الديمقراطي أيضاً في سبتمبر/أيلول 2019، وتم تعليق جزء من المعونة حتى أقرها ترامب.
والمعونة الأميركية لمصر مبلغ ثابت سنوياً تتلقاه القاهرة من واشنطن، في أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في العام 1978، وتحصل مصر بموجبه على مبلغ 2.1 مليار دولار، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية. لكن القيمة السياسية للمعونة أكبر بكثير من قيمتها المالية، فهي من ناحية تعبر عن اعتراف واشنطن بشرعية الرئيس المصري وبمساعدتها له ودعمها لسياساته، ومن ناحية أخرى تحافظ ضمنياً على العلاقات العسكرية القائمة بين البلدين. وكانت مقترحات بعض نواب الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، بين عامي 2013 و2014 لإعادة صياغة المساعدات والعلاقات بمصر بعد انقلاب 3 يوليو/تموز، أحد أسباب اندفاع السيسي لتنويع مصادر استيراد الأسلحة، وإن حافظ أيضاً على ضرورة إخطار واشنطن بصفقاته والحفاظ على التنسيق الأمني والاستخباراتي بين البلدين.
وإلى جانب أوضاع الحقوق والحريات، التي دائماً ما تكون محوراً للانتقادات الديمقراطية للأنظمة المصرية، تبرز أيضاً مسألة التوسع المطرد في اقتصاد الجيش والتضييق على المستثمرين المحليين بمزيد من القيود الإجرائية، أو مزاحمتهم في مشاريعهم، على أجندة الديمقراطيين تجاه مصر، ولها أثر مباشر على قضية المعونة. وخلال زيارته نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالتزامن مع أكبر تظاهرات شعبية ضده في سبتمبر/أيلول 2019، واجه السيسي اتهامات وانتقادات يتم تصعيدها بواسطة نواب ديمقراطيين، وبعض الجمهوريين، بالكونغرس بشأن ضرورة مراجعة المعونة الأميركية السنوية للجيش المصري، بينما يستمر توسعه الاقتصادي، وفي نفس الوقت اتجاه السيسي المطرد لشراء أسلحة من بعض منافسي الولايات المتحدة بهدف توثيق العلاقات وضمان الصمت على الانتهاكات المحلية.

تقارير عربية
التحديثات الحية