السودان... تدارك ما يمكن تداركه

09 مايو 2023
في محطة قطارات جنوب الخرطوم، أمس الأول الأحد (فرانس برس)
+ الخط -


حينما اندلعت الحرب في لبنان في سبعينيات القرن الماضي، لم يكن أحد يتصور أنها ستستمر لسنوات طويلة، خصوصاً مع ادعاءات كل طرف القدرة على  القضاء على العدو في ساعات أو أيام أو بضعة أسابيع. وكذا الحال حينما بدأت حرب اليمن الأخيرة، ظن كثر أن تحالف استعادة الشرعية يستطيع القضاء على مليشيات الحوثيين في أيام أو أسابيع، ولم يكن في خاطر هؤلاء أن تستمر الحرب كل تلك السنوات.

في تاريخ السودان، ما بعد الاستقلال، بدأ التمرد على الدولة المركزية في أكثر من مرة، سواء في الجنوب أو دارفور أو الشرق أو جبال النوبة والنيل الأزرق. ومع كل تمرد تؤكد الدولة قدرتها على الحسم الفوري والردع وإنهاء التمرد، لكن ما من حرب انتهت يوماً ما في تاريخ السودان بانتصار طرف من الأطراف، إنما تجيء النهايات دوماً وأبداً باتفاقيات سلام يتصافح فيها، أمام عدسات التصوير، القادة وتتشابك أياديهم، ولا عزاء للقتلى والجرحى واللاجئين والنازحين وما أكثرهم في بلد أعيته الحروب والنزاعات والدمار والخراب.

لن تكون الحرب الحالية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع استثناء من تلك السيناريوهات المكرورة، مهما ادعى الطرفان من انتصارات زائفة في حرب عبثية، كما وصفها قائد الجيش نفسه الجنرال عبد الفتاح البرهان في لحظة صدق متأخرة.

حتى الآن، لم ينتصر أحد، وليس لأي طرف في تقديري فرصة للانتصار الكامل والحاسم، والواقع يقول إننا أمام حرب طويلة الأمد، والواقع حتى الآن أنه لم يخسر أي من الطرفين بمثل ما هي خسارة الشعب السوداني الذي قتل وتشرد ودمرت بنيته التحتية وفقد الماء والغذاء والدواء، ويعيش تحت الخوف في أي لحظة فيموت أكثر من مرة، وإن نجا اليوم من الرصاص الطائش فلن ينجو من عصابات النهب التي طاولت يدها كل شيء، حتى مصانع وشركات المواد الغذائية.

وعليه، لا طريق للخروج من جحيم الحرب الحالية سوى التفاوض على خريطة طريق لحل سلمي يتعاطى مع الواقع كواقع، ويعمل على تضميد جراحات الحرب، ويعيد وسيلة الحلول السلمية التي بدأت قبل أشهر، وهى عملية على علّاتها تكمن فيها كثير من الحلول، فهي التي  تعيد السلطة للمدنيين مع تفرغ العسكر لأشغالهم في إصلاح مؤسساتهم وحماية الحدود والدستور وترك السياسة للسياسيين، على أن يعمل الجميع على إعادة تعمير ما دمرته الحرب، والتركيز على إدارة مرنة للفترة الانتقالية، تخاطب قضايا الحياة والمعيشة، وصولاً لانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب من يختار ويرفض من يرفض.