السودان: عفو عن قائد منشق يثير المخاوف من اللامحاسبة

25 أكتوبر 2024
مناصرون للجيش السوداني في القضارف، 3 مارس 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- سلم القائد أبو عاقلة كيكل نفسه وقواته للجيش السوداني، مما أثار جدلاً حول تأثير هذه الخطوة على إنهاء الحرب المستمرة منذ 18 شهراً، حيث رحب الجيش بها بينما قللت قوات الدعم السريع من تأثيرها.
- الحرب في السودان، التي بدأت في أبريل 2023، خلفت آلاف القتلى وموجات نزوح كبيرة، وظهرت مجموعة "درع السودان" بقيادة كيكل، مما يعكس تعقيدات المشهد السياسي والعسكري.
- أثار العفو عن كيكل انتقادات حقوقية، حيث يعتبره البعض تعزيزاً لثقافة الإفلات من العقاب، مطالبين بمحاسبة مرتكبي الجرائم وفق القانون الدولي الإنساني.

في تطور مفاجئ بمجريات الحرب المشتعلة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، سلم القائد الكبير في "الدعم" أبو عاقلة كيكل نفسه والقوات التابعة له إلى الجيش، والذي رحب به وقرر العفو عنه. وبينما أقرت قوات الدعم السريع بالانشقاق وقللت مما حدث، وصف مراقبون تسليم كيكل بالضربة الميدانية الكبيرة لـ"الدعم". لكن الأمر تسبب في حالة من الجدل القانوني والسياسي في البلاد، بين متفائلين بأن ما حدث يمثل مؤشراً إلى قرب انتهاء الحرب المستمرة في السودان منذ 18 شهراً، وبين من يرون في العفو المصاحب لذلك تقنيناً لإفلات المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة من العقاب. يأتي ذلك فيما تسببت الحرب المندلعة منذ 15 إبريل/ نيسان 2023 في مقتل آلاف السودانيين وموجات من النزوح الداخلي واللجوء إلى دول الجوار.

وقال مركز بيانات الصراعات المسلحة الأميركي (أكليد)، في تقرير في العاشر من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، إنه سجلت منذ اندلاع القتال لأول مرة 8109 أحداث عنف سياسي، وأكثر من 24850 حالة وفاة في السودان.
وظهرت في ديسمبر/ كانون الأول 2022 مجموعة مسلحة باسم "درع السودان" يقودها أبو عاقلة كيكل، وهو عضو سابق في نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ونفذت مجموعته عرضاً عسكرياً في منطقة الجبال الغر "سهل البطانة"، وسط السودان. وقال كيكل، حينها، إن هدفه هو إعادة التوازن الاستراتيجي في البلاد، "بعدما ألحقت اتفاقية جوبا للسلام الموقّعة في 2020 (اتفاقية سلام بين الحكومة وحركات مسلحة في دارفور) "ظلماً بمناطق الوسط وشمال وشرق السودان وانحازت لحركات دارفور".

عثمان صالح: الحرب في السودان نزاع داخلي وينطبق عليها القانون الدولي الإنساني

ولم تعترض الحكومة طريق هذه القوات وهي تقوم بتجنيد المواطنين وتنظم العروض العسكرية، قبل أن تفاجئ هذه القوات الجميع، وتنضم في أغسطس/ آب 2023 إلى صفوف "الدعم السريع" وذلك من أجل "نصرة الهامش ومحاربة فلول النظام السابق"، كما قال قائدها آنذاك.

وفي 20 أكتوبر الحالي أصدر الجيش السوداني بياناً أعلن فيه انسلاخ أبرز قادة قوات الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل مع عدد كبير من قواته وآلياته وانضمامه لصفوف الجيش. وقال إن كيكل قرر ذلك بعدما "تكشف لهم زيف وباطل دعاوى مليشيا آل دقلو الإرهابية وأعوانهم، وأنهم مجرد أدوات رخيصة لتمرير أجندة إجرامية دولية وإقليمية لتدمير البلاد أرضاً وشعباً ومقدرات". ورحب الجيش بما وصفه بالخطوة الشجاعة من كيكل وقواته، معلناً أن أبوابه ستظل مشرعة لكل من ينحاز إلى صف الوطن وقواته المسلحة. وجدد عفو القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان عن أي "متمرد" ينحاز لجانب الوطن ويبلغ لأقرب قيادة عسكرية بكل مناطق السودان. وكان البرهان قد أصدر في 18 إبريل/ نيسان 2023 قراراً بالعفو العام عن كل من يضع السلاح من قوات الدعم السريع. وأفاد بيان صادر عن الجيش أن ذلك "سيتضمن استيعابهم في القوات المسلحة اعتباراً من تاريخ التبليغ".

وضجت الساحة السياسية في السودان بما حدث، واعتبر البعض أن استسلام كيكل وانضمامه إلى الجيش خطوة جيدة وستعجل بنهاية "الدعم السريع"، فيما رأى آخرون أنها تقنن الإفلات من العقاب وتضيع حقوق الضحايا المتضررين من قوات الدعم السريع وكيكل الذي كان قائداً لها في ولاية الجزيرة، والتي شهدت انتهاكات كبيرة. وفي ما يبدو كرد مقتضب على الضجة التي أثارها الانضمام والعفو، قال عضو مجلس السيادة في السودان الضابط في الجيش إبراهيم جابر، في لقاء مع منظمة محلية، في 20 أكتوبر الحالي، إن الحكومة السودانية حريصة على عدم إفلات كل من اعتدى على حقوق الشعب السوداني وزعزع استقرار البلاد من العقاب.

من جانبها، قللت قوات الدعم السريع من الانشقاق. وقال مستشار قائد "الدعم" الباشا طبيق، في تصريح على موقع إكس، في 20 أكتوبر الحالي، إن "مسيرة التحرر مستمرة وقطار التحرر انطلق، وبالتأكيد تكون هناك محطات كثيرة يركب فيها أناس داعمون ومقتنعون بالقضية وينزل الكثيرون في محطات مختلفة، وما أبو عاقلة كيكل إلا واحد من الذين ركبوا قطار التحرر بإرادته، وتحدث بملء فمه أنه اقتنع بقضية الدعم السريع، وشارك مع الأشاوس في كثير من المواقع، والآن غادر بإرادته مثلما غادر من قبل 480 ضابطاً رجعوا للجيش والأجهزة الأمنية، ولم يتأثر الدعم السريع بذلك". واعتبر طبيق أن كيكل اختار الآن "طريق الغدر والخيانة ولن يؤثر ذلك في مسيرة قوات الدعم السريع لتحرير السودان من قوى الظلام والاستبداد ودك معاقل الإرهاب والتطرف وتجفيف منابعه في السودان".

حافز لاستسلام عناصر "الدعم"

وعن ذلك، قال المواطن عبد الكريم أحمد لـ"العربي الجديد"، إن ما حدث مع كيكل يمثل حافزاً كبيراً لتشجيع من تبقى في صفوف "الدعم السريع" على الاستسلام، مع أهمية التعامل الإيجابي معهم، الأمر الذي سيساهم في تعزيز الثقة ودفع الآخرين لاتخاذ الخطوة نفسها والتعجيل بإنهاء الحرب.
لكن المواطن صديق عمر رأى أنها خطوة جيدة لكن لا يجب ربطها بالعفو ومحو الجرائم التي ارتكبها كيكل أو غيره ممن سيسلمون أنفسهم، متوقعاً أن يؤدي الاستسلام والانضمام للجيش من عناصر "الدعم السريع" لمنع ملاحقتهم قضائياً، وهو ظلم للضحايا والمتضررين من الحرب. واعتبر أنه يجب على الجيش أن يجد معالجة أخرى، أو يسمح للمتضررين بمقاضاة مجرمي الحرب المستسلمين.

الحرب في السودان نزاع داخلي

من جهته، لفت المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان عثمان صالح إلى أن الحرب في السودان هي نزاع داخلي وينطبق عليها القانون الدولي الإنساني الذي يمنع أي سلوك يؤدي للإضرار بالمدنيين والأعيان المدنية، وأطراف الحرب إذا لم يلتزموا بضوابط النزاع فهم معرضون للمساءلة. وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه خلال الحرب الحالية في السودان ارتكب المتقاتلون جرائم خطيرة، أبرزها القتل والاغتصاب ومنع المساعدات الإنسانية، مشيراً إلى أن الكثير من هذه الانتهاكات تساوت فيها الأطراف، وبعضها تختلف فيها النسب، لهذا، الطرفان معرضان للمساءلة.

محمد صلاح الدين: كيكل مسؤول عن جميع الأوامر للجنود والجرائم المرتكبة في الجزيرة

وقال صالح إن حكومة السودان غير مؤهلة لإجراء تحقيق حقيقي في الجرائم، لهذا فهي لا حق لها بإصدار عفو عن شخص مثل كيكل، مضيفاً أن المحكمة الأوروبية ترى أن التعذيب وإساءة المعاملة لا تسقط بالتقادم ولا تخضع للعفو باعتبارها جرائم خطيرة، لذلك فمن باب أولى أن يكون القتل وتدمير القرى والعنف الجنسي أكثر خطورة، ويجب ألا تخضع للعفو أو تسقط بالتقادم. وذكر أن العفو عن مرتكبي الانتهاكات في السودان يتعارض مع واجب التحقيق في الجرائم الخطيرة ومقاضاة مرتكبيها، لهذا لا حق لهم في العفو عن هذه الجرائم. وأضاف: "أي جريمة تتخيلها ارتكبت في حق الشعب... وكيكل ارتكب جرائم، خصوصاً في ولاية الجزيرة، وهو قائد للقوات هناك ويصدر الأوامر"، محذراً من أن هذه المسألة تؤدي للإفلات من العقاب، "وسنتخذ كل الإجراءات الممكنة لجمع البيّنات في مواجهة الأشخاص للمساءلة عن الانتهاكات، حتى لو تعذرت الآن ملاحقة هؤلاء المتهمين داخل البلاد في ظل عدم وجود قضاء نزيه، أو شرطة تحقق، فسيظلون ملاحقين في الخارج".

بدوره، قال عضو المكتب التنفيذي لمجموعة "محامو الطوارئ" الحقوقية محمد صلاح الدين، لـ"العربي الجديد"، إن كيكل هو قائد "الدعم السريع" في الجزيرة، لذلك هو مسؤول عن جميع الأوامر للجنود والجرائم المرتكبة هناك طوال الفترة السابقة، وأن القرارات التي تصدر بالعفو مؤسفة، وتؤكد أن الحرب الحالية قائمة أساساً على سلسلة الإفلات من العقاب، التي ظل السودان يعاني منها طوال تاريخه.

وذكر أنه ليس من حق قائد الجيش إصدار عفو عن كيكل، باعتبار أنه استند إلى الوثيقة الدستورية التي تم الانقلاب عليها في أكتوبر 2021 وبالتالي أصبحت غير دستورية لفقدان الشرعية والحذف والتعديل على بعض موادها. وأبان أنه إذا كان العفو المقصود بخصوص أن المعني كان تابعاً لمجموعة متمردة فهذا التعريف غير قانوني وإنما سياسي، والقانون أورد العفو الرئاسي بشروط لا تنطبق على كيكل ولا على البرهان.

وأشار صلاح الدين إلى أنه من حق الضحايا المطالبة بالعدالة والمساءلة عن الجرائم، خصوصاً في ولاية الجزيرة، مثل الاغتصاب والقتل خارج نطاق القضاء والإبادة نسبة لسقوط أعداد كبيرة من المدنيين، معتبراً أن القرار كما جاء يقنن الإفلات من العقاب ويعطي انطباعاً بأن أي ضابط أو جندي بعد ارتكابه الجرائم مع "الدعم السريع" سيتم العفو عنه إذا عاد وانضم للجيش. وذكر أنه في كل حقبة يصدر عفو عن السلطة ولا تتم المحاسبة، وهو خلل كبير جداً يفتح الباب لمزيد من إفلات العديد من مرتكبي الجرائم من العقاب. وأضاف أنه طوال الفترة السابقة كان يتم العفو عن متهمين بجرائم، حتى أن أغلب القوات المشاركة حالياً في الحرب كانت قد شاركت في حروب سابقة، وارتكبت جرائم وأصدرت السلطات قرارات بالعفو عنها، وأحياناً تكافئها، "وهذا مظهر مخز لظاهرة الإفلات من العقاب".

المساهمون