تواجه مرشحة الحزب "الاجتماعي الديمقراطي" في السويد، ماغدالينا أندرسون، لخلافة رئيس الحكومة المستقيل من الحزب نفسه، ستيفان لوفين، مصاعب في إقناع الأغلبية البرلمانية بقبولها كأول سيدة في المنصب في تاريخ البلاد. أندرسون التي استطاعت التغلب على "نبش الماضي" اليساري لها في الإعلام المحلي (كانت ناشطة في أقصى اليسار السويدي في مطلع شبابها)، وتبوأت زعامة حزبها اليساري الوسطي بعد انسحاب لوفين، تجد نفسها اليوم أمام تعنت "اليسار الاشتراكي" السويدي، حزب "فينستر"، الذي تحتاج إلى أصواته لتأمين أغلبية برلمانية من بين 349 نائباً. ويسعى "اليسار" للحصول على تنازلات منها بشأن الرواتب التقاعدية.
يحارب حزب "اليسار" أندرسون ساعياً للحصول على تنازلات منها بشأن الرواتب التقاعدية
وتسببت زعيمة "اليسار" نوشي دادغوستار، إيرانية الأصل، الصيف الماضي، بأزمة للوفين بعدما حاولت انتزاع تنازلات تتعلق بسقف أجور السكن ورفض تعويمها، باعتبار ذلك في مصلحة الغالبية السويدية التي تعيش في مساكن بالأجرة، ما هدد بانفراط عقد حكومته. واضطر لوفين قبل أسابيع لإعلان انسحابه من العمل السياسي، ممهّداً الطريق أمام السياسية المخضرمة، وزيرة المال السابقة، ماغدالينا أندرسون لتصبح أول امرأة تحكم البلاد.
وعلى الرغم من تراجع اليسار الاشتراكي في الاستطلاعات، في ظلّ استمرار المفاوضات لضمان تصويته لصالح أندرسون، تصرّ دادغوستار على إنهاء ما أسمته "التأييد التلقائي والدائم لحكومات يسار الوسط". ولدى أندرسون فرصة حتى يوم غد الأربعاء لتأمين الأغلبية البرلمانية، من "اليسار" وحزب "الوسط" (يسار وسط)، حسب ما أكده رئيس البرلمان السويدي أندرياس نورلين أمس الإثنين.
وتقف السويد أمام مفترق طرق؛ فإما أن يتم تأمين أغلبية برلمانية لأندرسون أو الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة. وتثير مواقف حزب اليسار تململاً في صفوف الحركة النسوية، التي أيدت بشكل كبير وصول أول سيدة إلى المنصب، بسبب تصلّبه في المفاوضات التي جرت لتأمين الأغلبية. وهو ما وضع الحزب وزعيمته دادغوستار في مواقف صعبة أمام الرأي العام، الذي يعطي "الاجتماعي الديمقراطي" تقدماً ملحوظاً بعد وصول أندرسون إلى زعامته. ومن المقرر أن تذهب السويد نحو انتخابات برلمانية مقررة في 11 سبتمبر/أيلول 2022، رغم الحديث عن إمكانية إجرائها بوقت أكبر، لكن "الاجتماعي الديمقراطي" لا يبدو متوجساً منها، مع تقدمه في الاستطلاعات.
ولدى أندرسون فرصة حتى الساعة التاسعة من صباح الغد بالتوقيت المحلي، للانتهاء من مفاوضة اليسار لتأمين الأغلبية، وإلا فإنه بإمكانها الذهاب إلى جلسة مقررة في البرلمان، عند الساعة 12 ظهراً، إما للتصويت وإحراج اليسار أو طلب تأجيل الجلسة. وأمام أندرسون أربع محاولات لتأمين الأغلبية.
في المقابل، يتمتع رئيس البرلمان بصلاحية اختيار شخصية أخرى، قد تكون على الأغلب من أحزاب يمين الوسط، خصوصاً من حزب "الاعتدال"، لتشكيل حكومة. وهو ما سيزيد ربما، وفق مختصين في الشؤون الحزبية السويدية في استوكهولم، من تذمّر الناخبين وأحزاب يسار الوسط الأخرى من تعنت مواقف "اليسار الاشتراكي"، ويصب في نهاية المطاف في مصلحة أندرسون الانتخابية.
من الممكن تمرير أغلبية يمين وسط في البرلمان لحكومة أندرسون
وفي كل الأحوال، تخضع عملية إيصال أول سيدة إلى منصب رئاسة الحكومة في استوكهولم لمساومات تتجاوز السياسات الحزبية في الأجنحة (يسار ويمين). ومن الممكن تمرير أغلبية يمين وسط في البرلمان لحكومة أندرسون، لكن ذلك يعني أنها ستحكم عشرة أشهر، حتى الانتخابات المقررة، بموازنة خاضعة لشروط يمين الوسط.
واعتبر المحللون المحليون للشؤون الانتخابية في السويد، وفقاً للتلفزيون السويدي اليوم الثلاثاء، أن دادغوستار، تساهم في أخذ حزبها نحو تراجع شعبيته، وتعميق الخلاف في صفوف معسكر يسار ويسار الوسط السويدي، خصوصاً مع تأكيدها أمس الإثنين، أن حزبها سيصوّت "بالأحمر"، أي رفضاً لتأمين أغلبية لأندرسون.
ويسعى حزب "اليسار" بصورة أساسية لتأمين رفع قيمة المعاشات التقاعدية، التي يعتبرها الأدنى على المستوى الأوروبي. وتعتبر قضية المعاشات التقاعدية حساسة في سياسة "دولة الرفاهية" السويدية، إذ يرتبط ذلك بنظام تقاعدي يخضع لقواعد متفق عليها في البرلمان السويدي، وأي مساس فيها يعني تصدع نظام المعاشات التقاعدي برمته، ويؤدي إلى صدامات سياسية.
من جهته، حاول "الاجتماعي الديمقراطي" خلال الأسابيع الماضية إيجاد حلول وسطية، باقتراحه "زيادة في علاوات السكن للمتقاعدين"، بدلاً من المساس بنظام المعاشات. وعلى الرغم من ذلك بقي "اليسار" مصراً على أن ذلك ليس كافياً، مما خلق انطباعاً متغيّراً وسلبياً حيال زعيمته دادغوستار، التي سبق أن أثنى عليها الشارع والمحللون في الصيف الماضي، لتحديها لوفين، بشأن سياسات سقف أجرة المساكن. وتحول الثناء إلى انتقادات في الآونة الأخيرة مع تراجع شعبية الحزب في استطلاعات الرأي، على اعتبار أن "الناخبين لا يكافئون المتسببين بالاضطرابات السياسية"، حسب ما يؤكده مراقبون سويديون.