السويداء و"قسد"... ملفان معقدان أمام الإدارة الجديدة في دمشق

02 يناير 2025
من حراك السويداء قبيل سقوط الأسد، 1 ديسمبر 2024 (سادي دبيسي/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد السويداء توترات أمنية بسبب رفض الفصائل المحلية دخول قوات دمشق، مع مخاوف الأهالي من تسليم السلاح وسط الفوضى. تعيين محسنة المحيثاوي كمحافظ لم يخفف التحديات، حيث يطالب الأهالي بإدارة شؤونهم الأمنية بأنفسهم.

- تواجه الإدارة الجديدة في دمشق تحديات في الشمال الشرقي، حيث تسيطر "قسد" على المنطقة. ترفض الإدارة النظام الفيدرالي وتسعى لضم "قسد" للجيش السوري، بينما تطالب "قسد" بالاعتراف بها ضمن المنظومة العسكرية.

- الملف الكردي يعاني من تعقيدات بسبب عدم توحيد الرؤى السياسية، رغم التهديدات التركية. يرى المحلل فريد سعدون فرصة لتوافق وطني يشمل الأكراد، في ظل غياب دفع إقليمي نحو الفوضى.

تبدو الهواجس الأمنية لدى أهالي محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، جنوبيّ سورية، وقطاع واسع من الأكراد في سورية، من أبرز العوائق القائمة اليوم أمام عقد تفاهمات مع الإدارة الجديدة في دمشق التي فتحت أبواب التفاوض مع الجانبين.

الإدارة الجديدة في دمشق تراعي السويداء

وبرز على سطح الأحداث السورية المتلاحقة، تطور في الساعات الأخيرة من العام الماضي، حيث رفضت فصائل محلية في محافظة السويداء جنوبيّ البلاد دخول رتل عسكري من إدارة العمليات العسكرية كان يريد الوصول إلى مبنى قيادة الشرطة في مدينة السويداء. وذكرت شبكات إخبارية محلية، منها "السويداء 24"، أن الرتل كان يضم عشرات السيارات لـ"هيئة تحرير الشام" و"جهاز الأمن العام" التابع لها متوجهة إلى محافظة السويداء، ما أدى إلى استنفار فصائل غرفة العمليات المشتركة التي طالبت الرتل بالعودة إلى دمشق، حيث تجاوب المسؤول عن الرتل وعاد به إلى العاصمة بالفعل، وفق هذه الشبكات. ونقلت عن غرفة العمليات المشتركة في السويداء (تحالف فصائل محلية معارضة في السويداء) أن الرتل جاء في وقت متأخر من الليل ومن دون تنسيق مسبق مع الفصائل المحلية في المحافظة. وأشارت إلى أن "الفعاليات السياسية والدينية والاجتماعية في المحافظة، طالبت خلال لقاءاتها مع مسؤولي حكومة تسيير الأعمال (التي تشكلت بعد سقوط نظام الأسد)، بـ"إدارة الشؤون الأمنية في المحافظة عبر أبنائها، وإعادة تفعيل الضابطة العدلية وتعيين قائد شرطة من السويداء".

عيّنت حكومة تسيير الأعمال، محسنة المحيثاوي، محافظاً لمحافظة السويداء

وعيّنت حكومة تسيير الأعمال، أول من أمس الثلاثاء، محسنة المحيثاوي، محافظاً لمحافظة السويداء، نزولاً عند رغبة أهلها، لتكون بذلك أول امرأة في سورية تتولى المنصب.

ويبدو أن لدى أهالي السويداء هواجس أمنية تحول حتى اللحظة دون التفاهم مع الإدارة الجديدة في دمشق حول آليات إدارة المحافظة خلال المرحلة الانتقالية، حيث رفضت الفصائل المحلية تسليم سلاحها لهذه السلطة، ما يعكس تخوفاً لديها في ظل فوضى السلاح في الجنوب السوري. بيد أن الأكاديمي يحيى العريضي، المتحدر من محافظة السويداء، قلّل من خطورة ما جرى، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "طُوي الأمر وتمّ التفاهم". وتابع: "أهل السويداء يرون أنفسهم في حالة تفاهم مع إجراءات إزاحة بقايا الاستبداد التي تريد القيادة الجديدة تكريسها". وأشار إلى أن "أهل السويداء كنسوا منظومة الاستبداد العسكرية قبل أيام من سقوطها في كل البلاد"، مضيفاً "أنهم سحبوا من منظومة الاستبداد المخلوعة أهم ورقة سياسية كانت تلعب بها والمتمثلة بما سمته "حماية الأقليات" في سورية، وهم يرون أنفسهم سوريين فوق أي اعتبار ويهمهم كل شبر في سورية". ولفت إلى أن "الشيء الطيّب الذي يسجل، هو أنّ التفاهم حصل على الفور، والإرادة أن تكون سورية الدولة لكل السوريين تحت القانون بحكم رشيد".

وكان أهل السويداء قد أسقطوا النظام المخلوع بشكل شبه كامل قبل أشهر من سقوطه النهائي في البلاد فجر الثامن من يناير/كانون الأول الماضي. وشهدت المحافظة حراكاً ثورياً غير منقطع استمر أكثر من عام، أدى إلى شلّ منظومة النظام الأمنية والعسكرية والحزبية في المحافظة، التي كانت تتبع للنظام المخلوع.

وتعليقاً على تطورات السويداء، الثلاثاء، قال الكاتب نورس عزيز، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أحمد الشرع (قائد الإدارة الجديدة في دمشق)، صرّح بأن السويداء لها خصوصية، وأبناءها حرّروا محافظتهم، وبناءً عليه فإنهم هم مخولون باختيار محافظهم، وقوات الشرطة في المحافظة ستكون من ضمن أبناء السويداء، وستدخل لاحقاً تشكيلات عسكرية تحت مظلة وزارة الدفاع". ورأى عزيز أن اختيار وزير دفاع في حكومة تسيير الأعمال (مرهف أبو قصرة) من الحلقة المقربة من الشرع "خلق حالة من عدم الثقة بالكلام والوعود"، مضيفاً أن "هناك حساسية بين المكونات الدينية في سورية عزّزها النظام السابق خلال عشرات السنوات". وبرأيه، فإن الحالة الفصائلية والخلافات العميقة في السويداء والسلاح العشوائي في المحافظة، كلّها أمور تدفع الفصائل إلى الاحتفاظ بسلاحها، مشيراً إلى ظهور تيارات سياسية في المحافظة تدعو إلى النظام الفيدرالي و"أصبحت لها قاعدة شعبية ليست قليلة في ظلّ الأوضاع التي تعيشها البلاد". ودعا عزيز الإدارة الجديدة في دمشق إلى الابتعاد عن القرارات التي "قد تشكل إرباكاً في المشهد"، ورأى أنه "يجب عليها الاعتماد على الحوار مع المكون الدرزي"، إذ "يسهل استفزازه في حال محاولة فرض أي شيء بالقوة".

ملف "قسد"

ولا تقتصر التحديات أمام السلطة الجديدة على ملف السويداء، حيث لا يزال الشمال الشرقي الذي يضم الجانب الأكبر من ثروات البلاد، خارج سلطتها، ويقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ذات الطابع الكردي. ولم تتأكد بعد الأنباء المتداولة عن عقد اجتماع بين أحمد الشرع ومسؤولين في هذه القوات في دمشق للتباحث في مصير الشمال الشرقي من البلاد، بيد أن الوقائع تؤكد أن هناك قنوات اتصال بين "قسد" والإدارة الجديدة في دمشق بدأت مع بدء عملية "ردع العدوان" التي انتهت بإسقاط نظام الأسد.

مصادر في الإدارة الجديدة: النظام الفيدرالي الذي يطالب به بعض الأكراد غير مطروح

وذكرت مصادر مطلعة في العاصمة السورية لـ"العربي الجديد"، أن الإدارة الجديدة في دمشق "حريصة على حلّ ملف الشمال الشرقي من سورية سلماً وتجنب صدام عسكري مع قسد"، مؤكدة أن الإدارة مصرة على بسط السيطرة على كامل التراب السوري. وتابع: "النظام الفيدرالي الذي يطالب به بعض الأكراد غير مطروح أبداً على طاولة الإدارة الجديدة". وأشارت إلى أن هذه الإدارة منفتحة على ضمّ من يرغب من قوات "قسد" إلى الجيش السوري الجديد، مؤكدة أن السلاح سيكون محصوراً بيد الدولة فقط، وفي حال موافقة قادة "قسد" على ذلك، فلا مشاكل أبداً يمكن أن تعترض التوصل إلى تفاهم يحسم مصير الشمال الشرقي من سورية بشكل نهائي.

وتطالب "قسد"، التي لا تزال تحظى بدعم أميركي، بأن تكون ضمن المنظومة العسكرية للدولة الجديدة، وأن يُعترَف بها وبالإدارة الذاتية التابعة لها، ضمن الدستور المقبل. ولكن تبدل الأوضاع في سورية لصالح الإدارة الجديدة، وضع "قسد" أمام الخيارات الصعبة، خصوصاً أن تركيا لا تزال تلوّح بتقويض هذه القوات (التي تتهمها بأنها ذراع لحزب العمال الكردستاني) عسكرياً إن لم تحلّ نفسها وتسلّم سلاحها للسلطة السورية الجديدة.

فريد سعدون: لا توجد مؤشرات على دفع إقليمي ودولي باتجاه الفوضى في سورية

وحول تطورات الملف الكردي، رأى المحلل السياسي فريد سعدون، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المرحلة الحالية في سورية لم تتضح معالمها، حيث هناك سيطرة من لون واحد تحاول التأسيس لسلطة جديدة وفق رؤاها. وتابع: "رغم ارتباط الملف الكردي بالملف السوري بشكل عام، إلا أن هناك أموراً تخص الأكراد، منها التهديد التركي المتواصل، فضلاً عن وجود فصائل سورية مرتبطة بتركيا لم تكفّ عن الهجمات في شرق الفرات". وبيّن أن هناك مشكلات كردية بينية، حيث لم يتمكن الأكراد حتى الآن من الاتفاق على مشروع واحد، والخلافات تدفع إلى التناحر السياسي، ما يمنع توحيد الكلمة الكردية في سورية. وأعرب عن اعتقاده بأنه لا توجد مؤشرات على دفع إقليمي ودولي باتجاه الفوضى في سورية، لأنها تهدد دول الجوار، وأن الأكراد سيكونون ضمن توافق وطني في سورية.

يذكر أن "قسد"، مدعومة بقوى الأمن الداخلي (أسايش)، واصلت خلال اليومين الماضيين حملة اعتقالات واسعة في مدينة الرقة وريفها شمال شرقي سورية، مستهدفةً كل من يُشتبه في ارتباطه بـ"الجيش السوري الحر" سابقاً أو الناشطين المؤيدين للثورة السورية، تحت غطاء تهم كيدية تتعلق بـ"التخابر" (مع تركيا أو الجيش الوطني السوري) والانتماء إلى تنظيم "داعش"، وفقاً لمصادر محلية. وقال الصحافي عبود حمام، المتحدر من مدينة الرقة، لـ"العربي الجديد"، إن الاعتقالات تركزت أخيراً في منطقة الكرامة شرقي المدينة، مستهدفةً شخصيات غير معروفة وصغيرة في السن.

المساهمون