لا يبدو أن المزاج العام في محافظة السويداء جنوب سورية، ذات الغالبية الدرزية، مع إعادة انتخاب رئيس النظام بشار الأسد، في ظل وجود إحساس لدى غالبية الأهالي بأن النظام بات يكيل لهم الحقد بسبب تصديهم لنفوذه في المحافظة، من خلال تصرفات عدة، في مقدمتها الاحتجاجات ضده بين الحين والآخر، واستنكاف الشبان عن الخدمة العسكرية في قواته. وقابل النظام هذا الأمر بمختلف أدوات التضييق والحصار والعقاب الجماعي وافتعال الأحداث الأمنية، والنيل من رموز المحافظة الدينية في محاولة لإجبارهم على الرضوخ، وسط فشله في ذلك إلى الآن.
من يزور مدينة السويداء اليوم، تصادفه في مدخلها الشمالي المعروف بـ "طريق دمشق"، وصولاً إلى دوار الشرطة العسكرية، لافتات تحمل صور الأسد، التي أضيفت إليها العبارات المؤيدة له، وجميعها مقدمة من مليشيا "الدفاع الوطني"، الرديفة لقوات النظام، وذلك عقب تعيين وافي زياد السعد قائداً للمليشيا في السويداء قبل بضعة أشهر، وهو متعهد وتاجر عقارات سيئ الصيت.
تعرضت السويداء للتضييق والحصار والعقاب الجماعي
لكن في الفترة الأخيرة، خسر النظام العديد من تلك الصور، بعد تمزيقها من قبل غاضبين، جراء تعرض الشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ العقل لدى طائفة الموحدين الدروز في سورية، للإهانة من قبل رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية العميد لؤي العلي، بعد أن رفض الأخير إطلاق سراح أحد أبناء السويداء، ما تسبب في تجمهر المئات من أبناء الطائفة في دارة الهجري مطالبين باعتذار رسمي من أعلى مستويات النظام. وقد تلقى الأخير العديد من الاعتذارات، بدأت من العلي ورئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء كفاح الملحم، إضافة إلى القيادة المركزية لحزب "البعث" الحاكم، ونهاية باتصال شخصي من الأسد. يشار إلى أن الهجري يعتبر من المقربين من النظام، وله العديد من الامتيازات والتسهيلات لأعماله.
وفيما يخص الانتخابات المقررة منتصف العالم الحالي، كانت أولى الصفعات التي تلقاها النظام، هي فشل رئيس حزب "الشعب" نواف الملحم، أحد أدوات التسويق العشائرية لإعادة انتخاب الأسد، في زيارة له الشهر الماضي لمشايخ عقل الموحدين الدروز، لمحاولة كسب تأييد الوجوه العائلية والمرجعيات الدينية لدعم الأسد في الانتخابات. إلا أن الصمت كان جواباً على طرحه، فعاد دون أن يحمل أي موقف تأييد. في المقابل، زادت الضغوط على المشايخ، الذين يعتبرون أبرز القيادات المجتمعية. وبرز ذلك خلال لقاء لإحدى الصحف التابعة للنظام مع شيخ العقل يوسف جربوع، الأسبوع الماضي، للحديث عن الانتخابات وجر المشيخة لتأييد الأسد. إلا أن جربوع أشار، خلال اللقاء، إلى أن "الشعب السوري وصناديق الاقتراع لديهم الكلمة الفصل في الانتخابات"، داعياً السوريين إلى الإدلاء بأصواتهم. إلا أنه لم يأت على ذكر الأسد أو مسألة إعادة انتخابه.
من جهته، قال الناشط أبو جمال معروف (اسم مستعار) لأسباب أمنية، لـ"العربي الجديد"، إن "غالبية أهالي السويداء ليسوا راغبين بإعادة انتخاب الأسد، خصوصاً مع وصوله إلى مرحلة أصبح عاجزاً بها عن تأمين أبسط احتياجات المواطنين. والأهم من ذلك إدراكهم أن النظام يتحين الفرصة لينتقم منهم شر انتقام. فالمجتمع حمى خلال السنوات الأخيرة نحو 40 ألف شاب مستنكف عن الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية في القوات النظامية". وأضاف "كما مُنع النظام من اعتقال أي أحد من أبناء السويداء، على خلفية مواقفه السياسية أو المدنية والاستنكاف عن الخدمة، بل وأجبر في كثير من الأحيان على إطلاق سراح معتقلين، بالضغط عليه تارة، أو عبر احتجاز ضباط وعناصر من قواته الأمنية والعسكرية تارة أخرى، لأنه لا يمكن التفاهم معه إلا بذات الطريقة التي يتعامل بها مع السوريين".
وشهدت السويداء أخيراً ظهور كتابات على الجدران مناهضة لإعادة انتخاب الأسد، وتدعوه لعدم ترشيح نفسه. وكانت المحافظة سجلت عزوفاً غير مسبوق عن المشاركة في انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) والإدارة المحلية الأخيرتين. من جهته رأى، طلال مدني، وهو اسم مستعار أيضاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الناس التي كانت تخشى عدم وجود بديل للأسد، الذي عمل على حصر الخيارات، إما هو وإما التنظيمات المتشددة التكفيرية، قد تغير مزاجهم العام، وخصوصاً أنهم يتهمون النظام بأنه سهل وصول تنظيم داعش عام 2018 إلى الريف الشرقي للمحافظة، ما تسبب بمقتل أكثر من 250 شخصاً، غالبيتهم من المقاتلين المحليين الذين تصدوا لهجوم التنظيم وإفشاله. كما أنه مسؤول أيضاً عن قتل عشرات المدنيين في العام 2015 عبر عمليتي تفجير استهدفتا الشيخ (وحيد) البلعوس. كذلك فإنهم لم ينسوا أن الأسد الابن بدأ حكمه بارتكابه مجزرة عام 2000 راح ضحيتها نحو 20 مدنياً على يد قواته النظامية التي عمدت إلى قمع احتجاجات السويداء التي اندلعت بعد خلاف بين الأهالي والبدو في المنطقة. ويضاف إلى كل ذلك تاريخ طويل من التضييق والحرمان من المشاريع التنموية، بل كانوا حتى زمن ليس بالبعيد محرومين من حفر بئر ماء، ومجبرين على الشرب من السدود السطحية الملوثة".
النظام عمل على تعميق الشرخ بين أهل السويداء وباقي المواطنين
أما زياد، الذي أخفى كنيته خوفاً من الملاحقة الأمنية، فقد أشار، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "النظام عمل في السنوات الأخيرة على تعميق الشرخ بين أهل السويداء وباقي المواطنين السوريين، عبر تجنيد عصابات تحمل بطاقات أمنية، وتستخدم سيارات بلوحات أمنية ممنوحة من رئيس شعبة المخابرات العسكرية اللواء كفاح الملحم بشكل مباشر، يقومون بارتكاب أعمال خطف وتعذيب وطلب فدية بحق سوريين من مختلف المناطق، لتشويه سمعة السويداء والتفريق بينهم وبين باقي السوريين، الأمر الذي يؤدي إلى عزلهم، والسماح له بالاستفراد بهم". وأوضح أن "كل ذلك بات يعيه أبناء المحافظة، وبالتالي أصبح بينهم وبين النظام ورأسه الأسد، قطيعة وفجوة لا يمكن ردمها".