السودان بعد 6 أشهر على الحرب.. ما حصيلة القتال؟

15 أكتوبر 2023
تحوّلت الخرطوم إلى ما يشبه ثكنة عسكرية (Getty)
+ الخط -

أكملت الحرب في السودان شهرها السادس، اليوم الأحد، في ظل عجز الطرفين عن حسم المعركة وسط استمرار معاناة كبيرة للمدنيين، ونستعرض في هذ التقرير حصيلة هذا القتال والنتائج التي حققتها الأطراف المتصارعة.

المدنيون يدفعون الثمن

اندلع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 إبريل/نيسان الماضي، وخلف حتى الآن ما يقارب تسعة آلاف قتيل في صفوف المدنيين وإصابة الآلاف منهم بجراح مختلفة، ولم يعلن أي من الطرفين عدد قتلاه حتى الآن. 

وتسببت الحرب في نزوح أكثر من 5 ملايين شخص من الخرطوم ومدن أخرى إلى مناطق أكثر أمناً، فيما اختار نحو 300 ألف منهم اللجوء إلى دول الجوار مثل مصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان.

وامتدت نيران المعارك إلى 10 ولايات سودانية، من بين 18 ولاية، هي: الولاية الشمالية، أربع ولايات في إقليم دارفور، ثلاث في كردفان، ولاية الجزيرة وولاية الخرطوم.

وتعتبر العاصمة الخرطوم المركز الرئيسي للحرب وتشهد معارك يومية منذ بدء المواجهات بالأسلحة الثقيلة والخفيفة وسلاح الطيران، الذي كان في بداية الحرب حكراً على الجيش لكن ما لبث الدعم السريع أن حصل على طائرات مسيرة وبدأ باستخدامها في الهجوم على مواقع تابعة للجيش.

الوضع على الأرض حالياً

وتسيطر قوات الدعم السريع حالياً على نسبة أكبر من ولاية الخرطوم حيث استولت على عدد من المواقع العسكرية الخاصة بالجيش كما تحاصر، منذ أشهر، أهم مواقع للجيش (مثل مقر قيادته بالخرطوم وسلاح المدرعات بمنطقة الشجرة جنوب بالخرطوم) وتمتلك زمام المبادرة في الهجوم على مواقع أخرى( مثل سلاح المهندسين في أم درمان والإشارة في مدينة الخرطوم بحري)، وتهاجم بنسبة أقل قاعدة وادي سيدنا العسكرية، حيث القوة الضاربة للجيش.

وتتحرك "الدعم السريع" بحرية في نطاق العاصمة التي توسعت فيها، وكانت آخر الأماكن التي استولت عليها "الدعم السريع" مدينة العيلفون، تبعد عن وسط  الخرطوم ما يقارب 20 كم، وحاولت القوات التحرك نحو أم ضوبان ومدينة العيدج بولاية الجزيرة لكنها لم تبق فيها.

وبينما ترجح كفة السيطرة على الأرض في الخرطوم لقوات الدعم السريع، يسيطر الجيش تماماً على الأجواء، حيث تنفذ طائراته بشكل يومي غارات ضد "الدعم السريع" داخل الخرطوم وخارجها، تصل إلى الأبيض ونيالا غرب البلاد.

ويرى مراقبون أن الجيش يرمي من خلال القصف الجوي المكثف إلى تقليل حجم القوة البشرية لـ"الدعم السريع" قبل الدخول معها في معركة فاصلة لتعديل موازين القوى، التي رجحت لصالح القوات، حيث أظهرت قوات الدعم السريع خلال فترة الحرب قوة عددية فاقت الجيش بمراحل، واتهم الجيش في أكثر من مرة "الدعم السريع" باستجلاب مقاتلين مرتزقة من مالي والنيجر وتشاد وهو ما تنفيه الدعم السريع.

وفي خارج الخرطوم سيطرت "الدعم السريع" بالكامل على ولاية غرب دارفور بعد معارك عنيفة في يونيو/حزيران الماضي أدت لمقتل حاكم الولاية، خميس عبد الله أبكر، وما لا يقل عن خمسة آلاف شخص غالبيتهم العظمي من قبيلة المساليت، وصنفت كثير من المنظمات الحقوقية والمحلية والعالمية ما جرى في المدينة، المتاخمة للحدود مع تشاد، بأنه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بحق مجموعة المساليت ما يستوجب تقديم المسؤولين عنها داخل قوات الدعم السريع لجريمة حرب مكتملة الأركان.

وفي ولاية جنوب دارفور استمر القتال العنيف في مدينة نيالا مركز الولاية، ولاذ مئات الآلاف من السكان بالفرار عقب مقتل المئات منهم بالقصف المدفعي المتواصل، واقتسم الطرفان السيطرة على المدينة، التي عاشت حالة شلل تام لأسابيع طويلة، وكذلك تستمر الاشتباكات في ولايتى وسط وشمال دارفور.

أما في ولاية شمال كردفان، غرباً، فقد تعرضت جل مدنها الكبرى لهجمات من "الدعم السريع"، ومنها عاصمة الولاية، مدينة الأبيض، التي تحاصرها "الدعم السريع" منذ أشهر عبر ثلاثة محاور، ويعاني المدنيون من القصف المدفعي وسقوط المقذوفات على منازلهم وتدني ظروف الحياة بصورة عامة.

وفي الولاية الشمالية، انطلقت  الشرارات الأولى للحرب من قاعدة مروي العسكرية الجوية التي سيطرت عليها الدعم لأيام قبل أن يستعيدها الجيش، ونعمت بعدها الولاية بالأمان، أما ولاية الجزيرة فقد استولى الجيش على منطقة الباقير وما حولها من مناطق مجاورة للخرطوم، ويتحرك بحرية حتى مدينة المسيد وداخل الأجزاء الشمالية لمشروع الجزيرة. 
في بقية الولايات، مثل نهر النيل والقضارف وكسلا وسنار والبحر الأحمر وغيرها، يبسط الجيش سيطرته التامة، واتخذت الحكومة منذ مايو/أيار الماضي من مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، عاصمة إدارية مؤقته للبلاد وانتقل اليها رئيس مجلس السيادة قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، والوزراء وكبار موظفي الدولة، في حين تفكر السلطات في جعل مدينة ود مدني، وسط، عاصمة اقتصادية وهي واحدة من أهم المدن التي لجأ إليها سكان العاصمة الخرطوم.

 

لماذا لم يحسم الجيش المعركة؟ 

بعد مضي نصف عام على الحرب فشل كلا الطرفين بحسم المعركة ما يفتح المجال للتوقعات والتكهنات بإطالة أمد الحرب لفترة أطول، ويبقى السؤال: لماذا لم ينجح الجيش في الحسم رغم تاريخه الممتد لعقود وخبرته الطويلة في الحروب الداخلية؟ 

ويرى اللواء متقاعد دكتور محمد خليل الصائم، أستاذ الدراسات الاستراتيجية، في حديث لـ"العربي الجديد" أن الجيش "لم يفشل بل حقق نجاحاً غير مسبوق في إدارة المعركة التي بدأت بتفوق قوات الدعم السريع من خلال سيطرتها على مواقع ونقاط استراتيجية كانت موجودة فيها أصلاً، كما كان عدد قوات الدعم يفوق عدد قوات الجيش بنسبة كبيرة، حيث تملك الدعم نحو 60 ألف مقاتل وكل قوات الجيش في الخرطوم لم تتعدَّ 3 آلاف، ورغم ذلك صمد الجيش بشكل أبهر المراقبين العسكريين، ومنيت قوات الدعم بخسائر كبيرة، كما أقر بذلك قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو حينما كشف عن مقتل 4800 من قواته في يوم واحد".

ويضيف الصائم أن "قوات الدعم السريع حددت هدفها من الحرب بالقبض على البرهان واستلام السلطة لتنفيذ الاتفاق الإطاري، الموقع في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وها هي قواتها تفشل في هدفها بعد نصف عام من الزمان"، مبيناً أن "الجيش دمر حتى الآن ما بين 80 إلى 90 بالمائة من قوة الدعم السريع ولم يتبق إلا القليل، ولم يهتم الجيش كثيراً بمسألة السيطرة على الأرض".

من جهته، يرى اللواء متقاعد محمد خليل في حديث مع "العربي الجديد" أن "تعاون أعداد كبيرة من المواطنين مع الدعم السريع، خاصة الشباب وصغار السن، بعد اغرائهم بالمال، هو أحد أسباب تأخير حسم الجيش. بالإضافة لتسرع بعض مؤيدي الجيش في وسائط التواصل الإجتماعي في نشر تحركات الجيش دون حس أمني"، مشيراً إلى أن "لا أحد يمكنه التنبؤ بموعد نهاية المعارك بعد دخولها الشهر السابع وأن كل شيء متروك للظروف"، وأوضح أن "المطلوب من الجيش في الفترة المقبلة شن هجوم في وقت واحد على كل المحاور والاتجاهات على مواقع العدو، بما يمنعه من الحصول على إمداد من بقية الحبهات". 

ولماذا فشل الدعم السريع؟ 

اذا كان الجيش أخفق بحسم المعركة فما أسباب فشل قوات الدعم السريع في حسمها وتحقيق هدفها المعلن في القبض على قائد الجيش "وبقية فلول النظام البائد" وتحقيق الديمقراطية وتسليم السلطة للمدنيين (كما أعلنت)؟.

ويقول اللواء متقاعد صلاح الدين عيساوي لـ"العربي الجديد" عن أسباب فشل الدعم السريع، إن "الدعم السريع، وطوال الفترة السابقة، لم تتحدث عن حسم معركة بل تقاتل بسبب مهاجمة مقارها"، مضيفاً أن "قوات الدعم السريع أثبتت خلال 6 أشهر للمجتمع الدولي والإقليمي أنها جيش مواز لا يمكن تجاوزه وتجاوز طلباته".

وأوضح عيساوي أن "الدعم شلت كل قدرات الجيش وأضعفته وفرضت كلمتها على الأرض سواء في الخرطوم أو بالولايات الأخرى، وأن أكبر دليل على الانتصار هو هروب قائد الجيش من أرض المعركة، وذهابه إلى بورتسودان ونيته تشكيل حكومته من هناك. ودليل آخر هو الحصار المستمر الذي تفرضه الدعم السريع على القيادة العامة للجيش وسلاح المدرعات ومقار عسكرية أخرى".

وأشار عيساوي إلى أن "دخول قوات مصرية في الحرب لجانب الجيش ووجود خبراء أوكرانيين في قاعدة وادي سيدنا سيعقد أكثر واقع الحرب في السودان: مؤكداً أن "الحرب سوف تطول إن لم يتخل البرهان عن الإسلامين من رموز النظام البائد الذين يحركون القرارات، أو ينقلب الجيش على البرهان او ينتهي كل شيء بالجلوس على طاولة التفاوض". 

 

الدعم السريع .. انتهاكات مستمرة

ولم تتوقف انتهاكات قوات الدعم السريع في الأشهر الستة المنصرمة، ولم يعد ذلك مجرد اتهامات مع تأكيد الهاربين من المناطق التي وقعت تحت سيطرة القوات تلك الانتهاكات التي شملت: القتل والنهب والاغتصاب وطرد المدنيين من منازلهم وتصفية الجرحى.

ولا ينكر اللواء عيساوي، وقوع تلك الانتهاكات، لكنه يرى أن تصرفات الجيش بتدمير معسكرات الدعم السريع عبر الطيران هو الذي حول المعركة إلى داخل الأحياء، مبدياً استغرابه من تركيز الغالبية على انتهاكات الدعم بينما يتجاوز الانتهاكات المماثلة التي يرتكبها الجيش. لكن اللواء الصائم ينفي بشكل قاطع ارتكاب الجيش لانتهاكات ويقول أن "المهمة الوحيدة التي يركز عليها الدعم السريع هى الحرب ضد المواطن التي بلغت مداه الجمعة الماضي بقصف المصلين أثناء صلاة الجمعة ما أدى لمقتل 23 من المصلين". 

ما هو دور المجتمع الإقليمي والدولي

بعد اندلاع الحرب، سارعت أكثر من جهة خارجية، مثل الاتحاد الافريقي والهيئة الحكومية للتنمية "ايغاد" ومصر، للتوسط لانهاء الحرب، ونجحت أولاً مبادرة إيغاد في تنفيذ أول هدنة خلال الأسبوع الثاني من الحرب لكنها لم تصمد طويلاً، وتدخلت الولايات المتحدة الأميركية والسعودية بمبادرة أشمل تقدمت خطوات عملية لكنها تعرضت لانتكاسة مفاجئة بانسحاب الجيش من التفاوض متهماً الدعم السريع بعدم الالتزام بالاتفاقيات الأولية التي قضت بخروجه من منازل المدنيين وكافة المراكز المدنية.

وقام عدد من الدول بارسال مساعدات إنسانية لدعم المتضررين من الحرب، كما تحركت واشنطن بشكل أحادي وأصدرت عقوبات بحظر الدخول للولايات المتحدة وتجميد الأصول بحق كل من عبد الرحيم دقلو، قائد ثاني في قوات الدعم السريع، وعلي أحمد كرتي، القيادي البارز في نظام البشير، بحجة دوره في إشعال الحرب، وهددت واشنطن بمزيد من العقوبات.

كما هدد الاتحاد الأوربي باتخاذ قرارات مماثلة وتحرك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي وأجاز مشروع قرار بتشكيل لجنة تحقيق دولية حول انتهاكات الحرب، مع إمكانية عرض نتائج التحقيق على مجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية. 

وعلى صعيد مختلف، ظلت دولة الإمارات محل اتهام من قبل مؤيدي الجيش بدعم قوات الدعم السريع وامدادها بالأسلحة، يقابله اتهام لمصر بدعم الجيش وامداده بالسلاح والخبراء والمسيرات، بينما ظلت الدولتان تؤكدان عدم انحيازهما لأي طرف ورغبتهما في الحل السلمي.

ويقول اللواء محمد خليل إن "تعدد المبادرات الإقليمية والدولية لم يكن فيه شئ من الإنصاف للجيش الذي لا يمكن مساواته بمليشيا متمردة وذلك مافعلته الايغاد"، وينوه إلى وجود "دول ساندت الدعم السريع بالمال والعتاد، خصوصاً وأن الدعم السريع تسيطر على ثروات السودان وبالتالي تريد تلك الدول استمرار مصالحها مع الدعم السريع"، بينما يتهم الصائم الدول الغربية بالسعي نحو إدانة الجيش ظلماً وبهتاناً، كما اتهم المجتمع الدولي بالتقاعس عن تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين. بالمقابل يقول عيساوي إن "رفض سلطة البرهان لتكوين لجنة تحقيق دولية دليل على عدم رغبة طرف في الوصول للحقيقة".

منظور ثالث 

وعدا عن الطرفين المتصارعين تبقى هناك أطراف سودانية أخرى بعيدة عن الانخراط المباشر بالحرب تقول أنها تسعى لإيقاف الحرب وتحقيق السلام مثل قوى إعلان الحرية والتغيير، التي تتهم النظام السابق باشعال الحرب والعمل على استمرارها.

ويقول محمد الفكي سليمان، العضو السابق بمجلس السيادة، لـ"العربي الجديد" إن "الحرب خلال ست أشهر قتلت الآلاف وشردت سبعة ملايين سوداني داخلياً ومئات الآلاف إلى دول الجوار، وهي أكبر عملية نزوح في تاريخ الدولة السودانية" وأضاف سليمان لـ"العربي الجديد" إنه على صعيد المنظومة الأمنية "حدث دمار ممنهج للقوات وبنيتها القتالية، سواء للجيش او الدعم السريع، وإعادة العمل عليها لتشكيل جيش واحد أصبح يحتاج جهداً مضاعفاً على ما كان عليه قبل الحرب".

مشيراً إلى أنه وبعد ستة أشهر دون حسم "يعود الناس للصوت الذي قال منذ الطلقة الأولى إن هذه الحرب أسبابها سياسية وحلها على طاولة التفاوض، ولكن هذا الخطاب لم يلق آذاناً صاغية من طرفي القتال" ولكن حالياً، يضيف سليمان "أصبح الناس أكثر ميلاً لفرض خطاب السلم، وهو ما قاد للحديث عن الجبهة المدنية التي تتكون من طيف وَاسع من الفاعلين السودانيين في لجان المقاومة والمجتمع المدني والنقابات والأحزاب السياسية والحركات المسلحة".

ويقول أسامة حسون، القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، لـ"العربي الجديد" إن الحرب "شردت ودمرت وارتُكب فيها جرائم حرب من نهب وقتل واغتصاب وتدمير لكافة أساسيات الحياة واستهداف المدنين والأخطر فيها خطاب العنصرية والقبلية ما يشكل خطراً علي وجود الدولة السودانية خاصة أنه ليس هناك منتصر في الحرب والخاسر الوطن".

وشدد حسون على وجوب وقف الحرب على أن يكون هناك "توافق سياسي بين كل القوى السياسية والاتفاق علي فترة انتقالية يحدث فيها تحول ديمقراطي ومفاوضات مستقلة، على أن يحدث كل ذلك وفق إرادة سودانية من غير أي تأثيرات خارجية".